أَحَبّهم فعشق تُربَهم الذي فيه يفحرون، والذي بأرواحهم وأنفسهم داخله يخاطرون، فكتب لأجلهم ما لم يتوقعه هو أن يكتبه، وحدّث عن أخبارهم فأبدع كما يبدعون.
إنه الشاعر قتيبة عبد الرحمن، الذي سخّر قلمه وكل ما يملك من فكره وموهبته، في وصف شهداء مرحلة الإعداد والتجهيز، شهداء الأنفاق.
"فلسطين الآن"، تحدثت لخريج اللغة العربية من كلية الآداب بالجامعة الإسلامية، وأحد طلبة الماجستير فيها، الشاعر عبد الرحمن، والذي برع في رثاء شهداء الأنفاق بعد أن اكتشف موهبته حديثأ قبل أربع سنوات.
البداية
يفصح العشريني أنه اكتشف موهبته متأخرًا، خاصة بعد رحيل أحد رجال الأنفاق وأحد أبطالها الشهيد عز الدين صافي، والذي يعتبر بالنسبة له أكثر من أخ وصديق.
واعتبر قتيبة، أن استشهاد صديقه صافي في أحد أنفاق المقاومة هو السبب الأبرز الذي أثّر به بشكل كبير، وجعله يكتب لشهداء الأنفاق، قائلًا في حق صديقه: " كسر ظهري يوم فقده، إنه صديقي، أو توأمي كما كان يحلو للناس تسميته، إنه حبيبي وأخي وشقيقي ورفيقي وصديقي ولصيقي وظهري إنه أنا في أسمى تجلياتها إنه أنا في جسد آخر".
وأضاف، "بعد استشهاده بدأ حبي يزداد لهؤلاء الرجال (رجال الأنفاق)، يومًا بعد يوم، وأصبحت أحبهم كحب الأرض لهم، كيف لا وقد أذهبوا زهرات شبابهم في طينها وبين ورطوبة ترابها، حتى باتوا جميعا أصحاب أمراض مزمنة، كالغضروف وهشاشة العظام والHمراض الصدرية.
ليس لديه طقوس
ليس لديه طقوس معينة أو وقت محدد للكتابة عن شهداء الأنفاق، فالكتابة عنده مرتبطة بالشعور والتأثر بالحدث كان ما كان وفي أي وقت، على حد وصفه.
مع كل شهيد يرتقي من شهداء الأنفاق، لا بد أن ترتقي كلمات الشاعر قتيبة عبد الرحمن، وكأنه أخذ عهدًا على نفسه أن يكتب لهم من دمه إن جفت محابره.
يعتمد على نفسه
ويقول قتيبة: "في البداية، اعتمدت على نفسي بالحظ الأوفر، نظرا لانشغالي بأن ألتقي بأهل الصنعة، إلا أن الفضل بعد ذلك لا ينسى لرابطة الكتاب والأدباء الفلسطينيين، وعلى رأسها الدكتور الحبيب عبد الخالق العف".
ويتابع: "والحقيقة أن الدكتور العف هو أب للشعراء في غزة، يرعاهم ويتعهدهم بالمتابعة ولا يرد أحدا جاءه متعلما قط، بل كان واسع الصدر يستقبل الجميع".
طموحات قتيبة
"طموحي أن تصبح كلماتنا حية ترفع للدين راية، وتخلق في المجتمع ثقافة حسنة، وأن تشعل في المجاهدين جذوة الحماس والمقاومة، وأن يقدر الله لنا يوما أن نرويها بدمائنا لتنتفض حية تعيش بين الأحياء"، بهذه الكلمات لخَّصَّ قتيبة هدفه وغايته في الكتابة لرجال الأنفاق.
وعن أمنية الشاعر قتيبة عبد الرحمن، أن يصدح بقصيدة الفتح المبين، في ساحات المسجد الأقصى المبارك وبلاده قد تحررت، واستقرت بعاصمتها القدس الشريف.
ومن أروع ما كتب قتيبة عبد الرحمن في شهداء الأنفاق نثرية "جوف الأرض"
يا جوفَ الأرض أتغدرُ أنتْ ؟!
أمَّنت عشيقاً هام بحبك جالَ بجوفِك ثم غدرتْ!!
كم كان يحنُّ لصبحٍ يبزغ حتى يهجرَ زوجاً .. أهلاً .. ولداً .. بنتْ
ويفزُّ على عَجَلٍ يطوي متعةَ حُلْمٍ فوق التختْ
ويسابق تغريد العصفور إذا ما غرد فوقاً تحتْ
ويعاجل شمسا بان سناها كخيوطٍ ينسجها الموتْ
فيمرّ على سوق الناس يراهم في غمرات العيش صداهم شقَّ فضاء الصمتْ
ويرى أزهارَ حقولٍ الحيِّ بلونٍ أحمرَ فيه دلالةُ نوعِ الأرضِ وسَمْتِ النبتْ
ويرى مأذنة المسجد عنقا طالت حتي نظرت كيف عدو الأرض يموجُ كموجِ البحرِ الهائجِ يلطمُ شعبا ذاق مع العيش حياةَ العزّ بطعمِ الموتْ
ثم يقول ـ عليَّ النذْرُ ـ بأن لا يبقى فوق الأرض هنا محتلا وأنا الموتْ
ينزل بأنامله ينحَتُ صخر الأرض ليفتح نفقا صوبَ القدس بصوتِ الصمتْ
حتى ألِفَ العيشْ
في جوفك مثل حياة الحوتِ إذا ما غادر ماء البحر يموتْ
وهو يموت لأجلِ هواكَ لأجلِ ثراكَ لأجلك أنتْ ..
-
يا جوف الأرض أتغدر أنتْ ؟؟!!
أم من فرط الحب هويت عليه تعانق من قد عانق تربك قبل الفوْتْ ؟
أنت صدقت صدقتَ صدقتْ
كم من عشقٍ قتل عشيقاً والمعشوقُ رهينَ الموتْ
وعلى لسان الأرض ..
أَنَا لَم أغدرْ!!
من قالَ غَدَرْت؟!!
أنا أحببتُ
هويتُ
عشقتُ
سكرتُ
حضنتُ
ورُحتُ أقبِّلُ محبوبي ..
هلْ كنتُ غدرت؟!!
ما ذاك بذنبي يا بشرُ ..
لا أدري عن حبِكُمُ شيءْ
الحبُّ بعرفي عرفِ الأرضِ عناقٌ لا ينفكُ .. فهل أنفك ؟!!
كفوا يا بشرُ اللومَّ فإني قد تيمتُ بِهم لا شَكْ
سكنوا في جوفي أكثر من سكناهم فيكم
شموا أغبرتي أكثر من كل هوائكم
ناموا في بطني أكثر من كل وسائدكم
لثموني، لا قدر نواعمكم ..
حاكوني، وشكوا لي وشكوت لهم
وبكينا وضحكنا، وتسامرنا طول الليل
هل أقدر يا عذال فراقا كل مساء كل صباح ؟!!
ما عدت أسوغ غيابا قط ..
هاكم بعضُ كلاب فيكم قد ساؤوهم،
أما الأرضُ فكل الأرض،
ترابٌ
وصخورٌ،
وهضابٌ
وجبالٌ
وسهول
وصحاري البيدْ
وغاباتٌ
وجميع محيطاتِ الماءِ
وأنهار وبحار الكونْ،
تدورُ تنوحُ تريدُ تَمسُّ جبينَ المجدْ !!
ثم زعمتم زعما فاحشَ أنِّي غدرتْ
أنا مفتونٌ بالمفتونِ وصَلْتُ حبيبي اليومَ بصمتْ !!