17.77°القدس
17.51°رام الله
16.64°الخليل
22.77°غزة
17.77° القدس
رام الله17.51°
الخليل16.64°
غزة22.77°
الثلاثاء 08 أكتوبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.35دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.15يورو
3.79دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.35
جنيه مصري0.08
يورو4.15
دولار أمريكي3.79

حماس ومفهوم "الأمّة" المنشود

عبد الله العقاد
عبد الله العقاد
عبد الله العقاد

(1)

الجليّ أنّه في كلّ مناسبة نستشعر فيها ما حلَّ بنا من هوانٍ واستصغار، أو ندرك ما أحاط بنا من ضعفٍ وانحدار، أو حين تتملكنا روح الهزيمة والإذعان، أو عندما نجد ما بلغته فينا الدّونية والصّغار؛ نسمع من يصرخ قائلًا: "أين أمّة المليار والنصف المليار؟!"، وآخر يستصرخ الأمّة نفسها كي تفيق من غفلتها أو تقيل هي عثرتها، مناديًا: "أما آن لك _يا أمة الإسلام_ أن تعودي إلى مكانتك شاهدة وآمرة وناهية؟!"، وغير ذلك الكثير من ألوان المناشدات، أو ما يكون من التعبير عن الاستياءات، فضلًا عما يكون من تحميل المسؤوليات.

حتى كأنّ "الأمّة" ليست إلّا "فشّة خُلُق"؛ لأنّ حقيقة المُنادَى عليه لم يُعد له في الأذهان صورة تجسدها الحقائق أو المثال، فالمناداة ليست إذًا في حقيقتها إلّا مخُاطبة موهومة لغير محل للنداء.

(2)

نعم؛ فالمنادى (الأمة) غير مُحدّد الحدود، ولا معرّف الماهيّة، وغير مصدّق في الواقع، لاسيما في ظلّ ما هو قائم من تناحرٍ واخلاف محتدم بين كلّ ما يُمكن أن تتكون منه "أمّة" أو تجتمع عليه جماعة.

فلم يعد من رابطٍ أو مُكوّنٍ إلا وقد تفككت أركانه أو أتلفت أجزاؤه بعد أن عصفت به الأنواء، ولم يشفع بين أهل هذه "الأمّة" الواحدة وحدة لغة، ولا يعصمها من بأسها مذهب أو دين، ولا تراب أو وطن، فعلى من ينادي المنادون؟!

أجل، لقد تداعت وحدة "الأمّة" وتآلفها في دائرة السفك للدماء البرية، وشيوع ثقافة التّخوين بلا برهان، وأضحى التكفير بلا دليل ولا سلطان.

غير أنّه بالرّجوع إلى عواصم الأمّة التي أرساها ديننا في ركائز ثلاث: الكتاب المبين (القرآن الكريم)، وهدي النبوة (السنة الصحيحة)، وإجماع "الأمّة" (لا تجتمع أمتي على معصية)؛ يتأكّد المعنى الحقيقي لمفهوم "الأمّة" التي يُنادى عليها، وتستصرخ، ويُعول عليها لتكون رسالة رحمة وأستاذية معرفة.

(3)

إنّها "أمة" الاستجابة، وإن تشعبت فيها الفروع أو اختلفت في أصولها، أو افترقت فيها المذاهب إلى بضعٍ وسبعين فرقة؛ فإنّها تبقى أمّة هداية، وتبقى فيها ومنها "الفرقة النّاجية" التي عليها واجب الدعوة ومسؤولية الإرشاد، لا أن ينكفئ كلّ فريق ليصدر الأحكام متجاهلًا في الوقت نفسه استحقاق أهلية الخيرية لهذه "الأمّة" التي أخرجها الله للناس عامة (تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله).

فما أجملك!، يا حكيم دعوة "الإخوان" الشيخ محمد الغزالي، وقد سألوك عن حكم شاب لا يصلي، فقلت: "خذه معك إلى المسجد"، على بساطة الجواب إنّه يكشف أصلة المدرسة الفكرية التي خرّجته.

نعم؛ فليس دور الدعاة إصدار الأحكام بقدر ما يجب أن يستشعره كلّ من وجد في نفسه الصّواب كي يتحمّل عبء التّوجيه والبيان بالتي هي أحسن (فمن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنّني من المسلمين).

وبهذا الفهم كان إعذار الإمام حسن البنّا لمن اختلف معه، ودعا للعمل جميعًا فيما هو متوافق عليه، ولهذا أثر عنه هذه المقولة: "ماذا لو اجتمعت قوة الأزهر العلمية، مع القوة الروحية في الجماعات الصوفية، مع القوة العملية للحركات الإسلامية لتكون في بوتقة واحدة؟، أيّ عظمة ستكون هذه الأمّة بهذا الفهم العميق المستنير؟!".

وعلى هذا الفهم صدّق المرشد الثاني (المستشار حسن الهضيبي) هذا المنهج بعنوان كتابه الشهير "دعاة لا قضاة"، ونحوه ما عنون به كتابه الأستاذ الدكتور القاضي المستشار علي جريشة "دعاة لا بغاة"، إنّ في هذا لفهمًا واضحًا لقومٍ يعقلون، وهو ما تولد عنه يقينًا القيام بواجب "مسئولية الهداية".

(4)

ولهذا لم تجدف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في بحور الدماء المسفوكة في غير مكانها الذي تنتظره "الأمّة"، أو تخوض مع الذين خاضوا؛ فحرصت أن تُسْلم من هذه الفتنة العمياء لسانها، كما أسْلمت منها يديْها، فلم تبع مواقف أو تنحاز إلى غير سبيل الأحرار.

أما وقد استشرى الهرج، وعمت به البلوى، وأصبحت دائرة القتل مثيرة للفزع لشدة هولها بصورة تجعل كلّ لبيبٍ حيران، حتى خرجت الأمور في أحيانٍ كثيرة عن حدود شريعة الغاب، فكيف بمنطق الإنسان بعدما تجاوزت المشاهد الآتية من حواضر العرب كلّ حدود المنطق والشرف؟! لكن قتامة المشهد لا ينبغي أن تُغيّب الحقيقة عند من جاهدوا في الله حقّ جهاده (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) وهنا أقصد غزة ورجالها الأشداء على الأعداء من تلامذة البنّا والقسام.

ففي المقابلة التي أجرتها (بي بي سي) مع القيادي في حماس د. محمود الزهار في آخر الأسبوع المنصرم فصل الخطاب وقطع بها قول كلّ خطيب، وهو ينأى بحماس أن تمزقها لعبة المحاور في الأمّة الواحدة.

فقال: "لا نريد أن نلعب لعبة المحاور التي لا يكسب منها إلا الغرب"، ثم يعقب بالقول: "نحن ننظر إلى الأمة "أمة" واحدة بكلّ مكوناتها".

وأنهى كأجمل ما بدأ، فقال: "ليس لدينا ما ننفقه من رصاصة واحدة خارج إطار الدفاع عن النفس في مواجهة الاحتلال".

نعم، هذا توصيف دقيق لمن يبغي المخرج من الأزمة التي تضرب أطنابها في معالم أمّتنا الإسلامية.

(5)

وبالمختصر المفيد: هذا هو منهج حماس وجوهر فهمها لـ"الأمة"؛ فلا تَحيدوا عنه، وإلّا فحيّدوها أنتم مشكورين عن صراعاتكم العبثيّة، يا أيّها الإخوة الأعداء.