قالوا: زَمَانُكَ؟ قلتُ ليسَ زَمانِي *** كلاَّ، ولا هذا المكانُ مكانِي
لَمْ تعرفِ الأقمارُ يوماً مَوْطناً *** لِيَكُفَّ أَقْدَمُهَا عَنِ الدَّوَرَانِ
فَامْلأْ فُؤَادي بِالنّشيجِ فَإِنّهُ *** سُلْوانُ مَنْ يشكو مِنَ السُّلوانِ
فأنا أقاسي غُربَةً في موطني *** وطني لهم، وأنا بِلا أَوْطَانِ
وأنا وَحَقِّكَ ليس لي مِنْ عَاشِقٍ *** إلاّكَ يا وطني فَلُذْ بِكِيَاني
يا موطني .. يا موطني .. يا موطني .. *** شجنٌ على شجنٍ على أشجانِ
(إنّي أُحِبُّكَ) كلّما ردّدتُها *** جَرَتِ الحروفُ نَدِيَّةً بِلِسَاني
قبّلْتُ وجهكَ يا طهورَ ترابِهِ *** وَضَمَمْتُه كالعاشق الولهانِ
وَفَدَيْتُ أُرْدُنَّ الهوى وَهَوَيْتُهُ *** حَتَّى هَوَى الأُرْدُنِّ قَدْ أَرْدَانِي
أرثيكَ ؟! أم أرثي الذين تحوّلوا *** في الناسِ أمواتاً بلا أكفانِ
هم ضَيَّعُوكَ وَضَيَّعُوا أَحْلامَنا *** ونَمَوْا على زَمَنٍ مِنَ الخُذْلانِ
لم يعرفوكَ بغيرِ ما سلبوكَ *** فَامْنَحْنِي إذاً شيئاً مِنَ الهَذَيَانِ
سرقوكَ لستَ بموطنٍ إلا إذا *** حَسِبُوا حِسَابَ الرِّبْحِ وَالخُسْرَانِ
ما كنتُ أَحْسَبُنِي أعيشُ لكي أرى *** هذه البلادَ تُباعُ بالمجّانِ
قبضوا على ثَمَنِ البلاد وروّحوا *** وَقَبَضْتُ مُنْفَرِدَاً عَلَى قُضْبَاني
وَصَرَخْتُ أَنَّ الأرضَ ليستْ سِلْعةً *** حتى تُباعَ بِأَبْخَسِ الأَثْمَانِ
**********
أنا يا بلادي كلّما أبحرتُ في *** سُفُنِ المحبّةِ، عَقَّنِي رُبّانِي
وَلَقَدْ يَمُوتُ الحزنُ عِنْدَ مَمَاتِنا *** وَيَجِيْءُ بعدَ الموتِ حزنٌ ثانِ
أنفقتُ عُمْرِي في هَوَاكِ وليتَ لي *** عُمُرَاً جديداً في هواكِ يُعاني
أخفيتُ وجهي عنكِ حتّى لا تَرَيْ *** وجهاً يزيد الهمّ في الوجدانِ
ولمن سأشكو؟ والذين شكوتُهم *** حزني، أضافوه إلى أحزاني
ما جَرَّبوا عِشقي ولو هُمْ جَرَّبُوا *** ذابُوا وَحَنُّوا في الهَوَى تَحْنَاني
يرقى الهوى بالعاشِــــقِيْنَ وإنّنِي *** كوفِئْتُ - رغم الحبِّ - بالحِرْمَانِ
سَـجْنِي وَمَحْكَمَتِي وَفَصْلِي، هَلْ تُرَى *** كانتْ مُكَافَأَتِي عَلَى إِحْسَاني؟!
تقفو الذئابُ قَصَائِدي، ويطيرُ مِنْ *** فَرَحٍ لِقَيْدٍ في يَدِي سَجّانِي
وَعَلامَ؟ ليسَ لديّ إلا قطعةٌ *** يَدْمَى بِنَزْفِ حُروفها ديواني
أنا طائرٌ غنّى فَأَشْجَى، مَنْ رأى *** شَجَرَاً يُحَاسِبُ طَائِرَاً لأَغَانِي
واللهِ لَوْ مَلَؤُوا فَمِي سُــمّاً وَحَـزُّوا *** أَضْلُعِي، أَوْ قَطَّعُوا شِرْيَانِي
ما بِعْتُ دِيْنِي، أَوْ طَعَنْتُ عُرُوبَتِي *** أَوْ خُنْتُ عَهْدِي، أَوْ كَسَرْتُ سِنَانِي
فَجْرِي أَمَانٌ، وَالذينَ تَقَافَزُوا *** حَوْلِي، لَهُمْ لَيْلٌ بِغَيْرِ أَمَانِ