"ممكن ما تولع السيجارة بالسيارة؟"
"ليش؟!"
"عشان لما تدخن بالسيارة بتخنق الركاب".
"أنا بأدخن في سيارتي. مليش في غيري. يعني بطالة وفقر ومخالفات شرطة وقلة كِيفْ كمان!!".
"طيب نزلني على اليمين، ودخن براحتك".
كان ذلك ملخص حديث جرى بين موظف وأحد سائقي الأجرة في مدينة غزة، انتهى بنزول الموظف من السيارة قبل وصوله إلى مكان عمله.
مشهد بات يتكرر مؤخرًا في سيارات الأجرة سواء بين الركاب والسائقين، أو بين الركاب وركاب آخرين، ونتائج هذا الحوار متفاوتة من حالة إلى أخرى، ما بين تنازل السائق والمدخن وعدم تدخينهما، أو إصرار السائق والراكب المدخن ونزول معارض التدخين من السيارة، أو تدخين السائق والراكب المدخن وبقاء معارض التدخين في السيارة على مضض وكراهة.
"فلسطين الآن" استطلعت آراء عدد من المواطنين حول انتشار ظاهرة التدخين داخل سيارات الأجرة في محافظات قطاع غزة، وجاءت غالبيتها رافضة لهذا السلوك من الركاب والسائقين على حد سواء، وحتى أولئك السائقين المدخنين برروا فعلتهم بـ"ندرة" تدخينهم داخل السيارة أثناء امتلائها بالركاب.
ويبلغ عدد المدخنين في الضفة الغربية وقطاع غزة بحسب آخر إحصائية نشرت عام 2011م (قبل خمس سنوات) أكثر من 800 ألف مدخن من مختلف الفئات والمستويات العمرية، وأوضحت الإحصائية في ذلك الوقت أن المدخنون يصرفون ما يعادل 15% من الناتج المحلي الإجمالي على التدخين.
تبرير المدخنين
الشاب محمد عبد الرحمن، طالب جامعي مدخن، رأى في حديثه لـ"فلسطين الآن" أن التدخين بالسيارة وهو في طريقه صباح كل يوم إلى الجامعة من أمتع اللحظات التي يدخن بها.
وأوضح "أحب التدخين صباحًا بالسيارة وأنا استمع إلى الراديو، ونسمات الهواء العليل تدغدغ وجهي، محاولًا نسيان كل شيء مزعج. صدقني شعور لا يوصف".
وأكّد محمد أنه يحاول دائمًا أن يدخن سيجارته عندما لا تكون السيارة ممتلئة بالركاب، وإن كانت ممتلئة فهو يدخن لكن يشعر بتأنيب داخله، مضيفًا "أشعر أنني أؤذي غيري لكني لا أستطيع ترك هذه العادة حاليًا. ربما مع الأيام أتغير وأترك التدخين بشكل كامل".
أما السائق ياسر (52 عامًا) من شمال قطاع غزة فقال إنه يدخن بالسيارة سواء كانت ممتلئة بالركاب أو فارغة.
وأضاف "هو الراكب بدو يتحكم بي وبسيارتي بالشيقل تاعه؟ لأ يا عمّي أنا بدخن وقت ما يطب الكيف عندي".
واستدرك "أحيانًا إذا كانت معي سيدة كبيرة أو طفل رضيع أتجنب التدخين، الواحد برضو بوزن الأمور. لكن لما يكونوا شباب وين المشكلة لما أدخن".
مخاطر صحية كبيرة
ويطلق على استنشاق غير المدخنين للدخان المنبعث من السجائر والأرجيلة وغيرها مصطلح "التدخين السلبي"، وهو يؤثر مباشرة على صحة غير المدخنين ويصيبهم بالعديد من الأمراض.
وتصنّف وكالة حماية البيئة الأمريكية الدخان المنبعث من السجائر بأنه "صنف ملوّث من الدرجة (أ)".
وبحسب الأطباء، فإن الأشخاص الذين يتعرضون للتدخين السلبي يعانون من نفس الأمراض التي تصيب المدخن بحيث تصيبهم الأمراض التي منها ضيق التنفس والتهاب الشعب الهوائية والربو والتهاب الأذن الوسطى.
وتوضح الدراسات الطبية أن التدخين السلبي مزيج مخلوط من 4000 مادة كيميائية من الجزئيات والغازات ويحتوي على مهيجات ومواد سامة مثل (سيانيد الهيدروجين وأول أكسيد الكربون والامونيا وفومالدهايد) كما يحتوي على مواد مسرطنة مثل (الزرنيخ والكروميوم ونيتروسامين) وغيرها.
وبناء على ما سبق من مخاطر صحية جمّة يسببها المدخنون لغير المدخنين؛ أعلنت غالبية دول العالم حظر التدخين في الأماكن العامة كالمستشفيات والمطاعم والسيارات والحافلات والقطارات والأماكن المغلقة، وأوقعت غرامات مالية كبيرة على المدخنين المخالفين.
جدير بالذكر أن شرطة المرور في قطاع غزة ووزارة النقل والمواصلات لم تعلنا عن أي حملة لضبط ومنع التدخين داخل سيارات الأجرة.