في الثاني والعشرين من شهر مارس من العام ٢٠٠٤م قصفت طائرة استطلاع صهيونية الشيخ أحمد ياسين بصاروخين بغرض القتل. كان الاغتيال بعد صلاة الفجر مباشرة، في أثناء عودة الشيخ ومرافقيه من المسجد إلى البيت. كان الشيخ رحمه الله قبل استشهاده بأيام قليلة في مستشفى الشفاء، وكان من حوله يرون أنه ربما يفارق الحياة في المستشفى، وما كان أحد يرجح أن يغادرنا الشيخ بشهادة بصاروخ صهيوني.
نحن الآن على مسافة (١٢) عاما من استشهاد الشيخ ، فهل نحن في حال أفضل؟ وهل حماس في حال أفضل؟ وهل قضيتنا الفلسطينية في حال أفضل؟
قد نختلف في الإجابة على سؤال الأفضلية، لأن القضية مسكونة بالنسبية من ناحية، ومسكونة بوجهة النظر الشخصية من ناحية أخرى، ولكن ما يمكن أن نجمع عليه أننا فقدنا بمقتل الشيخ رحمه الله قيادة وطنية وإسلامية كنا نلوذ بها في الشدائد، ونحتمي بها عند المصائب، ونحن اليوم في شدائد متجددة، وفي حاجة لها، ولا نجد الشيخ.
حين قررت دولة العدو اغتيال المقادمة أولا، ثم الشيخ تاليا، ثم الرنتيسي ثالثا، كانت تعلم أنها تغتال القمم والقدوات القيادية ذات التأثير البعيد لا على مستوى تنظيم حماس، ولكن على مستوى الوطن الفلسطيني بالكامل. ومن ثمة كان فقدنا كبيرا، عانينا منه كثيرا، ولكن لم تحقق دولة العدو نجاحا كاملا باغتيالهم .
نعم ربما عانت حماس من غياب هذه القمم القيادية، ولكن القادة تركوا في أتباعهم ميراثا متصلا بميراث النبوة، ومن ثم فإنه يمكن القول بأن دولة العدو فشلت في تدمير هذا الميراث، وهي حتما ستفشل لاحقا حتى تزول ويبقى ميراث الشيخ نورا يضيء المستقبل.
قد يظن المرء أن غياب القادة علامة على الهزيمة، ولكن هذا الظن يجافي الحقيقة في كثير من الأحيان، فالقادة يؤدون دورهم كما قدره الله لهم، ثم يمضون بإرادة الله وقدره أيضا، ليتولى المهمة مكانهم تلميذ من تلاميذهم، حتى تستمر سنة الحياة، ولا يتعلق الناس بالقيادات من البشر، وإنما يتعلقون برب البشر الذي يملك الحياة والموت. وفي كثير من الأحيان كان مقتل القائد دليل صدق على حسن قيادته وجهاده، وفتحا مبينا لأتباعه من بعده، لأن الأمم التي يستشهد قادتها وهم واقفون يستحقون النصر عاجلا أو آجلا.
نعم قد يترك القادة فراغا ما بغيابهم عنا، وقد ترك الشيخ فراغا قياديا نحن نعرفه وندركه، ولكن هل كان الشيخ مخلدا لا يموت حتى نبكي حالة الفراغ بغيابه؟! إن البكاء لا يجدي ، وأحسب أن من بعده قد شغلوا الفراغ، وقدموا لحركتهم، ولشعبهم، ولقضيتهم ما يمكن تقديمه من الخير والتضحية، وهكذا ينبغي أن يبقى الطريق متصلا معبدا حتى يأذن الله بالنصر والتحرير، والله وحده يعلم موعد هذا، ونحن نعلم أنه آت لا محالة، ودعاؤنا دائما أن يعجل الله لنا بالنصر والتحرير.
كان الشيخ أمة في حياته في الأمور كلها، وقد رحل عنا وقد أحيا أمة باستشهاده، وضرب مثلا في التضحية والفداء، فكان رحمه الله حجة على من بعده في حياته، وحجة في استشهاده، ولم يعد بعده عذر لمعتذر كما يقولون.