في العاشر من حزيران الماضي، تواردت الأنباء عن إطلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي النار على شاب قرب حاجز "عورتا" جنوبي نابلس.. بزعم محاولته تنفيذ عملية طعن للجنود المتواجدين هناك.
خبر كغيره من الأخبار المشابهة، في ظل تساهل الاحتلال في إطلاق الرصاص على الفلسطينيين وقتلهم دون سبب.. إذ تبقى الراوية الإسرائيلية هي المصدر الوحيد للحادث، خاصة عندما يقع في منطقة تحت السيطرة الاحتلالية الكاملة.
سويعات حتى تأكد أن الشاب حسن القاضي، ابن السادسة والعشرين ربيعا، من قرية عورتا هو المستهدف، إذ أصيب بعدة رصاصات في الظهر والعمود الفقري والقدم.. وتدريجيا بدأت الرواية الحقيقة للحادث تظهر، لتؤكد زيف وكذب الاحتلال، الذي حاول إعدام شاب لم يتسبب بأي أذى للجنود المدججين بالسلاح، خاصة أنه من ذوي الاحتياجات الخاصة.
"فصام مزمن"
مراسل "فلسطين الآن"، تواصل مع عائلة القاضي، ونقل عنهم حقيقة ما جرى مع نجلهم، الذي يعاني من مرض نفسي، "فصام مزمن"، ولا يدرك أو يعي ما يدور حوله.
يقول والده "قبل أكثر من 15 سنة، أصيب حسن بانتكاسة صحية مفاجئة، إذ تبين أنه مريض بحالة نفسية، وخضع للعلاج الطويل في مستشفيات في نابلس وبيت لحم، ويتناول مجموعة من الأدوية بشكل يومي.. ومع انه اليوم في الـ26 من عمره، لكن عمره العقلي لا يزيد عن 9 سنوات، بحسب تقديرات الأطباء".
ويتابع -وهو يحدق بصوره التي تزين غرفة الجلوس- "إذن هو طفل في التاسعة، بمعنى أنه يتصرف ببراءة الأطفال، ولا يدرك بالغالب المخاطر التي تحيق به".
ويهوى حسن ركوب الدراجة الهوائية، ويذهب بها إلى أحياء القرية المختلفة، ويتعامل معه الأهالي والجيران بكل حب واحترام، فهو غير مؤذ وبسيط وودود.. وفي بعض الأحيان كان يذهب بالدراجة بعيدا، وفي غير مرة أعاده أشقاءه وبعض الجيران الذين يعرفونه من مناطق بعيدة خارج القرية.
كما تعرض العام الماضي لاعتداء بالضرب المبرح من عدد من المستوطنين قرب قرية "بورين" المجاورة، وكاد يفقد حياته جراء إصابته الخطيرة.
يوم الحادثة
صباح العاشر من حزيران، قادته الأقدار إلى المنطقة الشمالية لعورتا، وفي نهايتها يوجد حاجز لجيش الاحتلال الإسرائيلي يعرف بـ"معبر عورتا".
يقول شقيقه مشير "عرفنا لاحقا من بعض السائقين أن حسن اقترب من الجنود، فبادروه بالرصاص فوقع عن الدراجة وبدأ يصيح من شدة الألم... وعندما حضر ضابط إسرائيلي من الإدارة المدنية، وكان يعرف بحالة القاضي النفسية، قدم له علاجا أوليا، ومن ثم نُقل بسيارة إسعاف تتبع للجيش إلى مشفى في الداخل المحتل".
يعرض مشير أمامنا أوراقا صادرة عن جهات طبية فلسطينية تشرح الحالة المرضية لحسن.
يقول "سبق أن وصل للحاجز أكثر من مرة في السابق، ولأنه بعمر الأطفال وبسيط، لم يكن يدرك خطورة جيش الاحتلال.. حتى أن بعض الجنود يعرفونه فلم يتعرضون له.. ويتصلون بالضابط الذي بدوره يتصل علينا لنأتي ونبعده عنهم".
يضيف مشير نقلا عن بعض شهود العيان أن حسن في ذلك اليوم اقترب كثيرا من الجنود، ويبدو أن بعضهم كان جديدا ولا يعرفونه، فأطلقوا عليه الرصاص، وعندما وجدوه يبكي ويطلب أمه شعروا أنه غير طبيعي، فأسعفوه.
اعتقال وحراسة
لكن رغم كل ذلك، لم تشفع حسن ولا التقارير الطبية في إنقاذه من براثن الاحتلال. فقد نقل لمستشفى "بلنسون" في الداخل المحتل، وخضع لعدة عمليات، ولكن وضعت عليه حراسة مشددة، جنديان في الخارج وثالث معه في الغرفة لا يفارقه، كما أنه مقيد بيديه وقدميه، ولا يسمح لأحد بزيارته.
ولاحقا أصبح يعتمد على أكياس للإخراج، ولا يتنقل إلا على كرسي متحرك، وسط مخاوف من عائلته أن يكون قد أصبح معاقا، خاصة أن رصاصة أصابته بقرب العمود الفقري.
والدته وبعد جهد طويل، تمكنت من زيارته بعد التنسيق مع الصليب الأحمر، فلم تعرفه من سوء حالته.. تقول "بعد أسبوع على الحادثة، زرته في المستشفى.. كان في حالة سيئة جدا .. كان يبكي كالصغار طوال الوقت، وعرفت منه أن الحارس ضربه أكثر من مرة، لأنه كان يبكي ويطلب أن أكون معه وكان يردد "بدي أمي، بدي أمي".
تتابع "اليوم حسن في مستشفى سجن "الرملة"، يعاني الأمرين، نظرا لإصاباته البالغة من جهة، وحالته النفسية وعدم قدرته على التواصل مع من حوله من جهة أخرى".
وتقول "حسن بحاجة لمعاملة خاصة جدا، وإلى تناول الدواء بشكل يومي، وإلا فإن من حوله سيجدون صعوبة بالغة في التأقلم معه".
وكانت تأمل العائلة أن ينظر القاضي الإسرائيلي إلى حالته بعين العطف، وأن يفرج عنه، لكنهم فوجئوا بإصدار حكم بحقه لستة أشهر، تنتهي في ديسمبر - كانون أول القادم.
وتختم والدته بمناشدة المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية لمساعدتهم في الضغط على الاحتلال للإفراج عن حسن حتى يعود لحضن عائلته لتعوضه عن العذاب الذي مر به جراء إصابته واعتقاله، وكذلك حتى تستطيع أن تعالجه قبل فوات الأوان.