سرعان ما تراجعت حركة فتح عن تصريح كان قد صدر قبل أقل من يومين فقط عن أحد قياداتها بأن "الحركة ستدعم وتركز على المهنية والكفاءات في القوائم التي ستشارك في الانتخابات المحلية المقبلة، وأنه لن تكون هناك أي قوائم باسم الحركة بشكل مباشر، إذ سيتم الاختيار وفقا للأهلية المهنية والأهلية الشعبية، ووفقا لما يخدم المواطن الفلسطيني".
فقد نشرت فتح بيانا أكدت فيه مشاركتها في الإنتخابات المحلية في اكتوبر القادم، بقوائم خاصة من داخل وخارج الحركة تتمتع بقبول مجتمعي، "إرتكازاً على قدرتها على الخدمة والعمل سواء كانت ضمن الكادر الفتحاوي أو اسماء اكاديمية أو شخصيات وطنية واجتماعية مقبولة، تمتاز بكفاءتها في كافة المجالات"، على حد تعبيرها.
ويعكس هذا التخبط والتراجع الفوري عن حالة التخبط الذي تعيشه فتح، والخلافات الداخلية العميقة التي تضرب أركانها الداخلية، لا سيما مع تصاعد الحديث عن الانتخابات المحلية، وإعلان عدد من المواطنين - عل اختلاف توجهاتهم- عن نيتهم الحقيقية لخوض غمار المنافسة على مقاعد المجالس البلدية والقروية في أكثر 416 موقعا بالضفة الغربية وقطاع غزة.
فقد جاء على لسان رئيس اللجنة الإعلامية في مفوضية التعبئة والتنظيم لحركة فتح منير الجاغوب قوله "إننا أمام واجب وطني واستحقاق شعبي ديمقراطي يلبي طموحات شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية، عبر رؤية نتشارك فيها على البناء والتنمية، بمستوى يليق بتضحيات ونضالات جماهيرنا الصامدة"، مشيرا إلى ان "مسؤوليتنا تجاه الشارع الفلسطيني تُحتم علينا المضي قدماً تجاه مشاركة انتخابية إنتاجية، بخطى ثابتة وإيمان عميق بسلامة برنامجنا الوطني الذي سيكون نموذجاً للمشاركة المجتمعية، نتطلع فيه بإهتمام كبير في رسم شراكة واسعة مع كل طاقات شعبنا و قطاعاته".
الجاغوب، شدد على إدراك حركة فتح لحالة التحدي التي تُواجَهْ بإيمانٍ قائم على ضرورة تغيير أنظمة العمل داخل مؤسسات الحكم المحلي، لبيت يؤمن بنهج ومفاهيم التحرر الوطني التي تعزز من ثقة وصمود شعبنا!!، وتفرض مزيداً من الثبات والشرعية الفلسطينية على أرضنا، كما إدعى.
كلام إنشائي لا قيمة له في الميدان، لكن الجاغوب -الذي طالما انتقد المقاومة وصمودها الاسطوري في غزة- ادعى أن "مسيرة وتضحيات شعبنا العريقة، هي وحدها من تضعنا في أوج مساعينا التي تعي تماماً مطلب الشارع ومساعيه عن انفراجة عبر تحقيق مطالبه، وإرادته الشعبية الكافية لإلزامنا صوب مشاركتنا في الانتخابات القادمة كضمان يحمي مشروعنا الوطني ويؤمن تطلعاته بالنجاح".
انقلاب سريع
جاء هذا التصريح بعد أقل من يومين، على تأكيد أمين سر حركة فتح في إقليم نابلس جهاد رمضان أن "الحركة ستدعم وتركز على المهنية والكفاءات في القوائم التي ستشارك في الانتخابات المحلية المقبلة"، موضحا أن الحركة متجهة إلى قوائم مهنية بالدرجة الأساسية لأن الانتخابات بنسبة كبيرة جدا هي انتخابات خدمية وليست سياسية كما يحاول البعض رفع حالة الحراك التنافس بناء عليها، مشيرا إلى أنه يجب التنافس لتقديم الخدمة الأفضل لأبناء الشعب الفلسطيني وتحقيق مصالحه والتخفيف عنه، وذلك هو المطلوب من كافة القيادات المحلية التي ستتبوأ المناصب القيادية المحلية فيما بعد.
وصرح رمضان أن الحركة قد أجرت العديد من اللقاءات الداخلية واللقاءات القيادية ليتم اختيار أشخاص وقيادات محلية تقوم بقيادة العملية الانتخابية، وذلك لتحقيق مصالح المواطن وتخفيف الضغوط عنه بسبب الظروف المعقدة التي يعاني منها، مضيفا أن الأهم هو التحدث عن اليوم الذي سيتبع العملية الانتخابية حيث ستكون المجالس البلدية والقروية على المحك وذلك يعد أمانة ومسؤولية كبيرة.
وفي السياق ذاته أكد أمين سر الحركة على انه لا توجد أية معارضة من أبناء التنظيم على أن يكون المرشح ليس من الحركة، حيث أن حركة فتح هي حركة الكل الفلسطيني وهي منفتحة على كافة مكونات وقطاعات الشعب الفلسطيني، مؤكدا أن الكادر التنظيمي للحركة يتمتع بالوعي والنضوج.
وذهب الرجل إلى أبعد من ذلك بإعلانه عن إمكانية التوافق وإيجاد تحالفات بين القوائم وإجراء حوارات داخلية، وصولا إلى مجالس بلدية تعبر عن الكل الفلسطيني.
وبخصوص نابلس أعرب رمضان عن آمله أن يحقق المجلس القادم مزيدا من التقدم والازدهار، وأن يمنع أي أزمة قد تعصف بمدينة نابلس.
عباس ودحلان
إذا كان هذا الحال في الضفة، فهو في قطاع غزة، أشد وأصعب. إذ أن التنظيم يعيش حالة من القلق الشديد، فيما يتم استنفار كل الجهود والإمكانيات والوساطات للتوافق على قوائم للحركة تضم عناصر من التيار المؤيد للقيادي المفصول من الحركة النائب محمد دحلان، والملتزمين بقرارات الرئيس محمود عباس، إلى درجة وقوع اشتباكات بين الطرفين في كل لقاء تعقده الحركة في القطاع، يؤدي إلى إصابات في صفوفهم، كما جرى في خانيونس مؤخرا.
وتقول مصادر مطلعة إن الخلافات تتركز بالتحديد على الأسماء المقترحة لتصدر رؤوس القوائم في الهيئات المحلية، ففي حين يحاول أنصار عباس وضع شخصيات موالية له، يضغط أنصار تيار دحلان باتجاه اختيار شخصيات محسوبة على الأخير.
وكان دحلان قد نشر مقطع فيديو قبل عدة أيام أكد فيه انه سيدعم قوائم حركة فتح في الانتخابات المحلية الفلسطينية القادمة التي تتوفر فيها المهنية والكفاءة والاحتراف لخدمة ابناء الشعب الفلسطيني، على حد زعمه، قائلا "سنلتزم بقوائم الحركة ما دامت قائمة على المشاركة الفتحاوية من الكادر في اختيار من يمثلهم من الكفاءات الوطنية وليست قوائم سياسية تهبط عليهم دون اعتبار للكفاءات او التخصص".
وأكد دحلان أنه "سيستخدم كل قوته وامكانياته لدعم قوائم الحركة المهنية التي تخدم الجمهور الفلسطيني في فرصة تاريخية لاستعادة الحركة وحدتها وكرامتها التي غابت عنه لأسباب كثيرة"، كما قال.
لا للقسمة
غير أن القيادي في الحركة في غزة فايز أبو عيطة، شدد على وحدتها، مؤكدا أنها "ستخوض الانتخابات المحلية القادمة بقائمة واحدة لا تقبل القسمة بتاتاً، وستحقق نتائج إيجابية تعبر تعبيراً حقيقياً عن شعبيتها ومكانتها في صفوف الجماهير".
وحول الاستعدادات من الحركة لتحمل أعباء البلديات في القطاع، أوضح أبو عيطة، أن "حركة فتح هي حركة رائدة، وقادت شعبنا لسنوات طويلة قدمت خلالها الكثير لشعبها وهي على استعداد لتقدم الكثير لشعبنا"، كما يدعي.
وتابع أبو عيطة أن "البلديات من مهامها تقديم الخدمات الجيدة للمواطن، وأن حركة فتح أثبتت في مراحل سابقة أنها الأقدر على تقديم الخدمة للوطن والمواطن، ولذلك ستعتمد الحركة على قائمة موحدة ستضم فيها شخصيات ذات كفاءة من المهنيين والأكاديميين والمختصين في مثل أعمال البلديات وما تقدمه من خدمات".
ولفت أبو عيطة، إلى أن "الحركة لها قوائمها الخاصة، ومنفتحة على كل الخيارات بما فيها بعض التحالفات في بعض المناطق بحسب ظروف وطبيعة كل بلدية".
وسيكون صندوق الاقتراع هو الفيصل في تحديد موقف الشارع من فصائله، وممن ينتخبه ليكون مؤتمنا على المجالس البلدية والقروية، ويأمل منه أن يقدم له أفضل الخدمات المرجوة في مختلف المجالات الخدماتية.