"وجدنا كثيرًا من الأمهات يطبخن أمعاء الدجاج لأبنائهن، وجدنا أمهات يبللن الخبز الجاف لأبنائهن، وجدن أمهات وأخوات عفيفات يتجولن في الأسواق في نهايتها للبحث على بقايا الخضار والطعام وحتى الفاسد منها لاستصلاح ما يمكن استصلاحه، وكانت بأعداد كبيرة شاهدناها في هذه المعاناة"، بهذه الكلمات بدأ منسق مشروع تكية غزة هاشم الخيرية حديثه لـ"فلسطين الآن".
داخل إحدى المخازن في منطقة الصيامات شمال مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، ومنذ ساعات الصباح الأولى يعمل الشباب بكل همة ونشاط يطبخون الوجبات ويغلفونها ويرتبونها، ضمن مشروع تكية غزة هاشم لإطعام المحتاجين الذي بدأ اليوم الجمعة ولأول مرة في المحافظة.
معاناة مؤلمة
وخلال حديث "فلسطين الآن" مع منسق مشروع تكية غزة هاشم لإطعام الطعام ومنسق حملة نافذة الخير لإغاثة غزة بسام البطة أوضح أن المشروع يستهدف إطعام الطعام للفقراء والمساكين ومن فقدوا المعيل، وانطلق بعد مشاهدات صعبة وجدناها ومشاهد مؤلمة في بيوت الناس.
ووصف البطة معاناة المواطنين بقوله: "وجدنا كثيرًا من الأمهات يطبخن أمعاء الدجاج لأبنائهن، وجدنا أمهات يبللن الخبز الجاف لأبنائهن، وجدن أمهات وأخوات عفيفات يتجولن في الأسواق في نهايتها للبحث على بقايا الخضار والطعام وحتى الفاسد منها لاستصلاح ما يمكن استصلاحه".
وأكد البطة أن مشاهد المعاناة المؤلمة التي يعيشها أبناء قطاع غزة في ظل الحصار والإغلاق، دفعتهم كشباب متطوعين للتدخل في إصلاح الواقع بقدر الإمكان، وافتتحوا مشروع "تكية غزة هاشم" في مدينة غزة منذ حوالي شهرين كخطوة أولى للتخفيف من هذه المعاناة.
وأوضح أن المشروع قدّم على مدار كل أسبوع الغذاء لحوالي 5 آلاف شخص، يتم توزيع الأغذية عليهم خلال يومي الاثنين والجمعة من كل أسبوع، بعد تلقي التبرعات من الأغنياء والتجار والمؤسسات الخيرية والطعام النظيف الفائض من المطاعم.
ويعتبر مشروع التكية مشروع تركي، يقوم فيه الأغنياء والميسرين بصنع الطعام للفقراء والمحتاجين، افتتح حديثًا في قطاع غزة بفرعين في عزة ومدينة رفح، وينتشر أيضًا في مدن الضفة الغربية خصوصًا في مدينة الخليل المشهورة بـ"التكية الإبراهيمية".
لأول مرة في رفح
وأشار البطة أنه بعد نجاح مشروع التكية في مدينة غزة ولدت فكرة إنشاء فرع في مدينة رفح بعد المناقشة مع أهل الخير فيها واستجابتهم بالتفاعل معه.
وافتتح أمس الجمعة المشروع فرعه في محافظة رفح، ويستهدف 100 أسرة في المدينة ممن فقدوا المعيل والمطلقات والأرامل، بما يتجاوز إطعام 1000 فرد، وأكد البطة أن هؤلاء سيتم إطعامهم بشكل دائم كل يوم جمعة.
وبين أن افتتاح المشروع في مدينة رفح بدعم من الجمعية الخيرية لمناصرة الشعب الفلسطيني في إيطاليا، متأملًا أن تتبع هذه الخطوة خطوات أخرى في افتتاح مشاريع في باقي محافظات القطاع، قائلًا: "حتى نبرأ ذمتنا أمام الله تعالى من كل رجل أو امرأة أو طفل يبات ليلته جائعا، وهذه قدرتنا وإمكانياتنا، والحمل كبير جدا والهم ثقيل جدا والتكاليف لهذا المشروع كبيرة جدا".
ونوّه أن طعام اليوم هو دعم كامل من الجمعية الخيرية لمناصرة الشعب الفلسطيني في إيطاليا، مشيدًا بالخيرين في مدينة رفح، حيث وفروا المكان ووفروا المعدات وتكاليف الطبخ، و"هذه المساهمة ممتازة ورائعة من أهلنا في مدينة رفح"، وشارك في تنفيذ وإعداد مشروع اليوم مديرية أوقاف رفح.
وتابع البطة بقوله: "لا زال هذا هو اليوم الأول في رفح، ونطمح أن تنتشر الفكرة في المدينة ونحصل على المزيد من التبرعات لكي نستمر، وهدف هذه التكية مبدئيا في رفح أن تستمر على الأقل كل يوم جمعة، في كفالة غذاء 5 آلاف فرد من الفقراء أسبوعيا".
إيجابية وهمسة
ولاقي المشروع إقبالًا من الداعمين في قطاع غزة وسرورًا من المواطنين المستفيدين كما عبّر البطة، وقال: "مشاهد كثيرة جميلة ورائعة التي رسمتها غزة في هذه الصورة، الفقراء دعموا فقراء".
ويروي:"أم فقيرة جاءت بقطعة ذهب لا تملك غيرها، وقدمتها للتكية، وهناك تجار أيضا قدموا وبعض المطاعم تناقشنا معهم لتزويدنا بالطعام النظيف غير المستخدم"، معتبرًا أن هذا الطعام الأولى أن يصل لأصحابه ونحن جاهزون لاستلام هذا الطعام من أي مكان في القطاع وتوصيله للمحتاجين بعد إعادة ترتيبه.
ويتابع مضيفًا: "قبل قليل بعض الأرامل والمطلقات كانت نظرتهم إيجابية جدا، هم يقولون لولا هذا المشروع لكان غذاؤهم الخبز الجاف، وإحداهن قالت أن الخبز بالفلفل والدقة والزعتر هو ما يأكله أولادها في يوم جمعة ومنذ ستة أشهر لم يأكل أولادها أي نوع من أنواع اللحوم".
وأكد أن "اليوم هذه المرأة كفلت على الأقل كل يوم جمعة سيأتيها ما لذ وطاب من الطعام وبأفضل الأنواع والمواصفات، حتى يأكل هؤلاء الأعزاء أفضل مما نأكل بإذن الله وهذا عهدنا مع الله ما بقينا على رأس هذا المشروع"، شاكرًا الجمعية الخيرية لمناصرة الشعب الفلسطيني في إيطاليا الذين لبوا نداء اليوم الأول في مدينة رفح.
وتساءل البطة:"نشاهد الكثير من المشاهد المؤلمة تصل إلى أن الفقراء يبحثون عن لقمة عيشهم في القمامة، فلماذا لا تصل إليهم عزيزة كريمة كما هم أعزاء كرماء؟".
وشدد البطة أن هذا المشروع مشروع مجتمعي يجب أن يحمله المجتمع ككل، "لأن غزة أولى بأبنائها وأغنياء القطاع أولى بفقراء القطاع، تعالوا مدوا أيديكم لنا كما مد أهلنا في رفح أيديهم لنا، مدوا لنا أيديكم في كل مكان حتى نطعم كل جائع ومسكين".
ووجه رسالة إلى الأمة العربية والإسلامية: "والله إنه من العار أن ينام جائع في قطاع غزة طفل أو رجل أو امرأة، من العار أن نجد امرأة تطبخ أمعاء الدجاح، من العار أن نجد طفل كل ما يعرفه من الغذاء الفلفل والخبز، من العار أن نجد أمهات صابرات كريمات يجمعن فتات الطعام من القمامة أو من بقايا الأسواق العامة".
واعتبر أن مواجهة الفقر مسئولية عامة، وليس مسئولية حزب ولا حكومة ولا حركة ولا تنظيم ولا مؤسسة خيرية واحدة، بل مواجهته مجتمعية بكل أطياف المجتمع، وبكل أشكالها، وأغنياء غزة قادرون بما لديهم من حق معلوم في زكاتهم على أن يسدوا رمق كل جائع في القطاع.
وختم برسالته لأغنياء القطاع:"مدوا أيديكم لنتق الله في هذا الشعب، يا إخواننا يا من تملكون المال وأنتم فيكم الخير الكثير، حتى نسد على الأقل رمق الناس ولا نتركهم لذل الحاجة وطرق أبواب الناس أعطوهم أو منعوهم".