"تكالبت عليه الدنيا كما تتكالب الأكلة على قصعتها"، فالاعتقالات المتتالية من قوات الاحتلال الإسرائيلي وأجهزة أمن السلطة، وإصابته بنوعين من السرطان، والتهديد الجدي بهدم منزله.. كلها وقعت على رأس البطل القسامي ابن مدينة نابلس، المعتقل حاليا في سجون الاحتلال بسام السايح.
فالرجل النحيل، ذي الثلاثة والأربعين ربيعا.. يمتاز بتواضعه وقبل ذلك بحبه لدينه ودعوته وحركته المقاومة "حماس" وجناحها العسكري كتائب القسام.. ويشابهه في ذلك شقيقه الأسير القسامي أمجد السايح الذي يمضي حكما بالسجن لسنوات طويلة.
اعتقل بسام في سنوات التسعينات في سجون السلطة، وقبل ذلك وخلاله تتلمذ على يد نخبة من قيادات الحركة الإسلامية في نابلس، جبل النار... فأحبهم وأحبوه، وخبروا إخلاصه المتناهي في خدمة دينه ودعوته وإخوانه.. ولمسوا عشقه للمساجد وللجهاد.. الذي فضله على عمله الدنيوي، وعلى عائلته الذين أخفى عنهم لفترة طويلة أنه أحد جنود القسام، وحلقة الوصل في كثير من الأحيان بين المجاهدين.
رحلة شاقة
في عام 2002 أي قبل 14 عاما تقريبا، حاصرت قوة خاصة من وحدة النخبة الإسرائيلية منطقة السوق الشرقي في نابلس، وداهمت مطبعة متواضعة واعتقلت شابا كان بداخلها، وصادرت محتوياتها.. كانت مفاجأة كبيرة، فلماذا يعتقلون بسام!! حينها علم أقرب الناس إليه السر الذي أخفاه عنهم كثيرا.
ثبت كالجبال في التحقيق العسكري، فلم يأخذ المحققون منه "حقا ولا باطلا".. وبعد أن يئسوا حولوه للاعتقال الإداري، الذي أمضى فيه عاما ونصف.
خرج أوائل عام 2004، وعمل في إحدى المكاتب الإعلامية،، وقتها بدأ المرض يظهر عليه.. فأخفى الخبر من جديد عن عائلته ومحبيه، وفضل أن يكون ذلك بينه وبين ربه.
حدث الانقسام البغيض عام 2007، فكان بسام السايح ضيفا مكرها في سجون السلطة متنقلا بين زنازين الأمن الوقائي تارة والمخابرات تارة أخرى.. وتنقل بين نابلس ورام الله وأريحا لأشهر طويلة،، ولكنهم (أي محققو السلطة) لا يعرفون أنهم يتعاملون مع رجل مخلص لا يخشى في الله لومة لائم.
تزايد عليه المرض، ليعلن لمن حوله أنه مصاب بالسرطان.. الذي سرق من جسده كيلوغرامات كثيرة، فتضاءل حجمه، وأرهق جسده، وضعفت حركته.. لكن عزيمته بالمقابل باتت أكثر صلابة، وقناعاته تعززت بعدالة وصدق ما يحمل من أفكار.
خير معين
وما كان ليعينه على نوائب الدهر سوى ارتباطه بمجاهدة صابرة محتسبة، وهي السيدة الفاضلة منى أبو بكر.. فكانا خير زوجين، تجدهما معا في كل مكان، والبسمة لا تفارقهما.
عام 2014 تدهورت حالة بسام بشكل غير مسبوق، وخضع لعلاج مكثف في مستشفيات نابلس، إلى درجة أن البعض اعتقد أنه مفارق للحياة لا محالة.. لكن إرادة الله كانت فوق كل اعتبار، إذ نجحت المحاولات الحثيثة في نقله للعلاج للأردن.. فكتب الله له عمرا جديدا.
تقول منى لـ"فلسطين الآن": "استعاد بسام جزءا من عافيته وتحسنت صحته وقوي صوته، وبات قادرا على الحركة.. فأدينا العمرة، وكان يفكر بالالتحاق ببرنامج الماجستير ليكمل دراسته".
عودة المتاعب
كان القرار بالعودة لنابلس أوائل 2015، لكن في إبريل من العام ذاته، داهم الاحتلال منزلهم في منطقة رفيديا .. اعتقد بسام أنهم جاءوا لاعتقاله، لكن المفاجأة أنهم اعتقلوا زوجته منى أبو بكر.. ضمن حملة طالت العشرات من قيادات حركة حماس.
كانت ضربة قوية وجهها الاحتلال لبسام، فمنى روحه التي يحيى بها، فهي بالنسبة له كل شيء.. لكنه لم يستسلم، وبدأ يتواصل مع المؤسسات الحقوقية والإنسانية.. حتى جاء اليوم الذي أصدر الاحتلال حكما عليها بالسجن لـ7 أشهر.. كان ذلك في تشرين الأول - أكتوبر 2015،، أي أنها بعد شهر واحد فقط ستتحرر.
اُفرج عنها واعتقل هو
ولأن قصة بسام مثله تماما مميزة رغم المتاعب الكثيرة التي مرت عليه، حدث ما لم يكن بالحسبان.. فقد ذهب الرجل -رغم مرضه الشديد- ليحضر جلسة المحاكمة تلك.. فصدر القرار، لكنه ما إن همّ بالخروج من القاعة حتى اعتقله الاحتلال وحوله فورا للتحقيق.
التهمة هذه المرة العضوية في الخلية العسكرية القسامية التي نفذت عملية "بيت فوريك" وقتل بها مستوطنان، وكانت الشرارة الحقيقية لاندلاع انتفاضة القدس.. وحسب بعض المصادر فبسام مسؤول عن التمويل المالي للعملية.
نقل فورا للتحقيق دون أدنى مراعاة لحالته، خاصة أنه قد أصيب بنوع ثان من السرطان.
قائدة الحراك
دارت الأيام سريعا ورأت منى النور، وبات همها الأول والأخير أن تدافع عن زوجها بسام، وتحاول بشتى السبل التعريف بوضعه على أمل الإفراج عنه، أو على الأقل توفير علاج واهتمام طبي بوضعه المتدهور.
قبل نحو أسبوعين حصلت منى على موافقة من الاحتلال لزيارة بسام في سجن "مجدو"، فبدا لها أنه غير قادر على الحركة والكلام، ويجد صعوبة في التقاط أنفاسه.. وقد أُحضر لمقابلتها على كرسي متحرك.
توضح حالته فتقول إنه يعاني من إصابة متقدمة بمرض سرطان الدم وسرطان العظم، ومن قصور حاد في القلب، والتهاب رئوي مزمن نتيجة العلاج الكيماوي الذي خضع له قبل اعتقاله في الثامن من شهر أكتوبر عام 2015.. لذا هو بحاجة ماسة لعملية عاجلة في صمامات القلب لإنقاذ حياته.. وتطالب بنقله إلى مستشفى مدني تتوفر فيه الرعاية الطبية المناسبة.
بسام يرفض نقله إلى مستشفى الرملة، الذي يفتقر للرعاية الطبية وللأطباء المتخصصين، لا سيما أن نسبة العجز لديه فاقت 80%.. ما جعل حالته أخطر حالة مرضية في سجون الاحتلال.
ورغم صعوبة وضعه الصحي وعدم تشكيله أي خطورة على أمن الاحتلال، لم يُسمح للأسير السايح بلقاء بزوجته مباشرة، بل من خلف الجدار الزجاجي وعبر الهاتف، كما هو حال بقية الأسرى.
تقول منى: "طلبت الالتقاء مباشرة مع بسام حتى أفهم ما يريد قوله، وبعد احتجاج باقي الأسرى، خاصة أنه كان قد حصل على موافقة من الإدارة على لقاء مباشر، سمح لي بلقائه في الدقائق الخمس الأخيرة".
وتضيف "احضروا لبسام قلما وورقة ليكتب ما يريد قوله لي، لكن يده كانت ترتجف ووجهه يتصبب عرقا بسبب ضعف قلبه، وتولى الأسير المرافق نقل ما يريد بسام قوله لي عبر سماعة الهاتف من خلف الزجاج".
الاحتلال يرفض عبر طبيب السجن أن يوفر دواء "الكورتيزون" لبسام، رغم حاجته الشديدة له بسبب التهاب الرئتين.. لذا فقد أرسلت زوجته تقارير طبية للمحامي التي تثبت حاجته لهذا الدواء، ليتمكن من إقناع الطبيب في عيادة السجن بضرورة تناوله له.
وتؤكد منى أن زوجها بحاجة ماسة لعملية قسطرة للقلب بسبب ضعف صماماته، وزراعة بطارية لتنظيم دقاته، وهذه لها الأولوية الآن، كما تؤكد زوجته.
عش الزوجية في خطر
ليس هذا كل شيء، فما يزيد من معاناة الأسير بسام وزوجته أن قوات الاحتلال سلمت العائلة إخطارا بهدم منزلها الكائن في منطقة رفيديا بنابلس، كما أن الأمم المتحدة أوقفتها عن العمل بحجة أنها اعتقلت على خلفية أمنية لدى الاحتلال.
تقول منى "أخلينا البيت الذي لم نسكنه سوى أشهر معدودة، لكن مهما جرى له لا يساوي شعرة من جسد بسام.. فلا قيمة للحجارة إذا غاب صاحب البيت أو تعرض لأي مكروه.
وباتت منى المحرك الرئيس لكل حملات التضامن مع زوجها بسام، تخرج على الفضائيات والإذاعات وتتحدث إلى الصحفيين والمسئولين وتشارك بالوقفات التضامنية في المدن المختلفة "لا يهمني التعب ولا الارهاق من وراء هذه الأعمال التي لم اعتد عليها، لكن سلامة بسام وخروجه من السجن أمنية مستعدة أن أبذل حياتي مقابلها".