قبل 6 أشهر تقريبا، قُتل الشاب أحمد البيعة داخل السوق الشرقي للبلدة القديمة بنابلس، بعد أن تدخل لصالح عائلة "حمامة" في خلافها مع عائلة "حلاوة".. لم تفلح كل محاولات الصلح بينهما، وتوتر الوضع أكثر مع إصرار السلطة على اعتقال عدد من المسلحين من عائلة حلاوة تحصنوا في بيوتهم في منطقة تعرف بـ"درج العقبة"، خلف المسجد الصلاحي بنابلس.
بعد مقتل عنصرين من الأمن في منطقة الضاحية بنابلس يوم 30-6-2016، قررت السلطة إنهاء تواجد المسلحين وجمع السلاح التي تصفه بـ “غير الشرعي"، ومن ضمن الملاحقين كان أبناء عائلة حلاوة.
توصلت أطراف عدة لحل يقضي بأن يسلم خمسة من العائلة أنفسهم للسلطة، على أن يتم الافراج عنهم حال ثبت عدم صلتهم بمقتل الشاب البيعة.
المصادر الأمنية التي تحدث إليها مراسل "فلسطين الآن" عبر الهاتف، أبلغته أن المعتقلين كشفوا عن أماكن تواجد السلاح في منطقتهم، وبناء عليه تحركت قوة شرطية من ضمنهم شرطيتين، نحو درج العقبة عصر الخميس 18-8 لتفتيش بعض المنازل، ومعها قوة إسناد من عناصر من الشرطة الخاصة والأمن الوطني، وما إن وصلت للمكان حتى بادرهم قناصون بإطلاق الرصاص، ما أدى لمقتل اثنين من عناصر الأمن، بعد إصابتهم بالرأس والصدر.
المصادر أكدت أنه لم تكن هناك نية للقوة الأمنية للاشتباك مع أحد، ووجود قوة إسناد مسلحة أمر طبيعي في كل المهام الأمنية. لكنهم تعرضوا للغدر من المسلحين الذين باغتوهم دون سابق إنذار بالرصاص وقتلوهم.
لكن، هل كانت هناك مؤشرات عن أحداث سابقة في المكان، دفعت تجاه تواجد مسلحين فوق الأسطح المرتفعة؟
شهود عيان أشاروا إلى أن شبانا وفتية حاولوا إجبار أصحاب المحال التجارية وباعة الخضار في السوق الشرقي على إغلاقها، بعد إشعال إطارات مطاطية ورشق حجارة على بعضهم، بعد أن تواردت أنباء عن تعرض بعض المعتقلين لدى السلطة لحالات تعذيب ونقل بعضهم للمستشفى. إضافة إلى إنتهاء المهلة للافراج عنهم خاصة من ثبت عدم علاقتهم بالأحداث المؤسفة التي وقعت سابقا.
حينها حاولت قوة من الشرطة الدخول عبر حارة الشيخ مسلم نحو شارع المحكمة الشرعية ومنها للسوق الشرقي لوقف تلك الاعتداءات، ما دفع ببعض المسلحين لأخذ مواقعهم والاستعداد لأي مواجهة محتملة مع السلطة.
تزامن هذا مع دخول القوة الشرطية مع قوة الاسناد من محور أخر للمنطقة ذاتها لتنفيذ مذكرة تفتيش منازل تعود لعائلات حلاوة وغيرها، فأطلق المسلحون الرصاص عليهم وقتلوا اثنين.
المصدر الأمني نفى وجود أي تفاهم أو اتفاق للافراج عن المعتقلين، مشيرا إلى أن هذه مهمة القضاء وليس الأجهزة الأمنية، لكنه كشف أن المعتقلين ما يزالون في مرحلة التحقيق ولم يتم تحويل ملفاتهم إلى القضاء.
كما نفى علمه بحدوث حالات تعذيب أو نقل بعض المعتقلين من عائلة حلاوة إلى المستشفى، قائلا "لا ننكر في التحقيق قد يكون هناك بعض الممارسات للضغط على المعتقلين، وقد يتعرض أحدهم للكم أو ضرب على الوجه، ولكن ليس هناك تعذيب ممنهج، وإثارة هذه المعلومات سببها حرف مسار التحقيق وخلق حالة من الغضب والاحتقان، ويبدو أن مروجيها نجحوا في ذلك".
حماية من السلطة
وهناك حسب المعلومات ملفات متراكمة لها علاقة بعمليات قتل واطلاق الرصاص وحرق الممتلكات وتجارة السلاح والمخدرات، يتخذ أصحابها من بعض المناطق السكنية المكتظة مثل المخيمات والبلدة القدينة بنابلس ملجأ لهم، ما يصعب على قوات الأمن الوصول إليهم.
لكن الأخطر حسب المتابعين يمكن في نقطتين. الأولى: أن الغالبية العظمى من هؤلاء إما أنهم عناصر أجهزة أمنية ما يعني امتلاكهم للسلاح وتمتعهم بعلاقات قوية مع أصحاب النفوذ، الذين قد يوفرون لهم حماية وغطاء من الملاحقة. أو أنهم من المحسوبين على حركة فتح التي أيضا وبسبب صراعات داخلية لم تستطع التبرأ منهم والمساعدة في اعتقالهم.
والنقطة الثانية، تراخي الأجهزة الأمنية طيلة سنوات عن تجاوزات خطيرة لأولئك، ما شجعهم على التمادي وارتكاب المزيد من الجرائم، حتى وصل بهم الأمر إلى رفض الانصياع للأوامر التي تصدر إليهم من قيادتهم الأمنية في الجهاز الذي يعملون به أو أنهم محسوبين عليهم، أو من قيادتهم التنظيمية (حركة فتح).
تدريجيا، وجدت في نابلس مثل غيرها من المناطق مجموعات من المجرمين والمطلوبين للعدالة يتمتعون بنفوذ كبير جدا، وشبكة علاقات متينة مع أمثالهم في المدن الأخرى، ودخلوا على خط تجارة السلاح العلنية والمخدرات، ولم يعد أحد يقوى على الوقوف في وجوههم، حتى أنهم في بعض الأحيان تفوقوا على أنفسهم وعلى السلطة والحكومة بفرضهم لأجندتهم رغما عن الجميع، إذ كانت السلطة تنقل أي مسئول أمني أو حتى إداري (بمن فيهم محافظون) حال اصطدم بهم وحاول مقارعتهم.. وما جرى في طولكرم ونابلس من إقالة أو إنهاء مهام بعض كبار المسئولين إلا خير دليل على ذلك.
من أين جاءوا إذن؟
هذا ما يجيب عليه بعض المطلعين على خبايا الأمور.
يقول أحدهم "جزء من هؤلاء الزعران هو إرث ثقيل على فتح والسلطة والأجهزة الأمنية. فبعضهم كان من المحسوبين على كتائب شهداء الأقصى خلال الانتفاضة الثانية. وانخرطوا في حالات الفوضى والفلتان غير المسبوقة التي عاشتها نابلس ككثير من مدن الوطن، خاصة بين أعوام 2005-2010. وهذه مدة طويلة، إزداد فيها نفوذتهم وسطوتهم، وباتوا بسبب اعمال العربدة ممن يحسب لهم حساب إذ يملكون المال والسلاح.
يتابع "مع انقسام فتح وخاصة بعد المؤتمر السادس في بيت لحم 2008، وظهور تيارات عدة بداخلها. حاول كل تيار أن يجمع حوله عددا من الزعران ليكونوا يده الضاربة. لكن هذا الأمر تعزز مع فصل دحلان من فتح، ما جعله يدعم مجموعات كبيرة من المسلحين ويمدهم بالسلاح والمال ويقوي من نفوذهم، وهذا في بعض الأوقات كان يتم بعلم السلطة. إذ كانت تصل الحوالات المالية للبنوك تحت سمع ونظر سلطة النقد والأجهزة الأمنية التي لم تحرك ساكنا إلا ما ندر".
لكن ما الذي غيّر موقف السلطة منهم!!
هنا ينطبق المثل القائل "وصل البلل للحى".. بمعنى أن فتح وقادتها المتصارعون والأجهزة الأمنية ذاقوا الويلات من المجموعات المسلحة المنفلتة. إذ لم يعد "الزعران" يكتفون بالاعتداء على المواطنين وأخذ الخاوات منهم، وحرق البيوت والمحال التجارية والسيارات ممن يرفض التجاوب معهم، بل أنهم تجرأوا على من يدعمهم، وخاصة المتنفذين في الأجهزة الأمنية، وعلى العناصر التي تحاول الوصول إليهم واعتقالهم.
خير دليل على ذلك مقتل 5 من عناصر أمن السلطة في نابلس خلال أقل من 50 يوم.
ففي 30-6 الماضي، قتل اثنان في منطقة الضاحية هما عنان طبوق من المخابرات وعدي الصيفي من الأمن الوطني على يد ضابط سابق هو صبري الكردي معه مجموعة أخرى، اعتقلوا جميعا.
ويوم 9-8 لقي علاء نجمي من مخيم بلاطة وهو عنصر في جهاز الاستخبارات مصرعه بعد اطلاق الرصاص عليه، من أحد الأشخاص على خلفية شجار عائلي.
في حين لقي شبلي بني شمسة من بلدة بيتا جنوبي نابلس وهو من مرتبات الشرطة الخاصة، ومحمود الطرايرة من بلدة بني نعيم في الخليل وهو من عناصر الأمن الوطني مصرعهم برصاص مسلحين عصر الخميس 18-8-2016.
الدم يجر دما
وهو ما جرى في الفعل فجر الجمعة 19- حينما أعلنت الأجهزة الأمنية عن قتلها لشابين إدعت أنهم من المطلوبين لها في اشتباك في البلدة القديمة بنابلس، هما خالد عبد الناصر الأغبر وفراس حلاوة، وتم ضبط ثلاث قطع سلاح بحوزتهما (ام 16)، وفق بيان السلطة.
غير أن عائلة الأغبر وناشطون اتهموا السلطة بتصفيته حيا بعد اعتقاله.
وفي بيان وصل "فلسطين الآن" قالت العائلة: "سمعنا الرواية الرسمية للناطق باسم الأجهزة الأمنية عن حادث قتل ابننا خالد، وأن هناك تناقضا في روايات الأجهزة الأمنية وشهود العيان حول طبيعة حادثة القتل".
وأشار بيان العائلة إلى أن القتيل خالد أسير محرر من سجون الاحتلال بعد قضاء مدة سنتين، وهو ليس مطلوبا أمنيا للأجهزة الأمنية بقضايا تمس القانون الأمني وإنما عليه قضية حق عام منذ 5 سنوات.
وجاء في البيان "لدينا روايات وشهود عيان يؤكدون أن ابننا تم اعتقاله حيا والسير به من حارة الفقوس إلى حارة الشيخ مسلم، ثم بعد ذلك تم تصفيته حيا".
وعليه طالب البيان بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة وفورية لإظهار الحق والحقيقة، وبتشريح جثمان القتيل لبيان طريقة الوفاة، مؤكدا على سيادة القانون والأمن والأمان في محافظة نابلس وجميع محافظات الوطن ومحاربة الفلتان الأمني.