18.29°القدس
18.16°رام الله
18.01°الخليل
24.74°غزة
18.29° القدس
رام الله18.16°
الخليل18.01°
غزة24.74°
الإثنين 07 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

قانون جاستا المرحلة الثانية من الحرب الكونية الرابعة

محمد رمضان الأغا
محمد رمضان الأغا
محمد رمضان الأغا

يكاد يتفق مؤرخو القرن العشرين على تسمية "الحرب الباردة" بالحرب العالمية الثالثة؛ كون قوة عظمى هي الاتحاد السوفيتي السابق انهارت انهيارا مروعا فاجأ كل استخبارات الكون باعتراف كبرى الاستخبارات العالمية أنها لم تكن تملك من المعلومات ما يشير إلى أن الاتحاد السوفيتي سيكون في خبر كان خلال سنوات أو شهور أو أيام، مما جعل المحللين الاستراتيجيين والمؤرخين المخضرمين يعودون القهقرى إلى دفاتر التاريخ ليقرؤوا مرة أخرى كيف؟ ومتى؟ ولماذا تنهار الإمبراطوريات الكبرى؟ قالت دفاترهم بهدوء وصدق أن الانهيار الإمبراطوري له ثلاثة أسباب رئيسة: أولها تمدد الإمبراطوريات إلى خارج حدودها إلى درجة لا تمكنها من السيطرة على شعوب غريبة عنها فكرا وثقافة وسلوكا؛ وثانيها استنزاف اقتصادي ومالي لدرجة الإفلاس تكون له انعكاسات اجتماعية أخطر؛ وثالثها استنزاف عسكري تصبح الصناديق السوداء المحملة بجثث القتلى هي أغلب ما يدخل مطارات الدول العظمى إذا ما حل الظلام وحتى لا تراها الشعوب مما له أيضا انعكاسات اجتماعية أكثر خطورة.

نتفق إذا أن الانهيارات الإمبراطورية تكون في أغلبها لأسباب اقتصادية اجتماعية ناشئة عن طموحات سياسية وتدخلات عسكرية للدول الكبرى حينما تسيطر عليها شهوة السياسة فتقودها نحو شهوة القتل. وشهوة القتل هي أخطر الشهوات التي تسرع في الانهيار للدول والحكومات كونها ظلما بواحا يجري جهارا نهارا؛ كون الظلم يعني تجاوزا لكل الخطوط الحمراء التي تقوم عليها حركة وجود الإنسان على هذه الأرض.

أقر الكونجرس الأمريكي بمجلسيه قبل ايام وبأغلبية عظمى، القانون الذي أسموه (العدالة ضد رعاة الإرهاب) وذلك بعد أن استخدم باراك أوباما حق النقض مما أثار الكونجرس فنقض المنقوض وأسقط نقض الرئيس الذي كان يمثل آخر خطوط الدفاع أمام الإدارة في صراعها مع السلطة التشريعية. مما جعل القانون نافذا من لحظتها وقد بدأ بعض المتضررين من أحداث 11 سبتمبر في رفع قضايا على السعودية في المحاكم الأمريكية طالبين التعويضات من المملكة؛ وتقدر أميركا خسائر 11 سبتمبر بحوالي ثلاثة تريليونات دولار أميركي. علما أن الاستثمارات السعودية في أميركا تصل إلى حوالي 750 مليار دولار شاملة سندات الخزينة.

في مقاله المشهور والمنشور في 2006 بعنوان "حدود الدم" يقول الجنرال الأميركي المتقاعد رالف بيترز في مجلة القوات المسلحة الأميركية: إن تقسيم المنطقة هو الحل الأمثل لاتقاء شرورها غير المرئية والمتوقعة خلال القرن الـ21. من ضمن تقسيمات المنطقة يتحدث الكاتب عن تقسيم المملكة السعودية إلى ثلاث دول دولة سنية وأخرى شيعية وثالثة دينية مثل "الفاتيكان" للمسيحيين وتشمل مكة والمدينة. وهناك أيضا تقسيمات مشابهة لكثير من الدول كالعراق وسورية واليمن ومصر وغيرها من الدول العربية والإسلامية. وذلك في ظل حالة استقطاب مثيرة تنتشر في المنطقة ربما لم يسبق لها مثيل ومن السهولة بمكان أن تشتعل في أي وقت بل ربما يستمر اشتعالها فترات تفوق المتوقع وهو الأمر الذي يخدم الأعداء ويبدد موارد الأمة في مختلف المجالات.

برغم كل التطمينات التي يتحدث عنها محللون وسياسيون وقانونيون اليوم وبعد إقرار القانون (جاستا)؛ بصعوبة تطبيق القانون وإنفاذه؛ إلا أن الواقع يقول إنهم قد بدؤوا فعلا في التنفيذ وهو أمر في غاية الخطورة ليس فقط على المملكة بل أيضا على كل دول المنطقة ودول اخرى محيطة. إن هذا يعرض ثروات المملكة والمنطقة ايضا للنهب لعشرات السنين بدعوى تعويضات 11 سبتمبر والأشخاص أو المؤسسات الذين تضرروا جراء هذا العمل. لكن السعودية اليوم في ورطة كبرى وعليها أن تعيد النظر في حساباتها السياسية والاستراتيجية وكذلك علاقاتها الإقليمية وإعادة التموضع وتشكيل تحالفات جديدة مع الفاعلين من الدول وغير الدول والالتصاق أكثر بالبعد الجماهيري في الأمة والاقتراب من حس الشعوب وإعادة النظر في سياساتها الداخلية وذلك للحفاظ على كيانها كدولة إقليمية ذات وزن. لا شك أن الأمريكان قد يفعلون ذلك فهم كالوحش في البرية ولن يكلفهم ذلك كثيرا طالما أن الموضوع قانوني وفي إطار يحمي الدولة وصانع القرار معا من أي ملاحقات قانونية.

وإذا كانت الحرب العالمية الثالثة قد انتهت بانتصار الولايات المتحدة كقوة عظمى على الاتحاد السوفيتي السابق فيما كان يسمى يومها بالحرب الباردة؛ فإن الشكل الجديد للحرب التي تشنها أميركا اليوم على دول مختلفة لكن ساحتها الرئيسة هي بلادنا العربية والإسلامية قد يختلف عن أشكال الحروب السابقة فهي حرب بالقانون وتختلف بلا شك عن حرب العراق التي خاضتها بالعربدة. صحيح الدول الكبرى ليست بحاجة إلى مبررات لشن حربها على الدول الصغرى فهي تختلق المبررات أو حتى بدون مبررات فلن يحاسبها أحد داخليا أو خارجيا. وليس بخافٍ على أحد أن المعارك الطاحنة التي تدور رحاها اليوم في المنطقة إنما هي الحرب العالمية الرابعة فمعظم الدول الكبرى ذات المصالح منخرطة سرا أو علنا فيها متجاوزة عالم الجغرافيا وعالم الأخلاق والقيم إلى عالم السياسة والمعروف انه بلا قيم. وإذا كانت معظم الحروب الكونية يتبعها تقسيم ساحات المناطق المشتعلة إلى دول جديدة كما في الحروب السابقة؛ حتى الحرب الباردة نشأ عنها دول جديدة هي دول ما يسمى بالاتحاد السوفيتي السابق والتي انسلخت عنها لحظة انهياره .

الجميع اليوم تجاوز مرحلة الحديث عن التقسيم الى الانخراط الفعلي فيه. وكما تقول الحكمة المشهورة "السعيد من اتعظ من غيره والشقي من اتعظ من نفسه". لا يزال في الجيب بعض من حكمة قد تستثمرها الأمة في رد كيد التتار الجدد وهم يزحفون ويأكلون الأخضر واليابس بل يجففون منابع الغيث والماء في النيل والفرات وما بينهما في هجمة لم تتعرض الأمة إلى أسوأ منها على مدار تاريخها. فالأمة يجري حصارها من جهاتها الأربعة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا حتى سد النهضة في أدغال أفريقيا.

لم يعد خافيا على أحد الخطر الذي يستشعره الغرب على ذاته من صحوة أمة المليار ونيف تريد أن يكون لها كلمة في الحياة لا أن تبقى مفعولا بها طوال قرن من الزمن منذ سايكس بيكو وحتى اليوم. إن القرار الغربي قد تم اتخاذه منذ سنوات بتغيير فلسفة الاحتلال من احتلال جغرافي إلى احتلال زماني، فاحتلال القرن الـ21 هو ما يجري على قدم وساق منذ فترة أمام ناظرينا. وأفضل طرق احتلال القرن القادم بالنسبة للغرب هو احتلال العقل واحتلال الإنسان يتم احتلال الزمان والمكان معا. إضافة إلى دخول الجيل الرابع من الحروب الذي يعني أن تستخدم الدول الكبرى قفازات قذرة من البلاد نفسها للقتل والتدمير حتى درجة الإنهاك ومن ثم الاستسلام للإمبراطور إياه.