مبروك يا سمر.. تخرجك من الجامعة وتعيينك قنصل، وبتصيري سفيرتنا بالمستقبل"، تعليق لرجل الأعمال هاني القطب زوج سفيرة فلسطين لدى دولة فنزويلا ليندا صبح، أرفقه مع مجموعة من الصور تظهرهم مع ابنتهم سمر طه وهي بثياب التخرج من جامعة "كارلتون" الكندية، بعد حصولها على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية.
هذا التعليق قلب الدنيا رأسا على عقب، فقد أعاد للواجهة ملف الشبهات والاتهامات بوجود فساد متعدد الأشكال داخل السفارات الفلسطينية، لا سيما بعد مباركته لكريمته سمر بعد ترقيتها إلى "قنصل عام" بالسفارة الفلسطينية في فنزويلا.. قبل أن يعدل المنشور موضحا أن التعيين كان في السفارة الفنزويلية بولاية "هيوستن" الأمريكية.
لكن تعديل القطب، كان حسب رأي المتابعين والنشطاء، "مجرد محاولة لاستدراك الفضيحة التي كشف عنها بالخطأ منشوره الأول"، إذ تمسك الجميع بالمعلومة الأولى التي تشير إلى أن الفتاة كانت موظفة بالسفارة قبل تخرجها من الجامعة، وبعد التخرج تمت ترقيتها إلى قنصل عام، متسائلين عن المؤهلات التي تملكها عدا عن أنها ابنة سفيرة!!.
ويظهر عمل سمر بالسفارة في حسابها على موقع "لينكد إن"، الذي تم حذفه بعد إثارة القضية، إذ ورد في معلوماتها الشخصية بهذا الحساب أنها تعمل موظفة بالعلاقات العامة في السفارة الفلسطينية في فنزويلا، في الفترة ما بين عام 2013 وشهر نيسان الماضي.
ويؤكد عملها في السفارة أيضا صور نشرت بتاريخ 18/أيار على حساب السفارة بفنزويلا في موقع "تويتر"، تظهر مشاركتها بشكل رسمي في فعالية أقامتها السفارة، ووقوفها لجانب والدتها السفيرة، ما يطرح تساؤلات عن سبب مشاركتها الرسمية لو لم تكن موظفة بالسفارة.
القطب عاد وكتب على حسابه الشخصي أن "سمر تعمل في السفارة الفنزويلية وليس الفلسطينية، وأنها تملك الجنسية الفنزويلية والأمريكية أيضا، وأن تعيينها في السفارة الفنزويلية جاء "بسبب كفاءتها" التي رأتها فيها السلطات الفنزويلية".
انتقادات واسعة
هذا الحدث لم يمر مرور الكرام بالنسبة لنشطاء وصحفيين وحقوقيين، إذ تفاعل هؤلاء بشكل كبير مع ما اعتبروها "واقعة فساد لا لبس فيها". فقد أعرب مركز الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة – أمان عن قلقه من هذه المعلومات، موضحا أنه بعث برسالة إلى وزير الخارجية رياض المالكي حول هذه القضية.
وقال "أمان" في بيانه الذي وصل "فلسطين الآن" نسخة منه إن "الخبر ومع احتمالية ألا يكون صحيحا، إلا أن التذمر والغضب الشديد الذي رافقه يعتبر مؤشرا مهما للإحباط بين الشباب الفلسطيني"، مشيرا إلى أنه توصل في تقرير سابق إلى استنتاجات أهمها أن بعض التعيينات في السلك الدبلوماسي، يخالف أحكام قانون السلك الدبلوماسي.
وأكد البيان أن هناك غيابا تاما للدور الإشرافي والرقابي لديوان الموظفين العام، إضافة لغياب المعايير التي يجري على أساسها تصنيف موظفي الخارجية إلى إداريين أو دبلوماسيين، انتهاء بغياب النصوص التي تتعلق بتحديد مستويات للرواتب والأجور والمعدل العام لها للعاملين في السلك الدبلوماسي.
التقرير المذكور تضمن إشارة إلى مخالفة واضحة لأحكام اللائحة التنفيذية لقانون السلك الدبلوماسي عند ترقية ليندا صبح ذاتها من مستشار أول إلى سفيرة في فنزويلا، حيث أوضح أنه كان من الواجب أن يمضي على عملها كمستشار أول أربع سنوات قبل ترفيعها لسفير، إلا أنها تلقت الترقية بعد سنة وشهر ونصف تقريبا.
صندوق أسود
مراسل "فلسطين الآن" لم يكتف بما جاء في البيان، بل تواصل مع المدير التنفيذي للائتلاف الأستاذ مجدي أبو زيد للتعليق على تعيين ابنة السفيرة في فنزويلا "قنصلا عاما". الذي نوه أن "أمان" مؤسسة أهلية تبذل كل جهدها في كشف التجاوزات ومحاولة الضغط على صناع القرار لوضع حد لتلك المشاكل.
وحول ملف التعيينات في المناصب العليا وتحديدا في وزارة الخارجية، ذكّر أبو زيد بالتقرير الأخير الذي أصدرته أمان تحت عنوان "التعينات والترقيات في الوظائف الدبلوماسية"، بحث في كل الوظائف والتعينات التي تمت من عام 2010 حتى عام 2015، وكشف وجود خلل كبير في هذا الجانب، "مع العلم أن الجهات الرسمية ووزارة الخارجية رفضت اعطاءنا أي معلومة بهذا الشأن، وكان جل الاعتماد على المعلومات التي تم نشرها للعامة عبر صحيفة الوقائع الفلسطينية".
وقال "راجعنا أكثر من 70 قرارا، ومن مجرد الاطلاع على الأسماء يمكن أن تدرك أنهم يتبعون إما لعائلات مشهورة أو بسبب الانتماء لحركة فتح أو منظمة التحرير، فهذه كلها مفاتيح ليصل البعض لمناصب حساسة في الوظائف، دون أن تكون معتمدة على الخبرة والكفاءة.. فالمشكلة الأكبر هي قضية التعيينات بطريقة ملتوية في وزارة الخارجية دون أسس علمية واضحة.. عدا أن ترقية من يتم تعينه تتم بشكل مريب وسريع متجاوزة بذلك كل المعايير المنصوص عليها في القانون واللائحة التنفيذية للسلك الدبلوماسي".
وقال "في تقريرنا توصلنا إلى مجموعة من الاستنتاجات، كان أهمها: أن بعض هذه التعينات استرضائية وخدمت مصالح شخصية أو لأقارب بعض المسؤولين بالرغم من أن بعضها يخالف أحكام قانون السلك الدبلوماسي فضلا عن حالات تم فيها نقل موظفين من الخدمة المدنية مباشرة إلى السلك الدبلوماسي بما يتعارض مع قانون السلك الدبلوماسي ولائحته التنفيذية".
واستدرك "عددٌ من التعينات والترقيات تتم خارج مؤسسات الإشراف والرقابة التابعة للسلطة وتحديدا غياب تام للدور الإشرافي والرقابي لديوان الموظفين العام، بالإضافة إلى غياب المعايير التي يجري على أساسها تصنيف موظفي وزارة الخارجية الى إداريين أو دبلوماسيين وانتهاءً بغياب النصوص التي تتعلق بتحديد مستويات للرواتب والأجور والمعدل العام لها للعاملين في السلك الدبلوماسي.
أمثلة صارخة
وعودة لأبو زيد، فقد ذكر أنه خلال سنتين صدرت 3 قرارات بحق أحد أبناء القيادات الفلسطينية بحيث ترقى من وظيفته في ديوان الرئاسة إلى وزارة الخارجية ومنها إلى منصب رفيع في السلك الدبلوماسي، مخالفا ما جاء في المادة 11 لقانون السلك الدبلوماسي التي تنص أن يكون التعيين وفق مسابقة خاصة ووجود لجنة متخصصة، لكن هذه الخطوة كانت مجرد إجراء شكلي، بحيث يتم تعيين أشخاص موجودين عبر نظام العقود أو متواجدين أصلا في وزارة الخارجية، وطبعا راتب الموظف في السلك الدبلوماسي ضعف راتب الموظف الإداري في الخارجية.
هذا الأمر ينطبق على بقية المناصب العليا والحساسة، ومنها النيابة العامة والقضاء.. إنظر أخر قائمة للمقبولين في وظائف بالنيابة العامة، ستعرف من هم من خلال أسمائهم.. هذا ابن فلان وشقيق فلان، وكأن الوظائف مخصصة لأبناء وأقارب المسئولين فقط.
لا ردود
وأوضح أنهم في ائتلاف "أمان" يخاطبون الجهة ذات العلاقة.. "بعثنا بكتب رسمية للرئيس ولرئيس الوزراء ولديوان الرقابة المالية والإدارية ولهيئة مكافحة الفساد ولديوان الموظفين العام الذين يجب عليهم التأكد أن التعيينات تتم وفق القانون الأساسي.. لكن للأسف لا أحد يستجيب بالأغلب لتساؤلاتنا".
وشدد على أن "المشكلة أنه لا يوجد مجلس تشريعي، وتلك الجهات تستغل هذه النقطة لتمرير التجاوزات. يعتبرون هذا ملف مغلق، أو صندوق أسود. قد يكون هناك من يتابع، لكن لا أحد يبلغنا بالنتائج".
وعاود أبو زيد للتأكيد انه لا يوجد تساوي أمام القانون أو عدل في توزيع الوظائف خاصة العليا.. أتحدى أن يكون مدير عام أو أعلى قد جرى تعيينه وفق القانون والمسابقات التي تتيح المساواة والعدالة بين المتقدمين. كلهم من لون واحد، ومدى قربك والرضى عنك من المسئولين".
"طالبنا بتشكيل لجنة مهنية محايدة من أشخاص يتمتعون بسمعة طيبة للنظر في التعيينات..
ديوان الرقابة ينشر إعلان عن الحاجة لوظيفة، لكنها تكون متدنية وليست حساسة. وتكون هناك مسابقة ومقابلات مع المتقدمين. وقد يحظى بها من يستحق بعد جهد جهيد. لكن عندما يتعلق الأمر بوظيفة عليا، لا يُنظر لهذه المراحل مطلقا".
من الأمثلة التي ذكرها أبو زيد أن قاضيا في المحكمة العليا الفلسطينية تخرج نجله من كلية للقانون، فخاطب الرئيس أن يضعه في منصب مستشار في أحد الأجهزة الأمنية، وهو ما تم فعلا. فقد حظي بهذا المنصب الهام جدا، وهو لا يملك أي خبرة مطلقا.
غضب متزايد
وأشار إلى أن "النقمة على السلطة حاليا بسبب عدم وجود عدالة في توزيع الموارد وعدالة في توزيع الأعباء.. من يناضل يدفع الثمن وغيره يجلس في المكاتب المرفهة ويصعد على سلم الوظائف دون أدنى جهد يبذله". وأوضح أن "هذا يزيد الفجوة بين طبقات المجتمع، ما يؤدي إلى خلق حالة من السخط لدى المواطنين تجاه السلطة الفلسطينية".
وتابع "الناس تتحمل لو كان هناك عدالة ومساواة في الأماكن المحدودة في السلطة.. هناك مشكلة في الإدارة وتوزيع الموارد المحدودة. نفتقد للنزاهة والشفافية، لكن أن يعتقد البعض أن هناك سادة وعبيد، فهو مخطئ".
احتكار الوظائف
وعلق الخبير القانوني ماجد العاروري على قصة القنصل قائلا إن "بعض الوظائف كانت حكراً عن العامة لفئة محددة في المجتمع وهي أبناء المسؤولين والذوات، في هذا الإطار كانت الوظائف القضائية والنيابة العامة والسلك الدبلوماسي"، واستدرك "كان لرئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق عيسى أبو شرار دوراً هاماً في كسر هذا التابو وجعل الوظائف القضائية في متناول العامة من خلال تعيين قضاة من العامة ممن تنطبق عليهم شروط التعيين، وليسوا أبناء مسؤولين، ثم كسر هذا التابو في عهد النائب العام الأسبق أحمد المغني، وبدأنا نلمس فئة العامة تخترق هذا السلك الذي كان مغلقاً من قبل، وهذه شهادة حق يجب أن يشار بها إلى كلا الشخصين، فبهما كسر التابو..". ولفت إلى أن "تابو الوظائف الدبلوماسية ما زال مغلقاً ولا يضخ إليه سوى أبناء النفوذ وأبناء المسؤولين والقريبين من دائرة صنع القرار وهو بحاجة إلى شخص قادر على كسر هذا التابو، وإخضاعه إلى معايير شفافة بالتعيين، تتيح للعامة من ذوي الكفاءات دخول هذا السلك المغلق".
وختم "اعتقد آن المنافسة على هذه الوظائف هو حق، وكل تعين خارج قواعد العدالة ويمنح أبناء المسؤولين فرص أعلى من الآخرين كما يجري حاليا في السلك الدبلوماسي هو باطل، ويجب أن يقاوم".
أما الصحفي علي دراغمة، فكتب بلهجة عامية: "في ناس بتموت حتى تدبر وظيفة وفي ناس اللي بنسمع عنهم بنولد وفي فمه معلقة من ذهب".
وتابع "بنت سفيرة فلسطين في فنزويلا تخرجت من هون وتوظفت برتبة قنصل ...طبعا هو فرخ البط عوام ...بنت السفيرة لازم تكون قنصل وسفيرة في المستقبل اللهم لا حسد ...وابن الكلب بضل كلب وابن النعجة خروف .. وابن الحمار.. كر".
"المهم ...انه هالصبية الي عندها طلة جميلة كاينة تشتغل كمان في ممثلية فلسطين بكندا حتى وهي طالبة جامعة.. ونحن ننتظر الحقيقة ..أو نقول المجد للتفوق أو نقول لا للواسطة" .
تعليق أخر جاء على لسان صاحبه:
"تعيين سمر طه صبح قنصلاً عاماً في سفارة فلسطين في كندا انتشر على صفحات الفيسبوك كالنار في الهشيم، وتحولت سمر وكأنها أول ابنة مسؤول يتم تعيينه في منصب رفيع!
هل تساءلتم يا سادة أين يعمل أبناء اللجنة المركزية وبأي حق؟
هل تساءلتم ونشرتم صور أبناء الوزراء السابقين والحاليين مع وظائفهم ورتبهم ومناصبهم؟
هل فتشتم في المؤسسات الرسمية جميعها من تم توظيفه وبأي حق؟
بعدين أكم واحد راح يدور فينا على واسطة صغيرة ولا كبيرة؟
سواء في تجديد واستخراج المعاملات الرسمية أو حتى في أخذ رقم على استراحة أريحا لنتجاوز آلاف المسافرين؟
كم واحد منا دور على واسطة يمشيله معاملة الطابو؟
صحيح توظيفها مش في مكانه
بس احنا مش أحسن منها وأولكم أنا، لأَنِّي للأسف سبق ودورت على واسطة والحمد لله ما نجحت".
أما المحرر الصحفي خالد سليم.. فأوجز الحالة العامة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، قائلا: "هناك ما يدفعنا لكره هذه البلاد، ودون تعب.
محافظ يُعفى من منصبه بلا سبب، ويعود للمنصب نفسه، وبلا سبب أيضًا!
جرة قلم في الأولى، وأخرى في الثانية، وممنوع أن يسأل أحد عن السبب، المعرفة بحدودها الدنيا ممنوعة.
وهناك مسؤولون يتعاملون مع البلاد باعتبارها مزرعة ورثوها كابرًا عن كابر، فيورّث الثوار والوزراء والسفراء، لأبنائهم ألقابهم، دون أن يفعلوا شيئًا، ودون أن يطأ بعضهم هذه البلاد.
بلادنا منذورة لأبناء الخطايا واللعنات، يعيثون فيها فسادًا، ويشيدون فيها المزارع والمصانع، ويسومون فيها الناس العذاب والإذلال، والأهم أنهم يبيعوننا وطنية ومراجل".
ويضيف "شخصيًّا، ودون رومانسيات وكلام شاعري أهبل، وصلت إلى حالة يأس مطلقة.
لقد نجح أبناء الرديئة من كل الطوائف والملل والنحل، في هزيمتنا، وتشويهنا".