كما في معظم الدول التي ورد ذكر مسئولين فيها، تعيش الأراضي الفلسطيني هزات عنيفة، بعدما ورد اسم أكثر من مسئول "اقتصادي" في وثائق التهرب الضريبي، التي باتت تعرف بـ"وثائق بنما".
وفي وقت، أحدثت تلك الوثائق عاصفة من الانتقادات والاحتجاجات المطالبة بالتحقيقات لمحاسبة كبار المسؤولين المتهمين بالتهرب الضريبي، لم يصدر أي بيان رسمي من السلطة والحكومة، رغم أن مسئولين فلسطينيين كبار وشركات ضخمة تعمل في فلسطين ذكرت بالوثائق، بعدما قاموا بتسجيل شركات وهمية للتنفيذ أنشطة مالية قد تشوبها شبهات التهرب الضريبي أو الاستفادة من قانون تشجيع الاستثمار في فلسطين، الذي يمنح الشركات الأجنبية إعفاءات ضريبية لمدة من الزمن.
أبرز من وردت أسمائهم، رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني محمد مصطفى، الذي شغل لمدة قصيرة منصب وزير الاقتصاد الوطني، لكنه ما لبث أن استقال بعد خلافات علنية على الصلاحيات مع رئيس الحكومة رامي الحمد الله.
كذلك ورد اسم طارق عباس، ابن رئيس السلطة محمود عباس، وأيضا الشركة العربية الفلسطينية للاستثمار "ايبك"..
شفافية في العمل
طارق العقاد، رئيس مجلس إدارة "ايبك"، شدد على أن "الشركة، وبصفتها إحدى الشركات المدرجة في بورصة فلسطين، تخضع للقوانين والأجهزة الرقابية الفلسطينية حسب الأصول".
وتلزم القوانين السارية، الشركات المساهمة العامة المدرجة في البورصة، ومنها "ايبك"، بنشر تقارير عن أعمالها ونتائجها المالية كل ثلاثة أشهر، إضافة إلى تقرير سنوي مفصل يتضمن أيضا معلومات عن كبار المساهمين وقيمة مساهماتهم، علما أن أسهم الشركة، كجميع الشركات المدرجة، أسهمها مفتوحة للتداول أمام المستثمرين، سواء من داخل فلسطين أو خارجها.
وقال العقاد "إن أيبك هي شركة استثمارية قابضة مسجلة في جزر العذراء البريطانية، ومسجلة كشركة مساهمة عامة أجنبية في فلسطين، ومدرجة في سوق فلسطين للأوراق المالية، وتخضع بالتالي لكافة القوانين الرقابية الفلسطينية حسب الأصول".
وتابع "موقع تسجيل الشركة عند أول تأسيسها تم في جزر العذراء البريطانية، لكن هذا ليس تهمة ومحاولة للتهرب الضريبي"، مدعيا أن "هذا الأمر بعيد كل البعد عن الحقيقة كون أيبك ومجموعة شركاتها التابعة في فلسطين، ومنذ التأسيس، دفعت ما يزيد عن مليار دولار بين جمارك وضرائب ورسوم بأنواعها للخزينة الفلسطينية ممثلة بوزارة المالية".
مجموعة استثمارية
و"ايبك" ثاني أكبر مجموعة استثمارية في فلسطين، وتعمل في قطاعات: الصناعة، والتجارة، والتوزيع، والخدمات، عبر مجموعة من الشركات التابعة، وهي: شركة يونيبال للتجارة العامة، وشركة سنيورة للصناعات الغذائية، وشركة التوريدات والخدمات الطبية، والشركة العربية الفلسطينية لمراكز التسوق (برافو)، والشركة الفلسطينية للسيارات، والشركة الوطنية لصناعة الألمنيوم والبروفيلات (نابكو)، وشركة "سكاي" للدعاية والإعلان والعلاقات العامة وإدارة الحدث، والشركة العربية للتأجير التمويلي، والشركة العربية الفلسطينية للتخزين والتبريد، وتعد إحدى أكبر الشركات المشغلة في فلسطين بكادر يتجاوز عددهم 1500 موظفا وموظفة.
صندوق الاستثمار
وعن علاقة صندوق الاستثمار الفلسطيني بالشركة، أوضح العقاد: أن الصندوق من كبار المساهمين في "ايبك"، لذا "فمن الطبيعي أن يكون ممثلا في مجلس الإدارة، وله مقعدين أحدهما يشغله رئيس الصندوق الدكتور محمد مصطفى، والثاني الدكتور ضرغام مرعي، ويتم انتخاب أعضاء مجلس إدارة أيبك من الهيئة العامة، التي تمثل كافة مساهمي الشركة، ويتم الإعلان عن أعضاء مجلس الإدارة من خلال الإفصاحات الرسمية وعلى موقع الشركة وإصداراتها، تنفيذا وللقوانين والتعليمات الصادرة عن الجهات الرقابية كهيئة سوق رأس المال وبورصة فلسطين.
وكان مصطفى قد استقال من عضوية مجلس إدارة "أيبك" فور تسلمه منصب وزاري في الحكومة الفلسطينية، وعاد لعضوية المجلس بعد استقالته.
ابن الرئيس
كما إدعى العقاد "إن علاقة طارق عباس، نجل الرئيس محمود عباس، بالشركة معلنة بشكل واضح وشفاف في موقعها الالكتروني وإصداراتها، "وهو أحد المدراء التنفيذيين في "أيبك" ويتقاضى راتبا ومزايا كبقية الموظفين، وذلك منذ العام 1999، أي قبل مدة طويلة من انتخاب والده رئيسا".
وعن مساهمة طارق عباس بالشركة، قال العقاد إن "عباس مثله مثل عدد من الموظفين في الشركة، اشترى أسهما فيها، وبما أنها وزعت منذ تاريخ تأسيسها أسهم مجانية ضمن توزيع الإرباح على كافة مساهميها، فقد حصل طارق على أسهم إضافية خلال الأعوام السابقة كبقية مساهمي أيبك">
غسيل أموال
من جهته، قال منسق ائتلاف النزاهة والشفافية "أمان" الدكتور عزمي الشعيبي "إن منظمة الشفافية الدولية التي تعتبر -أمان- فرعا لها طالبت الدول بوقف التسهيلات المعطاة للشركات القانونية الشكلية العابرة للقارات، لاعتقادنا أنها تستخدم هذه التسهيلات القانونية لحركة الأموال بطريقة تثير الشبهات في أحيان كثيرة، وقد تتستر على أطراف تخفي أموالا متحصلة لديها بطرق غير مشروعة، أو لا تريد الكشف عن هذه الأرصدة في بلدانها".
وتابع "يسود اعتقاد باستخدام تلك الشركات من رجال الأعمال وعدد من المسؤولين الذين يتحصلون على أموال بطرق غير قانونية لشرعنة أموالهم المتحصلة بطرق غير مشروعة مثل تجارة الأسلحة".
وقال: "إن الدول تشددت بمتابعة الأموال المتعلقة بالإرهاب، وتساهلت في هذه القضية بدواعي حماية الحقوق الشخصية للأفراد بالرغم من أن المستفدين منها شخصيات عامة، إضافة إلى أن شركات المساهمة الكبيرة يوجد فيها نوع من التضارب حول مساهمة هذه الشخصيات العامة فيها".
تغطية قانونية
وقال الشعيبي: "إن هذه الشخصيات مغطاة قانونيا ولا يمكن ملاحقتهم باعتبار أعمالهم قانونية، إلا أنه يمكن متابعة قضاياهم من الناحية الأخلاقية والكشف عن نواياهم بإخفاء معلومات مالية عن بلدانهم".
وكشف الشعبي أن هناك شخصيات فلسطينية وردت أسماؤهم في وثائق بنما، حيث بدأت "أمان" بفحص التفاصيل التي تصل تباعا وهي متعلقة بعدد من كبار رجال الأعمال المعروفين بالقطاع الخاص، مضيفا أنه جار تتبع هذه الأسماء التي وردت على أنهم مواطنون في الدول التي يحملون جنسياتها، إذ أن معظم هؤلاء الأشخاص يحملون وثائق سفر أجنبية، لذلك لم يتم إدراجهم بأنهم شخصيات فلسطينية باستثناء المعلومات التي وردت باسم وزير الاقتصاد الفلسطيني السابق محمد مصطفى.
وبيّن الشعيبي أن المعلومات الأولية التي وصلت "أمان" ستكشف عن عدد من الشخصيات الفلسطينية وهم من كبار رجال الأعمال الذي تعاملوا مع هذه الشركة القانونية، مضيفا أنه جار فحص البيانات التي سيتم الكشف عن بعض تفاصيلها في وقت قريب.
وقال الشعبي: "لدينا تخوفات من أن بعض الأسماء الفلسطينية التي وردت في وثائق "بنما" لديها تضارب مصالح ما بين وظائفهم مع شركاتهم ووظائفهم العامة، إذ أنه من الصعب أن يكون الشخص في منصب عام وله مساهمات بشركة تقوم بأعمال مع السلطة، وبأنه لا يحدث تضارب مصالح".
وشدد الشعيبي على أن مؤسسة "أمان" ستطلب بشكل رسمي من الجهات الرسمية الفلسطينية التحقيق مع الأسماء التي وردت في وثائق "بنما" بدءا من هيئة مكافحة الفساد، والحكومة، وهيئة سوق رأس المال، باعتبار أن هذه الشركة أسهمها موجودة في السوق الفلسطينية ما يعني أن معظم مالكي الأسهم فلسطينيون، فلماذا تسجل كشركة دولية وليس فلسطينية؟.
وبيّن أن الأسماء الفسلطينية التي وردت بالوثائق اندرجت وفق جوازات سفرهم الأجنبية، حيث معظم رجال الأعمال لديهم جنسيات أخرى، ومن الواضح أنه تم تسجيل الشركات بأسماء جوازات الدول التي يحملونها.
وأشار إلى أن هؤلاء من الناحية القانونية الشكلية قانونيون لا يمكن أن نوجه لهم تهمة وفق القانون الفلسطيني، لكن هيئة مكافحة الفساد هي الوحيدة التي تستطيع الكشف عن الذمم المالية بصفتهم موجدين في مراكز في فلسطين، والتأكد إن كانوا خدعوا القانون بتسجيل هذه الأملاك أو بعدم تسجيلها؟؟، وفي حال ثبت تسجيل الأملاك هذا يعني أن الهدف الرئيسي من تسجيل الشركة خارج فلسطين هو محاولة التحايل على قانون الضرائب من خلال تسجيلها كشركة أجنبية معفاة من الضرائب لمدة طويلة من الزمن وفق قانون تشجيع الاستثمار الفلسطيني، وهو ما يترتب عليه إعادة النظر بقانون تشجيع الاستثمار حول الشركات الفلسطينية المحلية والتي تعمل بغطاء أجنبي، حيث أنه يتسبب بوقوع ظلم على الشركات المحلية التي تدفع نسب ضرائب أعلى منها (من الأجنبية).