أربعون ألف معلم في الضفة الغربية يواصلون إضرابهم عن العمل احتجاجًا على تهرب السلطة من الالتزامات السابقة بالإيفاء بحقوقهم، وهي حقوق نقابية مهمة بعد خمس سنوات من الوعود والحجج الواهية في إعطائهم حقوقهم، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة حول اشراب المعلمين وطريقة تعامل السلطة مع قضيتهم.
في البداية تعاملت السلطة بالاستهتار مع مطالب المعلمين وأطلقت عليهم عناصر الشرطة لقمعهم ومطاردتهم ومنعهم من الاعتصام والاحتجاج وأغلقت الشوارع والمدن أمامهم، ثم نصّبت اتحاد المعلمين خصمًا لهم بدلًا من أن يكون معبرًا عن مطالبهم، وهو ما استفز المعلمين أمام غياب جسم نقابي حقيقي يمثلهم. الصدمة والذهول يسيطران على السلطة في التعامل مع ملف المعلمين، ويكاد الإضراب أن يكون الأقوى منذ سنوات في مواجهة السياسات القمعية وفرض الضرائب على المواطنين وإغلاق المؤسسات والجمعيات والهيئات الخيرية وتضخيم موازنة الأجهزة الامنية على حساب المواطن البسيط، تنفيذًا لسياسة التنسيق الأمني.
لم تتوقع السلطة أن تتواصل الإضرابات بهذا الشكل الذي يكاد أن يهز عرش السلطة، وفشل كل محاولات الضغط لإيقافه بين أسلوب العصا من خلال التهديد بالفصل والاعتقال والمطاردة للمعلمين والتحريض عليهم، وبين الجزرة التي اضطرت رئيس السلطة محمود عباس للتدخل لوقف الإضراب لكن فشل فشلًا ذريعًا أمام تمسك المعلمين بوعودهم، وكذلك فشل رئيس الحكومة رامي الحمد الـله في الضغط عليهم أو دعوتهم لفك الإضراب تحت وعود بتسوية أوضاعهم الفترة الماضية.
تعامل السلطة مع إضراب المعلمين يأتي في سياق الأزمات التي تعاني منها السلطة بدءًا من الفلتان الأمني في شمال الضفة الغربية وفضيحة تصريحات الأحمد والرجوب حول حصار غزة ورفض أي شكل من أشكال التدخل الدولي لفك الحصار والمطالبة باستمرار إغلاق المعابر ومنع إقامة الميناء وليس انتهاء بفضيحة حصار النائب الفتحاوية نجاة أبو بكر في مقر المجلس التشريعي. النائب أبو بكر كشفت عورة فساد السلطة والحماية التي يوفرها عباس للمحيطين به، فما كان من عباس إلا أن قرر اعتقالها.
حادثة النائب أبو بكر وإضراب المعلمين كشفا عن حالة الانهيار الحقيقي للسلطة وإن كان ظاهره التسلط والدكتاتورية، لأن كرامة المعلم هي جزء مهم من الكرامة الوطنية وأن كرامة النائب أبو بكر المحاصرة في التشريعي من صميم النضال الفلسطيني, ولو تخلت عنها حركة فتح وقدمتها لقمة سائغة للفاسدين في المقاطعة، وأن إضراب المعلمين وكرامة النائب أبو بكر والحرية في مقاومة الاحتلال هي في صميم كرامة الوطن.