لكل غائب نفحاته الخاصة، وأجواء اعتاد على ممارستها مع أقرب الناس إليه، ولشهر رمضان الكريم نفحات خاصة، وطقوس تسبق قدومه عند سكان قطاع غزة، طقوس تحضيرية لاستقبال الشهر الفضيل، وطقوس تلازم اليوم الأول لحلوله من سحور وفطور وصلة الأرحام.
295 يوما ولا تزال السلطات المصرية ترفض الإفصاح عن مصير أربعة شبان فلسطينيون من سكان قطاع غزة، خطفوا بعد دخول الأراضي المصرية عبر معبر رفح البري بشكل رسمي.
295 يوما ولا تزال عوائل الشبان الأربعة في وجع متصل، وجع تذكرهم كل مناسبة بذويهم، لكن لرمضان وجع خاص، نظرا لحضور من رحلوا بطقوسهم الرمضانية الخاصة في سابق الأعوام.
غائب على مائدة رمضان
الشاب عبد الدايم أبو لبدة من سكان مخيم البريج وسط قطاع غزة، وحيد أمه مع شقيقة واحدة متزوجة، غيبه الخطف عن والدته الوحيدة التي لا تزال دموعها تنسكب كشلال لا ينقطع ألما على ما آل إليه مصير ابنها المجهول.
وفي رمضان الأول بدون عبد الدايم أوضح خال الشاب خلال حديثه لـ"فلسطين الآن" إلى أنه يتحاشى النظر بوجه شقيقته منذ عدة أيام، قائلا :"لي يومين أتحاشى النظر بعيني أختي، لأنه لو وقعت عيني على عينها سنجهش جميعنا بالبكاء، يكفي 295 يوما من الخطف والألم والمعاناة، تقطعت قلوبنا شوقا على عودة أبنائنا المختطفين".
وأشار أبو إبراهيم إلى أن والدة عبد الدايم ساءت أحوالها قبل أيام من شهر رمضان، وهي ذات الأيام التي اعتاد معيلها وسندها عبد الدايم على تجهيز المنزل وشراء حاجيات الشهر الفضيل.
واكتفى خال عبد الدايم بقوله :"لا أريد أن أوصف لك حال والدته على مائدة السحور والفطور في اليوم الأول من رمضان، شعور صعب لا يوصف، خاصة أن عبد الدايم كان يرفض أن يفطر خارج المنزل، وكان يؤثر والدته في كل أموره".
رمضان زاد الأوجاع
وتقاسما لذات الوجع أوضح شقيق المختطف ياسر زنون من سكان حي الجنينة شرق محافظة رفح إلى أن رمضان حل بأوجاع ذكريات شقيقه المختطف :"الأمور صعبة جدا ولا تطاق، وكنا متخوفين أن يأتي رمضان وياسر غير موجود في البيت، حيث ازداد العبء علينا وعلى الوالدة بشكل أكبر، والدتي متعبة جدا كون ياسر كان يسكن عندها، قمت بتجميع كل إخواني على السحور أول يوم في رمضان لكي نكون بجوارها، ولكن للأسف الوضع مأساوي جدًا ولا يوجد في قاموسي كلمات تعبر عنه، فالوالدة طوال اليوم وهي تبكي ويرتفع ضغطها"
وتابع زنون في حديثه لـ"فلسطين الآن" :"أطفال ياسر غير شاعرين بفرحة رمضان نهائيًا، لدرجة أن زوجته غير قادرة أن تشعل الفوانيس لأطفالها الصغار بسبب غياب زوجها، وعندما يسألها طفلاها الصغار عن والدهم تقول لهم: بابا هيو جاي، بيات عند صاحب، ارحموا أمهات المختطفين الأربعة كل يوم يموتوا مائة موتة".
وأما عن حال عائلة المختطف، حسين الزبدة من منطقة الشيخ رضوان غرب مدينة غزة، فلم تختلف كثيرًا عن حال باقي عوائل المختطفين الأربعة، والتي تجلس على مائدة الإفطار خلال شهر رمضان، وهي ترفع أكف الضراعة لله، تدعوه أن يطمئنهم عليه.
"فلسطين الآن"، هاتفت الحاج أبوسيف الدين الزبدة، وهو الأخ الأكبر للمختطف والذي أكد فيها أن أجواء رمضان ليس لها أي طعم على إخوانه أو زوجته وأولاده قائلا:" الكل يعيش هنا في بيتنا على الأمل المحفوف بالمخاطر، لا ندري أهو من الأموات فنبكيه أم هو على قيد الحياة فندعو له ليعود".
وجددت عوائل المختطفين الأربعة مناشداتهم لكل الأطراف، وجميع المؤسسات الدولية والحقوقية بالعمل على كشف مصير أبنائهم بالتواصل مع السلطات المصرية، والعمل الجاد على إعادتهم سالمين.
وكان مسلحون مجهولون في سيناء اختطفوا في 19 أغسطس الماضي أربعة شبان فلسطينيين أثناء سفرهم عبر معبر رفح البري، هم، ياسر زنون، وحسين الزبدة، وعبد الله أبو الجبين، وعبد الدايم أبو لبدة، ومازال مصيرهم مجهولاً.