بجسد نحيف نحيل تمترس أمام موج البحر، وبعقيدة المؤمن المجاهد غاص في ظلمات البحر، بلسان العابد الزاهد غازل بجسده أرضا لم يصل إليها إلا ثلة اختصهم الله بفضله، وبقوة العقيدة التي ملأت قلبه تمنى قتال المحتل.
أبصر سليمان بعينيه أرض المعارك، وهام بفكره بيوم الصوارم، فضاعف همته، وقوى عزيمته، وزاد في إعداده ليكون من فرسان البحر، حتى لقي ربه بوسط البحر الذي احتضنه فترة طويلة بالتدريب، واحتضنه شهيدا مقداما ليتزين اسمه ضمن قافلة شهداء الضفادع البشرية التابعة لكتائب القسام.
على الرغم من حداثة سنه، وبراءة فكره، وطيشان أبناء جيله، إلا أن سليمان شق بنفسه طريق العظماء، وكتب حكايته بوسم العطاء، وسار بنفسه بطريق النقاء، فكد وتعب من أجل شعب يبحث عن البقاء، ومضى بروحه سريعا فكان ضمن قوافل الشهداء، حكاية شاب في مطلع العشرينات من عمره، خط لنا طريق النصر والتمكين، وجعل من جسده جسرا للعبور نحو القدس الأسير الحزين، إنه الشهيد القسامي المجاهد سليمان محمد العايدي.
دائم الابتسامة
ولد الشهيد سليمان بتاريخ 10/2/1993م، حيث عاش طفولته وحياته بين أزقة وشوارع مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة، فكان لاجئ المولد، ولاجئ النشأة، ولاجئ الجهاد، ولاجئ الشهادة.
عاش سليمان حياته ضحوك الوجه، دائم الابتسامة، محبا للخير، ساعيا لنشر المحبة بين جميع من عرفه، حيث قالت والدته: "سليمان أحبه الجميع والكل يشهد له بأخلاقه، فهو دائم الابتسامة، أخبر الناس قبل يوم من استشهاده أن الحجارة التي أنزلها والده لبناء جدار في منزلهم هي حجار زفافه، فاختاره الله شهيدا باليوم التالي".
وتشير والدة الشهيد سليمان غلى أن أكثر ما يميز الشهيد حرصه الشهيد على العبادة، وعلى إسعاد جميع من عرفه، واصفة إياه بالمتفاني من أجل الآخرين.
وفي ذات السياق أكد شقيق الشهيد سليمان على أن سليمان نعم الأخ الصالح المطيع الحنون على الجميع، لا يذكره الناس إلا بالخير، بارا بوالديه وإخوانه، عونا للجميع".
وتوجه شقيق الشهيد برسالة لمجاهدي لكتائب القسام: "استمروا في جهادكم كلنا فداء لمشروع التحرير والتمكين، وسنقدم كل ما نملك من أجل إعلاء راية لا إله إلا الله".
لجأ بنفسه مجاهدا
التزم سليمان منذ صغره في مسجد البريج الكبير، فكان مثالا للشاب الملتزم بالصلوات، المحافظ على العبادات، حيث التحق بصفوف حركة حماس خلال مرحلة دراسته الثانوية، وسار بنفسه بطريق الجهاد في صفوف كتائب الشهيد عز الدين القسام مطلع العام 2014م.
أبدى سليمان منذ التحاقه بكتائب القسام براعة عالية في التدريب، كما قال المجاهد أبو مهند: " أبدى سليمان من خلال دورته الأولى في كتائب القسام التزاما كبيرا، وتميزا عاليا، مما جعل عيوننا تتوجه نحوه مما رأينا به من مجاهد يصلح للعمل بوحدة البحرية القسامية".
ويضيف المجاهد أبو مهند: "شارك سليمان رحمه الله بالعديد من المهمات التدريبية الخاصة جعلته قدوة ومرشدا لإخوانه، كان كثير المزاح مع إخوانه، غير أنه كان في ميدان الإعداد كثير الالتزام، لم يتغيب ولو ليوم واحد عن التدريب خلال مدة تزيد عن الثمانية شهور".
ويتابع أبو مهند: "أبو محمد مثال للأخلاق والانضباط، وهو ذاته الصلب القوي على أعداده، كان خلال تمارين البحرية يرقب الوقت الذي تطأ فيه قدميه أراضينا المحتلة ليذيق بني صهيون الويلات".
شهادة في ميدان البحر
في يوم استشهاده وعلى غير عادته ودع سليمان المجاهد الذي أوصله بالتحية من خلف زجاج السيارة، ومازحه قبيل استشهاده بفترة وجيزة أحد المجاهدين غير أنه لم يمازحه، وقال له "اليوم قد سامحتك ولن أرد لك المزاح".
جاء ناقل الخبر إلى والدة الشهيد يخبرها أن سليمان مصاب، فقاطعته بقولها "سليمان قد استشهد، خذني لأراه"، وتضيف الوالدة الصابرة على قضاء الله: "صبرنا على أسر شقيقه وعلى استشهاده، يا رب خذ من دمائنا حتى ترضى، خذ من دمائي وأبنائي حتى ترضى".
وأوضح والد الشهيد إلى أن سليمان كان دائما يودعنا قبل ذهابه لعمله الجهادي بقوله "ادعوا لي".
ووجه المجاهد أبو مهند رسالة لعائلة الشهيد: "إلى والدة ووالد سليمان وأهله الصابرين المحتسبين، والله ما عرفناكم إلا أسرة مجاهدة صابرة، نعدكم أننا على درب المصطفى وصحبه، درب سليمان وشهداء البحرية القسامية، الشهيد أحمد القطراوي، والاستشهادي فوزي أبو العراج، والشهيد أشرف أبو كويك، والشهيد محمد الشريف، والشهيد أسامة عياش، والشهيد محمد مهنا".
وختم أبو مهند حديثه: "اليوم نودع سليمان، هذا هو دربنا وقدرنا بين جهاد وإعداد حتى نصر أو شهادة، ثقوا أن دماء سليمان لن تذهب هدرا، الله اصطفاه ودماؤه بمثابة وقود النصر والتمكين".
واستشهد القسامي المجاهد سليمان محمد العايدي بتاريخ 9/3/2016 خلال عمله بوحدة البحرية القسامية، أثناء الإعداد والتدريب.