26.19°القدس
25.99°رام الله
25.57°الخليل
27.15°غزة
26.19° القدس
رام الله25.99°
الخليل25.57°
غزة27.15°
الإثنين 07 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

الانقلاب والغرب.. ازدواجية المعايير فكرًا وتطبيقًا

محمد رمضان الأغا
محمد رمضان الأغا
محمد رمضان الأغا

عاشت تركيا حوالي خمسين سنة نوعًا من الابتزاز الغربي بخصوص دخولها الاتحاد الأوروبي ما بين اشتراطات وتعديلات دستورية وقانونية وغيرها، ولكن ذلك كله لم يؤتِ ثماره المرجوة. وشهدت تركيا خلال هذه الفترة انقلابات وتغيرات سياسية واعتقالات وتدخلات مختلفة ومتعددة في سياساتها الداخلية والخارجية وتعاملت مع كل ذلك بمرونة عالية في سبيل خدمة شعبها وإحداث تنمية حقيقية تنعكس آثارها على المجتمع بكل شرائحه، بل أكثر من ذلك تنعكس على حياة كل فرد في بيته وأسرته من حيث توفير فرصة عمل مجزية وغذاء صحي ذي جودة عالية طوال الوقت إضافة إلى كافة متطلبات الحياة الكريمة للمواطنين.

كان ذلك كله تحديا إستراتيجيا للدولة لكن الإرادة الغربية وبرغم أهمية تركيا استراتيجيا للغرب، كان الغرب يناور لتحقيق أكبر مصلحة له ودون ذلك كثيرا لتركيا الدولة. ويبدو أن العقلية الاستراتيجية التركية قد استوعبت ذلك بعمق لكنها تدرك أيضا صعوبة بل وتعقيدات وضع ما بعد الحرب العالمية الثانية ومن ثم تحول العالم إلى الأحادية القطبية مما زاد الأمر تعقيدا، إذ فقدت تركيا جزءا مهما من وزنها الاستراتيجي بانتهاء الحرب الباردة، ورغم ذلك ظلت طوال العقود الماضية ماضية في خطين متوازيين: جهود قوية في سبيل الانضمام للاتحاد الأوروبي مع خط آخر وهو تنمية متدرجة وحقيقية وشاملة. الهدف الأول لم يتحقق رغم بذل أقصى ما يمكن من محاولات، أما الهدف الثاني فقد تحقق خلال العقدين الماضيين حتى أصبحت تركيا الدولة منافسا قويا في الصناعة والزراعة والسياحة وغيرها وذلك للعديد من دول العالم المتقدم، فهي قد تجاوزت دول العالم الثاني في مجالات عديدة، لتأخذ مكانها في دول العالم الأول التي أصبحت تحتل مقاعد القيادة الكونية في عالم متعدد الأقطاب، وذلك في محاولة شرسة من دول عديدة لانتزاع القيادة القطبية الأمريكية للعالم من بين براثن أميركا ومخالبها.

تحكم الإستراتيجية التركية عوامل أساسية مهمة أولها: تاريخ تركيا الخلافة أو الإمبراطورية والذي تستمد منه تركيا قوتها الفكرية والثقافية والحضارية، مما يعد حافزا كبيرا لها لاستعادة مجدها بكل أصالته. أما العامل الثاني فهو الموقع الجغرافي المتميز والذي منح تركيا مكانة خاصة خلال الحرب الباردة ولا زال يمنحها بعدا استراتيجيا وأمنيا بل واقتصاديا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق، وهي اليوم لاعب إقليمي كبير يمتلك وزنا استراتيجيا في الإقليم بل والعالم. أما العامل الثالث فهو وجود تركيا ضمن منظومة عربية إسلامية كانت مساحتها تفوق ربع مساحة الأرض إضافة إلى ملياري مسلم وعربي ومسيحي يعيشون فوق هذه المساحة بثقافة شبه موحدة يمثلون أيضا ربع سكان المعمورة.

يبدو أن تركيا قد اكتشفت اللعبة الغربية معها وهذا أمر طبيعي في دولة تمتلك عمقا تاريخيا وحضاريا وإستراتيجيا، فالغرب يستخدم قوته الناعمة وإغراءاته الكاذبة بضم تركيا للاتحاد الأوروبي، وهكذا هي السياسة الغربية عموما فهي تناور على مدى ستة عقود ونيف معنا كفلسطينيين لحل قضيتنا العادلة وذات البعد الإنساني. والغرب يطبق نفس السياسة مع كل دولنا العربية والإسلامية في محاولة "تمغيط" الوقت قدر الإمكان بل إلى الأبد ليبقى مسيطرا على الأمة ومقدراتها وشعوبها تحت أوهام التعاون والصداقة والمساعدات والتكنولوجيا والقروض والسياحة وغيره. لقد أوصل الغرب بعض شرائح من النخبة إلى درجة الإيمان برؤيته المزدوجة وتصديقها فهو يستخدم المعايير المزدوجة والحقوق المزدوجة بل وهناك شهادات من كبار المفكرين الغربيين كتشومسكي و جارودي وغيرهم كثير، إضافة إلى كبار السياسيين مثل كيسنجر و بريجنسكي و كلنتون وغيرهم كثير فكلهم اعترفوا صراحة أن الرؤية الغربية قائمة على الازدواجية فكرا وتطبيقا مع بقية دول العالم.

هو أوان الصحو والصحوة واليقظة بل والاستيقاظ من حال السكرة إلى الفكرة، فمهما امتلك الغرب من أدوات القوة فإنه لا شك مهزوم إذا أحسنت الشعوب بقياداتها استخدام عقولها واستثمارها كموارد ذات أولوية لأن الأمم تحيا بعقولها لا ببطونها أو شهواتها.

لقد أحسنت تركيا استثمار الوقت والعقول والموارد المختلفة فلم تقبل بالرؤية الغربية في "تمغيط" الوقت لتضييعه بلا جدوى بل عملت بقوة في مجالي التعليم والبحث العلمي لخلق حالة تنمية اقتصادية حقيقية جعلت منها دولة يشار لها بالبنان بينما الغرب غارق في خداعه لها بخصوص عضويتها بالاتحاد الأوروبي وهي تشق طريقها نحو المستقبل بكل ثقة واقتدار حتى فوجئ الغرب بها ماردا اقتصاديا يقدم نموذجا إقليميا لشعوب طال سباتها نتيجة عمليات التخدير السياسي من قادتها والغرب معا.