مع انتصاف الليل، كان نحو 500 جندي إسرائيلي مدججين بالسلاح يقتحمون بآلياتهم الثقيلة بلدة قباطية إلى الجنوب من مدينة جنين، ويتوجهون صوب منزل الأسير بلال أحمد أبو زيد تمهيدا لهدمه.
ويتهم الاحتلال أبو زيد وهو في 21 من عمره بتوصيل الشهداء أحمد ابو الرب، ومحمد زكارنة، ومحمود كميل، لتنفيذ عملية في باب العامود بالقدس، شباط الماضي، إذ نفذوا هجوما بالأسلحة والسكاكين على مجموعة من جنود الاحتلال، فأوقعوهم بين قتيل وجريح.
وكان الاحتلال قد أمهلت العائلة 10 أيام، قبل هدم المنزل الذي تبلغ مساحته 100 متر، ويؤوي 9 أنفار.
يقول والده أحمد أبو زيد لمراسل "فلسطين الآن" الذي تواجد في قباطية إن الاحتلال عاملهم بخشونة وفتشهم، قبل إجبارهم على دخول منزل مجاور، وبدأ عملية الهدم.
ويضيف "استقدموا "باجر" (معدة حفر ثقيلة) بعدما فشلوا في هدمه بالمعدات اليدوية، وطيلة العملية التي بدأت منتصف الليل حتى الرابعة والنصف فجرا وأنا أذكر الله وأهدئ من روع من حولي".
ويضيف "أي ديمقراطية هذه التي يتحدثون عنها.. فالعالم كله يعرف أن هدم المنازل للآمنين جريمة يعاقب عليها القانون.. ما ذنب بقية أفراد العائلة أن يعيشوا بلا بيت!! هذا عقاب جماعي مرفوض، لكن إسرائيل لا تقيم وزنا لأحد وتفعل ما يحلو لها".
ويزيد "أيضا كيف يعاقبوننا قبل إصدار لائحة اتهام نهائية بحق بلال، وقبل إصدار حكم بحقه؟؟ هل يمكن أن تعاقب شخصا وهو في مرحلة المحاكمة؟؟".
لكن الرجل الستيني يأخذ نفسا وهو يشير لمنزل المهدم، قائلا "فداه البيت.. قدمنا أولادنا شهداء فما رح نزعل على كومة حجارة.. بكرة بنعمر أحسن منه".
مواجهات عنيفة
لكن قباطية لم تسمح لقوات الاحتلال أن تنفذ جريمتها دون مواجهة.
فقد تصدى المئات من الشبان للقوات الغازية، وعرقوا تحركاتهم وأغلقوا طرقا رئيسية، وأشعلوا الإطارات المطاطية ورشقوهم بالحجارة والزجاجات الفارغة.
وردت قوات الاحتلال بإطلاق الرصاص، ما أدى لإصابة أربعة شبان، أحدهم جراحه خطيرة. وهم: الشاب عبد الرحمن سليمان أبو الرب (20 عاما) الذي أصيب إصابة خطيرة في الصدر، ورامي عارف زكارنة (28 عاما) بعيار ناري بالكتف، وأنور أحمد كميل (17عاما) عيار ناري بالقدم، وبلال أسامة أبو زيد ( 16 عاما) عيار ناري بالخاصرة.
وشهدت قباطية على مدى ثلاث ساعات اشتباكات مسلحة شارك بها مقاومون واجهوا قوات الاحتلال بالرصاص -في مشهد لم يتكرر منذ انتفاضة الأقصى-؛ ما أربكها ودعاها لاستدعاء تعزيزات.
واعتلى الجنود منازل المواطنين ونصبوا كمائن وأطلقوا الرصاص على المتظاهرين والشبان الذين ألقوا الزجاجات الحارقة على جرافات الاحتلال وهي تهدم المنزل وشوهدت النيران تشتعل فيها.
25 منزلا
وبهدم منزل أبو زيد، يكون الاحتلال قد هدم 4 منازل في قباطية وحدها، تعود للشهداء الثلاثة إضافة للأسير أبو زيد.
وحسب الاحصاءات، فقد ارتفع عدد المنازل التي هدمها الاحتلال منذ بدء انتفاضة القدس في اكتوبر الماضي وصل الى (25) منزلاً.
وكانت قوات الاحتلال الاسرائيلي هدمت قبل نحو شهر منزل الأسير زيد عامر من مدينة نابلس والمتهم بعضوية الخلية التي نفذت عملية "ايتمار" قرب نابلس العام الماضي، وبهذا يرتفع عدد منازل الأسرى الذين هدمت بيوتهم إلى تسعة، خمسة منها في مدينة نابلس، ومنزل في قباطية ومنزلين في كل من دير سامت ودورا في محافظة الخليل، ومنزل واحد في مخيم جنين.
ومن بين المنازل التي استهدفت بالهدم، (12) منها لشهداء تتهمهم "إسرائيل" بتنفيذ عمليات، و(11) منزلاً لأسرى في سجون الاحتلال تتهمهم "إسرائيل" بتنفيذ عمليات ضدها، وقد تم هدم منازل ثلاثة شهداء من مدينة القدس اتهمتهم "إسرائيل" بتنفيذ عمليات قبل شهر اكتوبر 2015، وهم: الشهيد غسان أبو جمل ومحمد جعابيص ومعتز حجازي وجميعهم من القدس.
كذلك تم هدم منازل ثلاثة اسرى أتهمتهم "إسرائيل" بتنفيذ عمليات قبل شهر أكتوبر، وهم الأسير محمد أبو شاهين من مخيم قلنديا، والأسير معاذ حامد من سلواد، والأسير ماهر الهشلمون من الخليل.
ويؤكد المراقبون أن سياسة هدم المنازل اثبتت فشلها ولم تردع منفذي العمليات كما توقعت دولة الاحتلال، وأن هدفها هو إرضاء المستوطنين المتطرفين فقط، بالإضافة إلى أنها مخالفة لقواعد القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة.