18.64°القدس
18.44°رام الله
17.75°الخليل
24.42°غزة
18.64° القدس
رام الله18.44°
الخليل17.75°
غزة24.42°
الثلاثاء 08 أكتوبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.35دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.15يورو
3.79دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.35
جنيه مصري0.08
يورو4.15
دولار أمريكي3.79

موسى بن نصير.. وتهمة الإرهاب

خالد الخالدي
خالد الخالدي
خالد الخالدي

ابتليت الأمة في العصور الماضية برواةٍ شوَّهوا تاريخها بروايات اختلقوها إرضاءً لأهوائهم، أو دعمًا لأحزابهم، كما ابتليت بكتَّابٍ زادوا تاريخها تشويهًا بانسياقهم خلف كتابات مسمومة، كتبها مستشرقون أرادوا بها تحطيم الصورة الجميلة لقادة المسلمين العظام، حتى لا يقتدي بهم الكرام، أو ينهج نهجهم أحدٌ من الحكام.

ومن القادة العظام الذين تعرضوا لتشويه سفهاء الأحلام، لهثًا خلف مستشرقين أقزام، فاتح المغرب والأندلس المسلم الفلسطيني الخليلي موسى بن نصير، إذ اتهمه السيد عبد العزيز سالم بالإرهاب، وإكراه البربر {الأمازيغ} على الإسلام، وأنه لم يكن مهتمًا إلا بجني المغانم والسبايا، حيث يقول في كتابه تاريخ المغرب الكبير:" كان لا يهتم في حروبه إلا بما يجنيه من مغانم وسبايا، ولم يكن يحفل بعد ذلك بما كانت تثيره هذه الغزوات في نفوس الوطنيين من سوء الظن والكراهية للعرب"، ويقول:" وقد أحدثت غزواته رجة كبرى بين قبائل البربر، وسببت لهم الهلع والخوف، فتسابقوا إلى الخضوع له، والدخول في الإسلام، والانضواء في سلك الجيش العربي".

واتهامات سالم باطلة واهية أرد عليها بالنقاط الموجزة التالية:

1- نقل سالم هذه التهم عن مستشرقين أوروبيين، حقدوا على موسى، لأنه فتح جزءًا من أوروبا، ولكي يبرروا هزائمهم النكراء أم جند موسى الأتقياء، وحتى يبشعوا صورة هذا البطل الهمام، في نظر أبناء المسلمين، فلا يفكر أحد بالاقتداء به، أو اعتماد منهجه القائم على الإيمان والالتزام والجهاد.

2- لو كانت هذ التهم صحيحة، لما أقبل البربر على الإسلام، وهم المشهورون بالإباء، ورفض الإكراه والانحناء، وعزة النفس وشدة البأس، ولما تحمّسوا لنشر الإسلام، ولما تكوَّن منهم الجيش الأول الذي فتح الأندلس، ولما تأهَّل ابن قبيلة نفزة البربرية طارق بن زيادة لقيادة ذلك الجيش، ولما تمكّن جيشه المؤمن الذي بلغ اثني عشر ألفًا من هزيمة جيش القوط الذي بلغ نحو مائة ألف مقاتل.

3- لو كان موسى لا يهتم إلا بالغنائم لما أقدم على التنازل عن حصته من غنائم قرطبة لمغيث الرومي رسول الخليفة الوليد بن عبد الملك إليه، إذ نقل إليه مغيث أمر الوليد بوقف الفتح، والعودة إلى دمشق، فطلب منه موسى أن يتريث حتى يتم فتح آخر معقل للقوط، وعندما رفض مغيث، وعده موسى أن يعطيه حصته من غنائم قرطبة إن هو تريث، فتريث مغيث، وحصل على حصة موسى، وصار ملكه في قرطبة عظيمًا، يُطلق عليه: "بلاط مغيث".

4- لو كان موسى يريد أن يجمع أكبر قدر من الغنائم كي ينال رضا الوليد، لما أقدم على التبرع بجزء منها لفقراء المسلمين، إذ يُروى أنه كان يعطي منها الفقراء أينما رآهم في طريق عودته، حتى أن الخليفة سليمان الذي تولى بُعَيدَ الوليد حاسبه عليها، وقضى بأن يدفعها إلى بيت مال المسلمين من ماله الخاص، فوافق موسى ودفعها راضيًا.

5- كيف يُقبل اتهام موسى بأن همّه الأكبر جني السبايا، وقد دخل الأندلس وعمره يزيد على ستةٍ وسبعين عامًا؟!

6- لقد كان الهمُّ الأكبر لموسى هو الفتح ونشر الإسلام، وليس الغنائم والسبايا، وكان طموحه عظيمًا لدرجة أنه قرر حسب ما روى ابن خلدون وابن الشباط أن يعود إلى دمشق من طريق أوروبا بعد أن يفتحها، ثم يفتح القسطنطينية، لدرجة أن الوليد خشي على جيش المسلمين من شدة حماسه واندفاعه، فأرسل إليه رسولين يأمرانه بالتوقف والعودة إلى دمشق.

7- الاتهامات الموجهة إلى موسى تتنافى مع شخصية تابعي جليل، صاحب علم غزير، وفهم كبير، يدرك أنه صاحب رسالة سامية، هي نقل الناس من دياجير الجهل والظلام، إلى نور العلم والإسلام، وقد سجل التاريخ كثيرًا من الروايات الدالة على ربانية هذا القائد، إذ يقول ابن الكردبوس: "وكان موسى بن نصير حين أنفذ طارقًا، مكبًا على الدعاء والبكاء، والتضرع لله تعالى، والابتهال إليه في أن ينصر جيش المسلمين، وما عُلِم أنه هُزِم له جيشٌ قط". ولوحظ أنه كان يكثر من بناء المساجد في المغرب والأندلس، وأنه عبر الأندلس بعد سنة من عبور طارق، ومعه نحو ثمانية عشر ألفًا اختارهم من العلماء والتابعين ليكونوا دعاة ومجاهدين، وقد أثمرت جهوده المخلصة، إذ أقبل البربر على الدخول في دين الله أفواجا، وما غادر الأندلس سنة 95هـ إلا ومعظم أهلها مسلمين.

8- لو كان دخول البربر في الإسلام إكراهًا وخوفًا من موسى بن نصير، لارتد البربر عنه بمجرد خروج موسى، أو في العهود اللاحقة، لكنّ البربر ظلوا متمسكين بدينهم، محافظين عليه بالرغم من تعرض بلادهم لاحتلال فرنسي صليبي، اجتهد أن يخرجهم من دينهم، وبالرغم من الحكام العلمانيين الذين تعاقبوا عليهم وحاولوا إبعادهم عن الدين.

9- سجلت المصادر التاريخية أن أسقف سرقسطة بنثيو جمع رهبانه وأمواله أثناء محاصرة موسى لها، وقرر أن يغادرها، وعندما علم موسى بذلك، أرسل إليه يُؤمِّنه ويؤمِّن أهل سرقسطة على أنفسهم وأموالهم، فقبلوا أمانه، وبقوا، ووفى لهم موسى بعهده. ولولا علم بنثيو بتاريخ موسى الحسن في الوفاء بالعهد، وفي الإحسان إلى أهل الذمة، لما دخل في عهده، ولما عاش تحت حكمه.

10- إن الخوف الذي أصاب جنود القوط في إسبانيا، وجعلهم ينهزمون أمام جنود موسى المؤمنين، غير ناتج عن ممارسة المسلمين للإرهاب، وإنما هو رعبٌ يقذفه الله في قلوب أعدائه، نصرة لعباده المتقين، وقد عبر مؤرخ الأندلس ابن حيان عن ذلك فقال:" وقد ألقى الله الرعب في قلوب الكفرة، فلم يعارض موسى وطارق أحدٌ إلا بطلب الصلح".

رحم الله موسى بن نصير، الذي حقق الله على يديه النصر والخير، ورزق أمتنا بقادة كرام، يسلكون سبيل خير الأنام.