10.57°القدس
10.33°رام الله
9.42°الخليل
16.09°غزة
10.57° القدس
رام الله10.33°
الخليل9.42°
غزة16.09°
الأحد 22 ديسمبر 2024
4.59جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.59
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.65

تقرير "فلسطين الآن"

"بركات" مسعفٌ ينتظر من يسعفه‎

12736862_1057818874280773_1276317533_o
12736862_1057818874280773_1276317533_o
غزة - فلسطين الآن

على فراش المرض ممدٌ الجسد، وساكنٌ من الحركة إلا من حركة رأسه ويديه وغيرها بمساعدة أحد، أعياه التعب وهو يتجرع مرارته على مدار أشهر متواصلة وأرهقه المرض وهو ينتظر علاجًا لآلامه المتتابعة؛ لتقف دونه بوابات المعابر السوداء وتحرمه كحال الكثيرين ممن يعيش في قطاع غزة المحاصر.

منذ 17 عامًا يعمل ناصر بركات كمسعفٍ في وزارة الصحة، يكافح في ميدانه في كل عدوان واجتياح وحدث، ينقل جثامين الشهداء ويسعف المصابين والجرحى ويهب لإيصال المرضى للمشافي لعلاجهم، ليدهمه مرض لا علاج له إلا خارج قطاع غزة، ليبقى المسعف الذي ينتظر من يسعفه.

بداية المرض

المسعف ناصر بركات 48 عامًا من حي السلام بمدينة رفح جنوب قطاع غزة والذي يعاني من ورم خبيث في الكبد منذ أكثر من ستة أشهر، يروي خلال حديثه لـ"فلسطين الآن":" في أحد الليالي وأنا نائم في عملي شعرت بألم في جنبي اليمين، وذهبت إلى المستشفى وعملت صورة ألترا ساوند، وقالوا لي يوجد طبقة واحتمال يكون وحمة، فاستغربت الأمر".

أجرى بركات الذي يعمل منذ 17 عامًا كمسعفٍ في وزارة الصحة فحوصات كثيرة وعُرض على كثير من الأطباء في قطاع غزة وتباينت تشخيصاتهم كما أفاد، وقال:" بعد فترة زاد الألم، ورجعنا للصورة مرة أخرى، وصورت للمرة الثانية صورة سي تي، وفي طبيب كتب تقرير مخيف للصورة أني أعاني من نتوءات في الصدر وورم في القالون وورم في الكبد، فصعقت للأمر".

وأوضح بركات أنه أجرى عدة مناظير بعد أن طلب منه أحد الأطباء في مستشفى الأوروبي البدء بالعلاج بالكيماوي، وأفاد أنه عندما قام بأول منظار للقولون وجد أنه لا يوجد أورام فيه، وقال:"ذهبت لمستشفى النجار وقالوا لي لازمك تحويلة للخروج، وتم تحويلي على مستشفى النجاح في نابلس".

ورم في الكبد

توجه المسعف المريض بركات الذي يعيل ثمانية أبناء إلى مستشفى النجاح بنابلس عن طريق معبر "إيرز"، وأوضح أن "الطبيب قال لي أمامك رحلة علاج طويلة، وبدأ الطبيب بأخذ العينة مني وعملوا لي منظار للمعدة وسي تي ، والنتيجة طلع ورم غريب من نوعه في الكبد، ورم خبيث يأخذ صفات الحميد، أما باقي الجسم تمام".

غادر بركات مستشفى النجاح في نابلس بعد أن مكث فيها أسبوعًا كاملًا، وقال:"كان هناك طبيب جراح أخبرني أنه سيرسل تقاريرك لأطباء في الخارج، وأرسلي أنك تحتاج لزراعة كبد".

وأضاف:"وبدأت رحلة معاناة جديدة لغاية ما حصلنا على تحويلة لمصر، وبعد ذلك للأسف الشديد المعبر مسكر، والآن لي 3 شهور وأنا مرمي في البيت أنتظر معبر رفح، والتحويلة حصلنا عليها، ما الفائدة أن التحويلة موجودة والمعبر مغلق، لا احنا قادرين نتعالج ولا نعمل شيء".

وتابع بقوله:"لي 6 شهور في الألم، ألم فظيع فظيع فظيع، وقالوا لي الأطباء تناول الأترمال، فبدأت أحك في جسمي فامتنعت عن تناوله، إلى أن اتصلت في طبيب مصري عميد في كلية للكبد، وشكوت من شدة الألم فأشار علي تناول أترمال بالإضافة إلى كيس دواء للحساسية مخصوص، فتناولته وبالفعل خفت الحكة".

ألم القطاع

لم يتمالك بركات دموعه وهو يتحدث عن معاناته وألمه وقال:"لم أدع مريض لم أنقله ، لم أدع حرب ما اشتغلتش فيها، لم أدع اجتياح في البلد ما اشتغلتش فيه، كنت دايمًا على قدر من الوفاء لشغلي وعملي كسائق إسعاف، والآن أنتظر من يسعفني".

وتابع بزفرة الألم والحرقة:"في قطاع غزة "آخ يا قطاع غزة" ، رحنا على أطباء كثر، للأسف الشديد هناك طبيب في الخدمة العامة قال لي: ليس لك علاج في قطاع غزة، أنت لازمك تحويلة وتشوف وضعك.

وأضاف:"كل يوم أتابع الأخبار، كل يوم مصالحة ومعبر رفح، أقول لهم:"اتقوا الله فينا"، قطاع غزة مليان مليان ظلم، يتقوا الله فينا علشان الغلابة وعشان المرضى، عمر عطل حد من حدود الله في عام الرمادة، تعطيل علشان الناس الغلابة، اليوم أنتم غير قادرين أن تحلوا معبر".

وتساءل:"ماذا تنتظرون؟، هل تنتظروا قطاع غزة كله يموت؟، اليوم 75 حالة كل شهر أورام في قطاع غزة، يصابوا بأمراض جديدة، ماذا تنتظروا..؟".

معاناة البيت

وبدورها قالت زوجة بركات خلال حديثها مع "فلسطين الآن":"كلنا تأثرنا بمرضه في البيت، كلنا أصبحنا مرضى، لا بنأكل كويس زي ما كان يأكل معنا، صار يتضايق من كل شيء من صوت الأولاد من الدوشة من الروايح".

وأضافت:"شبه منعزلين أولادي عنه، كل فترة وفترة يأتوا هنا، بينزعج من كل شيء، كلهم صاروا نفسيتهم تعبانة، لا عارفين يعيشوا حياتهم ، لا عارفين يفتحوا تلفزيون ولا عارفين يقعدوا، ولا عارفين نروح ولا نيجي"، مشيرة أن "كل الأولاد تراجعوا في المدارس، أنا مش فاضية أدرسهم وطول الوقت عند أبوهم وشايفين وضع أبوهم، ولما يجي علينا ضيف وتسمع الطفلة الصغيرة دوشة تحكي للناس "اسكت بابا عيان"، حياتنا صارت مش حياة".

وأكدت أنهم ينتظرون معبر رفح ليفتح ليتعالج زوجها وبقية مرضى قطاع غزة ويعيشوا حياتهم الطبيعية، منوهةً أن زوجها على حاله وألمه منذ سنة أشهر والعائلة في حالة انتظار، وقالت:"كل يوم نقول يا رب، ونصبر أنفسنا بإيماننا بربنا وأكثر من هيك لا".

وختمت بقولها:"نحن ليس لنا ذنب بالخلافات التي تحدث، حرام عليهم حرام، إلى متى سيبقى هكذا ويتألم؟، أكثر من 6 شهور ووضعه هكذا، إلى متى؟، يضعوا خلافاتهم على جنب ويتركوا الناس تعيش، أصبح لا يوجد شيء في حياتنا يستاهل أن الواحد يعيش له، فقدنا الأمل في كل شيء".