19.44°القدس
19.21°رام الله
18.3°الخليل
24.81°غزة
19.44° القدس
رام الله19.21°
الخليل18.3°
غزة24.81°
الإثنين 07 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

النكبة المستمرة!

هشام منور
هشام منور
هشام منور

ثمانية وستون عامًا ولا يزال الفلسطينيون في كل أصقاع العالم يحيون ذكرى نكبتهم بلا كلل أو ملل، ودونما أن يفقدوا الأمل بالعودة.

ظروف إحياء النكبة لهذا العام لا تقل سوءًا عن الظروف الأصلية التي رافقت نكبة فلسطين عام 48، من حيث ضعف الأداء السياسي الرسمي الفلسطيني، ونهب الأراضي وتهجير سكانها من قبل الاحتلال الإسرائيلي، إذ لا تزال الأراضي الفلسطينية المحتلة تشهد نكبات صامتة، وسط غياب إعلامي، ما يجعل النكبة مستمرة، وبشكل يومي.

يحيي الفلسطينيون هذه الذكرى وبوصلة قلوبهم تشير إلى يافا وحيفا ومئات القرى الفلسطينية المدمّرة التي احتلتها العصابات الصهيونية عام 1948، يتمسكون، اليوم، بكل ما أوتوا من قوة، بما تبقى لهم من أرض، حتى لا تتكرر تلك النكبة المؤلمة. ويدرك الفلسطينيون تمامًا أنه في ظل غياب الأداء السياسي الفلسطيني الفاعل على الأرض، فإن الصمود هو كل ما يملكونه على الرغم من استمرار سلطات الاحتلال في مصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية، وهدم تجمعات سكانية، وطرد الأهالي من الأراضي التي من المفترض أن العالم اعترف بها لتكون دولة فلسطين المقبلة على الأراضي المحتلة عام 1967.

سلطات الاحتلال تهدم كل عام ما يعادل قرية فلسطينية، والمشروع الاستيطاني، وتهويد الأراضي الفلسطينية لم يتوقف منذ اتفاقية "أوسلو" عام 1993. بل إن الأسوأ أن هذه الاتفاقية خلقت مظلّة للإسرائيليين للاستمرار بسرقة الأرض وتهويدها، إذ تغافل الاحتلال عن بند يمنع الاستيطان، ما جعل المستوطنات تستشري في الأراضي الفلسطينية بعد مرور 23 عامًا على توقيع الاتفاقية. فعلى سبيل المثال ما بين تجمعات أم الخير أقصى جنوب الضفة الغربية المحتلة وطانا شمالها، هدمت قوات الاحتلال 600 منشأة فوق رؤوس أصحابها خلال هذا العام.

وبينما تظهر هذه المعطيات كيف تعكف قوات الاحتلال على سحب الأرض من تحت أقدام أصحابها بالقوة والتحايل والتضليل يوميًا، تأتي ذكرى إحياء النكبة لتأخذ طابعًا احتفاليًا من قبل المؤسسات والهيئات شبه الرسمية، فيما اكتفى المستوى الرسمي والفصائل الفلسطينية بإصدار البيانات، تاركًا المواطن يقاوم وحيدًا نكبة جديدة.

إحياء الذكرى يجب أن ينتقل من الخطابات إلى الفعل، إذ يجب تحويل الأموال للعمل على التخلّص من الاحتلال وليس لإحياء الذكرى فقط، جزء كبير من المشكلة يتمثل في القيادة الفلسطينية، وهذا ينعكس بشكل محبط على الشعب الذي بات بحاجة إلى جهد كبير لتوعيته، ودعم قدراته لمقاومة الاحتلال.

النكبة الفلسطينية مستمرة، والأداء السياسي الفلسطيني ضعيف، لذلك هناك حاجة كبيرة وملحّة، اليوم، للقيام بجهد فعلي كبير لإنهاء النكبة التي بدأت 1948، والتصدي لمحاولة (إسرائيل) شرعنة ممارساتها. فسلطات الاحتلال دأبت على أخذ الشرعية من الأمم المتحدة، لكنها هذه المرة تحاول الحصول عليها من العرب عبر الاعتراف بها من دول عربية، فضلًا عن محاولة تحدي الفلسطينيين أنفسهم وانتزاع شرعية المستوطنات منهم.

تزامنت فعاليات الاحتلال بإقامة دولته في الأيام التي يحيي فيها الفلسطينيون ذكرى النكبة، ليكون الشعار الأمثل "استقلالهم نكبتنا". وما يثير إحباط وغضب آلاف الفلسطينيين رؤيتهم لملايين أعلام الاحتلال مرفوعة على أعمدة الكهرباء في الطرق الخارجية، وعلى سيارات الإسرائيليين في "احتفاء" فجّ يذكّر الفلسطيني أن جميع طرقات الضفة الغربية المصنّفة "ج" تخضع لسيادة وإدارة الاحتلال مباشرة. وما هو أكثر إيلامًا، أنّ هذه الأساليب تجبر الفلسطيني على التنقل عبر هذه الطرقات بأكبر قدر ممكن من الهدوء، وكأنه كائن غير مرئي، وعليه أن يغصّ بالمشاهد الاحتفالية لأعلام العدو، ولا يستطيع رفع علمه حتى لا يُعاقب أثناء مروره بعشرات الحواجز العسكرية الإسرائيلية المنتشرة على هذه الطرقات.

لا يمكن الحديث عن النكبة بمعزل عن "أوسلو" التي قامت على أساس التنازل عن 78 في المائة من فلسطين التاريخية، وخلقت نكبات جديدة صامتة على ما تبقى من أرض. فبعض المفاوضين الفلسطينيين أثبتوا ضعفًا، والبعض الآخر كان يدرك حجم المأساة، فضلًا عن أنّ الأداء الفلسطيني في تطبيق أوسلو كان سيئًا، إذ صمتوا على مدار سنوات طويلة عن كل الخروق الإسرائيلية للاتفاق. وكان الأجدى بكل المسؤولين الفلسطينيين التوقف عن تطبيق الاتفاقية مقابل كل خرق إسرائيلي، لكن هذا الأمر لم يحدث.

الشارع الفلسطيني بات يدرك أن القيادة لا تملك إلّا دعوته للتحرك مع بقائها صامتة، كما كان الأمر عندما دعت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، في 4 أبريل/ نيسان الماضي، المواطنين إلى عدم استخدام الطرق الفرعية والتوجه بسياراتهم إلى الطريق الرئيس لكسر قيود الحركة التي تحاول قوات الاحتلال فرضها على المواطنين ومنعهم من استخدام الطريق الرئيس عبر ما يسمى حاجز حوارة. ولم يحظ هذا النداء بأي تفاعل شعبي، إذ يطلب أعضاء التنفيذية الذين يملكون بطاقات"VIP" ، من الناس مواجهة الحواجز العسكرية فيما هم يتحركون بسهولة.

إقامة دولة فلسطينية هي أولوية القيادة الفلسطينية وليست حق العودة، كما تعمل القيادة الفلسطينية على إحياء المفاوضات من خلال المبادرة الفرنسية الحالية، التي لا يزال الفرنسيون يترجون نتنياهو للموافقة عليها، ويساومهم على مجرد القبول بالدعوة.. لا حتى الانخراط في المفاوضات!