17.86°القدس
17.56°رام الله
17.21°الخليل
24.84°غزة
17.86° القدس
رام الله17.56°
الخليل17.21°
غزة24.84°
الإثنين 07 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

مثال على حقيقة كبرى

لمى خاطر
لمى خاطر
لمى خاطر

مهزلة؛ هي الكلمة التي تمثّل أقل ما يمكن أن توصف به تداعيات إعلان الانتخابات البلدية في الضفة وغزة، وما رافقها من شغب أمني وقضائي، وما انتهت إليه من قرار حكومي بتأجيلها.

لستُ هنا في معرض الحديث عن تسييس القضاء أو توظيفه لخدمة سياسات السلطة وبما يتيح لها أن تخرق القانون وتتجاوز الشرعيات، فهذا أمر بات من البديهيات في الحالة الفلسطينية، ولن يجدي شيئاً حشد البراهين لتبيان العوار القانوني في إقحام القضاء في هذه المهزلة، وكذلك الحديث عن التناقضات المهولة في خطاب السلطة وتسويغها لمجمل إجراءاتها.

إنما الذي يبدو مهماً الآن ما يمكن استخلاصه من هذه التجربة غير المكتملة، رغم أن كثيرين توقعوا مآلاتها، وخصوصاً منذ أن قررت حماس المشاركة في هذه الانتخابات، وذلك خلافاً للتوقعات الفتحاوية التي سبقت الإعلان عن إجرائها.

وبداية لا نبالغ إن قلنا إنّ سياسات السلطة لا تقرّرها هي أو على الأقل لا تنفرد وحدها بتقريرها، ومع أن بعض سياسييها كانوا صريحين حين قالوا إن قرار الانتخابات جاء بضغط من الاتحاد الأوروبي الذي يموّل مشاريع كثير من البلديات في الضفة، وأنه معنيّ بتمويل مجالس منتخبة، لكن النصف الآخر من الحقيقة هو أن لإسرائيل رأياً وقراراً أو دوراً فيما يتعلق بهذه السياسات، فقد حذّرت بداية من النتائج التي قد تفرزها مشاركة حماس في الانتخابات، ثم رأيناها تتدخل بنفسها في مجرياتها حين حملت عن أجهزة السلطة الأمنية جانباً من حِمْل تهديد القوائم التي لا توافق هواها، واستدعت أو اعتقلت بعض المرشحين، وهدّدت آخرين بالاعتقال في حال أصرّوا على المواصلة ومنافسة حزب السلطة في المواقع الانتخابية المهمة.

التدخل الإسرائيلي ليس منعزلاً عن تدخل قوى عربية في هذا المشهد وخصوصاً أنظمة الثورة المضادة، لكن القاسم المشترك بين كل هذه الأطراف هو إدراكهم لخطورة أن تعود حماس لتحوز على شرعية تفرزها صناديق الاقتراع، ليس فقط لخشيتهم من الدور الذي ستبقى حماس تلعبه في الحياة المدنية، بل لإدراكهم بأن تلك الشرعية المكتسبة ستنسحب على خيارها أي مشروعها المقاوم، وهو الذي ما زال يكبر وسط بيئة طاردة ومحاربة له على جميع الأصعدة. ومن جهة أخرى فقد تأكد لهذه القوى، ولا سيما بعد فشل محاولة الانقلاب في تركيا، مدى صعوبة استئصال تيار أو جهة تحظى بشرعية صندوق الاقتراع، لأنها شرعية لها امتدادها الشعبي وتأصيلها الدستوري، ولن يكون سهلاً تجاوزها ومحاصرة امتداداتها أو استئصالها بعملية جراحية.

ولذلك سيظل مهماً الانتباه إلى أنه ما عاد مسموحاً في عرف هذه القوى أن تشارك حماس في انتخابات تعيدها إلى صدارة المشهد السياسي، حتى لو على نطاق الانتخابات البلدية، وأنه سيتم التغاضي عن مشاركة حماس فقط عندما يبدو مؤكداً لإسرائيل والسلطة وعواصم الثورة المضادة بأنها مشاركة ستخرجها من البوابة التي دخلت منها ومنحتها تلك الشرعية السياسية سابقا. وهذا أمر ينسحب على موضوع الانتخابات التشريعية ويفسّر كذلك الاستمرار في تعطيل المجلس المنتخب منذ عشر سنوات، كما يؤكد عبثية الذهاب لانتخابات جديدة في ظل الواقع الحالي الذي لم يتغيّر فيه شيء، سواء على صعيد النهج الإقصائي لحركة فتح والسلطة أم على صعيد عدم الاستعداد لتقديم ضمانات باحترام النتيجة.

إن عملية انتخابية تفصّل على مقاس حزب السلطة، ولا يُسمح بها إلا في حال التأكد من أنها ستؤدي إلى تفويز حركة فتح دون سواها، هي عملية بلطجة كبيرة بمسمى برّاق هو العملية الديمقراطية، وسيفعل كثيرون خيراً لأنفسهم وللقضية الفلسطينية عموماً إن كفوا عن اجترار شعارات المشاركة والتوافق كيفما اتفق، ووفّروا جهدهم لاستخلاص رؤى جديدة تتيح التعامل مع الواقع كما هو حقيقة وليس كما يتمّ تخيّله، أي ببشاعته وقصوره وجوانب خلله الجوهرية، لأن هناك من لا يزال يظن بأن الشعارات تتحول إلى حقائق بمجرّد ترديدها في الأحاديث الإعلامية والمؤتمرات والكتابات، فيما يجري إغفال العوامل الأساسية التي تتحكم في المشهد وتقرر بشأنه.

بمعنى آخر، لا بدّ من الكفّ عن الاعتقاد بأن مشكلة القضية الفلسطينية هي الانقسام، وأن تأخير إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية يفاقم الأزمة، لأن الانقسام نتيجة وليس سببا، أما الانتخابات فهي في فلسطين وتحت الاحتلال أكذوبة كبرى ولن تتوفر لها ظروف تنافس متكافئة ولا إمكانية للاستثمار فيها، وخصوصاً بعد أن وعت الأطراف المعادية للمقاومة دروس الانتخابات السابقة التي لم تحقق مرادها، ولم تؤدّ إلى تدجين مشروع المقاومة في فلسطين أو قصّ أجنحته.

لذلك كلّه يبدو الآن أن ثمة قضايا كثيرة داخل المشهد الفلسطيني أولى بالاستثمار وبأن تشغل حيّز ومجال تفكير المخلصين فيها، بدلاً من الاستمرار في التعويل على توافقات عرجاء ومبادرات زائفة منشؤها الفراغ وخطأ التصورات فيما يخص الإشكاليات القائمة ومداخل علاجها.