23.52°القدس
23.23°رام الله
21.64°الخليل
27.73°غزة
23.52° القدس
رام الله23.23°
الخليل21.64°
غزة27.73°
الإثنين 29 يوليو 2024
4.74جنيه إسترليني
5.2دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.01يورو
3.69دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.74
دينار أردني5.2
جنيه مصري0.08
يورو4.01
دولار أمريكي3.69

بين الدائن والمدين، يفتح الله!

5ض
مصطفى بونيف

قبلتها بحرارة..وقلبي يتمزق من الحسرة، والألم..كانت يده الخشنة تمسكها كما تمسك عصفورة جريحة..كنت أبكي من الداخل "الوداع يا حبيبتي"..كانت أياما رائعة قضيناها معا..لكنني اضطررت أن أتنازل عنك اليوم وقد أصبحت مهددا..كم كان الموقف مؤثرا وهو يأخذها مني قائلا " يعوضك الله خيرا منها"..تقطع فؤادي...كيف أتنازل عن حبيبتي لهذا الجزار .... أمسكها وقبلها بشفتيه الغليظتين أمامي ..ثم وضعها في الداخل لكي يغتصبها كما اغتصب كثيرات قبلها!.

رجوته أن يتركها ساعة أخرى تنام فيها معي...لوح بالساطور الذي في يده قائلا : " لا يا حبيبي، لا يمكن ".

الوداع يا حبيبتي، أيتها الغالية، يا ورقة ال500 دينار!.

يقول المثل الشعبي عندنا " لا تتعش لحما حتى تصبح بلا دين"...لكنني خالفت هذا المثل الشهير، وأخذت كيلو من اللحم ذات يوم من عمي سعيد الجزار ووعدته بدفع ثمنه حين ميسرة، ومن يومها نصب لي عمي الجزار لجنة تفتيش دائمة في طريق عودتي إلى البيت...كان يخرج من محله حاملا ساطوره وهو يفرك شواربه..ثم يرمقني بنظرات تقول " سأعلقك على بوابة المحل !"..

في حين كنت أمر بخطوات مسرعة أمام محله ولسان حالي يقول " إذا لحقتني خذ مني ما تريد.."، وفي كثير من المرات عندما كان يناديني أتعمد إخراج المحمول من جيبي، وأتظاهر بأنني بصدد مكالمة هاتفية مهمة، والذي يشاهدني في تلك الحالة يظن بأنني على اتصال هاتفي بعاهلة المملكة المتحدة!.

وحدث أن وقعت في كمين نصبه لي على الطريق...أمسكني من القفا ورماني داخل محله وكان الشرر يتطاير من عينيه...

نظرت إليه مذعورا ثم قلت له : يا عمي السعيد أنا مدين لك بكم؟

فأجابني:500 دينار ثمن كيلو اللحم ...

فقلت له: في الغد سوف أسدد لك 200، وبعد غد سوف أسدد 200 ، وبعد بعد غد سأسدد 50...كم سيتبقى لك عندي؟

فأجابني بغباوته المألوفة: سيتبقى 50 دينارا فقط!

وسرعان ما انفجرت في وجهه غاضبا: حقا إنك رجل نتن، من أجل خمسين دينارا فقط تحمل الساطور في وجهي..عيب عليك، يا أنتن خلق الله...

واجتمعت حولنا أمة لا إله إلا الله..حتى شعر عمي السعيد بالإحراج من نظرات الناس إليه وهم يعتقدون بأنه يحاسبني على خمسين دينارا..حتى أن أحد المواطنين الصالحين اقترب منه وأعطاه خمسين دينارا وهو يقول "خذها واترك هذا المسكين يا أيها المفتري"...وهذا من منطلق العداوة المنطقية بين عامة الشعب والجزارين..بهذه الحيلة تمكنت من الانفلات من قبضة سعيد الجزار، الذي رفع كفيه إلى السماء وبدأ يتمتم بدعاء غريب!.

وما فعلته مع جزار الحي، هو ما فعله معي بعض الأصدقاء..وعلى رأسهم أبو رنة ...الذي تمنيت في حياتي أن أسمع صوته في التلفون، فهو يكتفي بإرسال الرنة...لأتصل به !!.

يرن هاتفي المحمول كالملسوع ثم يسكت..إنه أبو رنة..

أتصل به : نعم !.

يصرخ : أنا بحاجة إليك، أين أنت؟.

- أنا في المقهى..

- أطلب لي كأس شاي، أنا قادم.

أغلق الخط وأنا أدعو الله على صاحبي بأن ينفجر هاتفه المحمول في أذنه، وهو يكلمني ...كفلني دقائق مكالمات، وكأس شاي..رغم أنه يحتاجني، ماذا كان سيفعل بي لو كنت أنا في حاجة إليه؟.

دخل صاحبي والعرق يتصبب منه كما لو أنه جاءني ركضا...جلس على المقعد وقبل أن يلقي التحية سألني " أين كأس الشاي؟".

وبعد أن اطمأن بأنني طلبت كأس الشاي، وبأنني سأدفع ثمنه..طلب مني سيجارة لأن الحديث لا يروق له بدونها...وسرعان ما بدأ في تهكم عجيب مني عندما أخبرته بأنني لست من المدخنين...

- غريب أمرك كيف لا تدخن، أيعقل بأنك تقضي يومك ولا تضع شيئا على فمك..أليس عيبا أن تلوك اللبان وأنت بشواربك هاته التي تكتف جملا؟..أعطني ثلاث دنانير لاشتري سيجارة!.

- لم أكن أعرف بأنني أنجبتك ونسيتك..هل أنا مطالب بالإنفاق عليك؟، حتى أنني أصبحت أشعر بأنني لو رفضت قضاء حوائجك الغريبة سوف ترفع ضدي قضية وتربحها!.

رغم ذلك أخذ أبو رنة الثلاثة دنانير وأشعل سيجارته كما أشعل أعصابي.

نفث الدخان في الهواء، ثم ارتشف من الشاي ..الذي يراه يقول بأنه عمر الشريف وليس أبورنة!.

سألته:- نعم ماهو الشيئ المهم الذي رماك في طريقي؟.

بدأ يتكلم عن صداقتنا التي استغرقت خمسة عشر عاما - للأسف الشديد-، وكيف كنا نقتسم السندوتشات...وأكواب الشاي..

قلت له في سري:- كانت معرفة زبالة ،وعشرة أزبل منها!.

باغتني فجأة بسؤال: طبعا أنت صديقي حبيبي..

أومأت برأسي طبعا..( إلهي يحشر الدخان في حلقك).

-أنت تعرف يا صديقي الحبيب بأنني أعيش قصة حب مع عبلة.

 

عبلة لمن لا يعرفها هي ابنة عم هذا الداهية...فتاة لا تختلف عنه في ثقل الدم والشح..

فأجبته :- طبعا أعرف يا عنترة زمانك،غير أن عبلة ابنة عمك تشبه قطعة الكرواسون...

احمرت وجنتاه من الخجل( على أساس أنه خجول)....

- ابنة عمك كحبة الكرواسون ليس في الطعم الحلو، ولكن في الشكل إذ لا يمكنك أن تعرف بأنها قادمة إليك أو ذاهبة منك...وجهها يشبه قفاها، ولكن الطيور على أشكالها تقع، جزمة يمين ووجدت فردتها الشمال!

ومع ذلك واصل صاحبي سرد حكاية حبه المملة...مع العلم بأن أكره شيئ إلى قلبي حين يحكي لي أحدهم قصة حبه...سرعان ما أشعر بانتفاخ معوي.

لكن الجديد عند أبي رنة هذه المرة..بأنه ينوي الزواج منها، وإقامة الفرح...

دنا مني قائلا: سلفني مبلغا من المال وقدره 10.000 دينار، من أجل شراء خاتم الخطوبة...

شعرت بالضغط يرتفع إلى رأسي..فقلت لصاحبي : "لا تتزوج من عبلة ابنة عمك يا عنترة، ألا تعرف بأن زواج الأقارب غير صحي وبسببه قد تنجبان طفلا مهبولا، أو مسخا..أساسا وبدون الحديث عن زواج الأقارب زواجكما سيكون جريمة في حق المجتمع..".

بدأ صاحبي يتوسلني ..والدموع تفر من عينيه بما أثار شفقتي..ولم يتركني حتى رافقني إلى البيت وأخذ المبلغ من عيوني.

أقام أبو رنة فرحه..وتزوج من عبلته...ومرت الشهور...وأبو رنة لا يظهر...

أتصل به في هاتفه...فأجده "خارج نطاق الخدمة"....أسأل عنه في بيته فتخرج طفلة صغيرة، تقول لي أبي ليس هنا...

حتى تركت له ورقة سلمتها للطفلة الصغيرة كتبت فيها له( في المرة القادمة، اترك لي مبلغ 10 الاف دينارفي البيت، فإذا لم أجدك تسلمه لي ابنتك التي أصبح عمرها ثلاث سنوات).

وحين رجعت في اليوم الموالي خرجت ابنته وهي تحمل ورقة كتب فيها (كيف أسلم هذا المبلغ لفتاة صغيرة هل أنت غبي؟).

فكتبت له ( في المرة القادمة سوف أختطف الطفلة، وأطلب منك الفدية 100 ألف دينار).

وذات مرة رأيته يصلي في المسجد، فوقفت عنده، وما إن رآني حتى أعلن تكبيرة الإحرام " الله أكبر"..ودخل في الصلاة..بقي واقفا كما لو أنه يقرأ سورة البقرة...

فقلت له: والله لو تقرأ المصحف كله أنا واقف لك حتى تنتهي.

ثم ركع...وطال ركوعه....ثم سمعته يقول السلام عليكم ، السلام عليكم، ولم أشعر به إلا وهو يحمل حذاءه وراح يركض في الشارع.

وأمثال أبي رنة هم سبب الأزمة الاقتصادية العالمية التي قلبوا دماغنا بها في الفضائيات...

المهم...هل هناك من يسلفني مبلغا لتسديد فاتورة الكهرباء؟، وإلا لن نلتقي في الأسبوع القادم .