بلا مقدمات ودون استئذان، رحل المصور الصحفي شادي مشعل إثر سكتة قلبية مفاجئة صبيحة يوم الجمعة الخامس عشر من يناير الحالي، وبقدر سرعة الخبر دون تمهيداته ومقدماته كان مفاجئًا صادمًا لكل من عرف شادي وعاش معه من أهله وأحبابه وزملائه الصحفيين خصوصًا صحفيي رفح.
مدينة رفح بكل أحيائها ومخيمات لاجئيها وحاراتها وشوارعها وأزقتها الضيقة رثت مشعل الذي تنقّل بينها ، ينقل معاناة حصار أهلها ، ويغطي كل جريمة إسرائيلية بحق أبنائها وكأنه يطاردهم بكاميرا تصويره ويفضح إرهابهم ، وفي المقابل يرسم إنجازاتها وصمود أبطالها ومقاوميها.
ولد شادي أحمد مشعل في 25/6/1984م، وهو أحد سكان حي تل السلطان غربي مدينة رفح جنوب قطاع غزة ، متزوج وأب لطفلين ، الطفلة مريم 9 سنوات وهي مريضة بإعاقة ذهنية وحركية ، والطفل أحمد 7 سنوات ويدرس في الصف الثاني الابتدائي.
مصوّر "القدس"
وخلال لقاء "فلسطين الآن" مع مراسل قناة القدس الفضائية محمد الداهودي أوضح أن مشعل درس مشعل دبلوم في الصحافة والإعلام في كلية فلسطين التقنية ، والتحق بقناة القدس في ثالث أيام حرب الفرقان في الأول من يناير 2009 كمصور في مدينة رفح.
وأشار أنه غطّى الحروب الثلاثة على قطاع غزة وكان المصور الوحيد في المحافظة دون معاونة أحد أو معرفة للراحة والتعب ، وشارك في إنتاج مئات القصص الصحفية والمواد الإخبارية.
وقال الداهودي:"كان معروف بجرأته التي تصل لحد التهور أحيانًا في سبيل توثيق جرائم الاحتلال ويحسب له تصوير أكثر المقاطع خطورة وقوة" ، مضيفًا:"معروف بتفانيه وإخلاصه في عمله ولديه روح المبادرة ، واشتهر بابتسامته وعدم تقبله للإهانة ، فكان سريع الغضب وسريع التسامح والتصالح لا يبيت ليلته قبل أن ينهي خلافه مع أحد أو حق لغيره عنده".
ومن جانبه قال مدير مركز سمارت ميديا للخدمات الإعلامية برفح وائل أبو محسن لـ"فلسطين الآن":"رحم الله زميلنا شادي فقيد الصحافة وفقيد رفح الذي غادرنا فجأة دون استئذان ، عرفناه منذ التحاقه بفضائية القدس قبل 7 سنوات مجدا مجتهدا فى عمله يبحث عن قصص وقضايا أبناء شعبه ليصورها أولًا بأول حتى تصل الصورة للعالم".
وأضاف أبو محسن:" عرفناه بشوشًا ضحوكًا لا نري سوى الابتسامة العريضة على وجهه يحب كل زملائه ويحبونه".
ثلاثة حروب
ويروي الداهودي زميل مشعل على مدار سبع سنوات أن مشعل كان أن يفقد حياته على الأقل ثلاث مرات خلال الحرب الأخيرة صيف 2014م وهي موثقة بالكاميرا الخاصة به ، ويسرد هذه الأحداث:"أول مرة عندما قصف منزل لعائلة الحبيبي ، والثاني انهيار جزء من منزل عائلة غنام في مخيم يبنا بعد قصفه أثناء تصويره ، والموقف الثالث أثناء القصف المدفعي يوم الجمعة السوداء".
وتابع بقوله:"من المواقف التي لا تنسى له في الحرب أنه واصل عمله رغم استشهاد ابن عمه الذي يكون شقيق زوجته وجاره في نفس الوقت" ، وأضاف:" وكان برفقتي وأول من وثق جريمة اغتيال القادة الشهداء الثلاثة وفي صدارة توثيق جرائم قتل العائلات في رفح".
وبدوره أكد أبو محسن" خاض وصور الحروب الثلاثة على رفح ولم يكن يتوانى للحظة عن نقل صورة أبناء شعبه ولا يأبه بالوضع الأمني من طيران وقذائف وغيرها بل يغامر من أجل نقل الصورة".
شهادات
بكل لوعة وحزن ودموع الفقد تحدث مدير قناة القدس الفضائية بغزة عماد الإفرنجي عن فقيدها خلال حفل تأبينه وقال:"سلام لك يا شادي في الخالدين ، سلام لك وأنت تفارقنا في لحظة صعبة ، يوم الجمعة الماضي لم يكن كباقي الأيام ، كان يومًا أليمًا حزينا ، كان يومًا صاعقا على قناة القدس وهي تودع أحد فرسانها".
وتابع:"شهدت وكأن رفح جميعها تشيعك يا شادي ، والله وهم يشيعونك تمنيت أن أكون صاحب هذه الجنازة ، دليل محبة ، ويوم جمعة ، وجميعنا يتمنى أن يموت يوم الجمعة كي يؤمن من عذاب القبر".
وأفاض بحديثه:"عن ماذا أتحدث في هذا المقام؟ ، نتحدث عن شادي صاحب الابتسامة الطيبة ، صاحب الأخلاق الحميدة ، الذي لم يشكُ يوما كما الكثير ، لم يشكُ يوما من عمله بل اعتبره رسالة وأمانة ومهمة وطنية وإنسانية وهو يناصر وينتصر لهذا الشعب المظلوم".
مضيفًا:"سلام عليك يا شادي ونحن نتواصل معك في الليل والنهار على مدى ثلاثة حروب وعدوان على قطاع غزة ، وأنت لم تكل ولم تمل تنافح عن أبناء شعبك بالصورة ، تنقل صورة الطفل والشيخ والشهيد والجريح عل هذا العالم الصامت على قتل شعبنا أن يتحرك ، لم يكتب لك في هذه الحروب أن تنال الشهادة ولكن نسأل الله أن تكون قد نلتها بصدقك ومصداقيتك مع الله عز وجل".
ومن جانبه قال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية أثناء تأدية واجب العزاء لعائلة مشعل:"شادي رحمه الله هو مقاتل ومجاهد ، لأن هؤلاء الشباب يتحركوا بهذه الكاميرا في كل الساحات المختلفة تحت أزيز الرصاص وقذائف المدفعية واستهداف العدو الصهيوني".
وأضاف:" رغم ذلك ظل في الميدان ظل في حالة التغطية لقضيته الوطنية قضية فلسطين لقضية الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة لدعم منهجية وثقافة المقاومة ، يفارقنا اليوم الحبيب شادي وكلنا ألم ؛ ولكن عزاؤنا أن ما قدمه لشعبه وقضيته سيكتبه الله له في ميزان حسناته وسيرفع درجته".
وعبر رئيس بلدية رفح صبحي أبو رضوان عن بالغ حزنه وأسفه على وفاة المصور الصحفي شادي مشعل ، مشيدًا ببطولته في نقل معاناة وهموم مدينة رفح ، وقال:"تعودنا عليه أن يكون دائما قريبًا من البلدية سواء في الأيام العادية أو في أيام الحرب والعدوان".
وأضاف:"خلال الحرب كان دائما في تنقلاتنا وفي تحركاتنا ، ونحن نأسف لوفاة شاب بهذه الأخلاق وهذه الدماثة وبهذا الجهد والنشاط الحيوي الذي كان يتمتع به ، ونسأل الله أن يتغمده برحمته ويرزق أهله الصبر والسلوان".