على مدار سنوات المقاومة ورفض الظلم الممتدة من الانتداب البريطاني حتى يومنا هذا، لم تكن المرأة الفلسطينية في يوم من الأيام بأقل تضحية وإقدام من الرجال؛ بل كانت بجوارهم كتفًا بكتف، مقتحمة بشجاعة كافة ميادين المقاومة والإعداد.
إحدى هؤلاء النسوة، كانت الحاجة "فاطمة عمر النجار" (58 عامًا)، أمّ لسبعة أبناء وابنتين، حافظة لكتاب الله عزّ وجل، من بلدة جباليا شمال قطاع غزة، اختارت أن تختتم حياتها بعملية بطولية سطّرها التاريخ بمداد من ذهب على صفحات من نور في سجّل الفداء والتضحية والإقدام، بعدما رأت ظلم الاحتلال وبطشه وقتله لأبناء شعبها.
في شهر نوفمبر عام 2006 كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تشنّ توغلًا واسعًا على المناطق الشرقية لبلدة ومخيم جباليا، أسفرت عن مقتل العشرات من الشبان والأطفال وإصابة وجرح عشرات آخرين، ونفّذت إعدامات ميدانية بدمٍ بارد بحق كل فلسطيني استطاعت الوصول إليه، في مجزرة جديدة تضاف إلى سجل مجازرها الممتد منذ اغتصابها لأرض فلسطين.
تنفيذ العملية
في عام 2004 انضمّت "أم الفدائيات" إلى صفوف كتائب الشهيد عز الدين القسام، وطلبت إعدادها وتجهيزها لتكون للقيام بعملية فدائية.
وبعد مرور أيام معدودة على التوغل الإسرائيلي شرقي جباليا، أعادت الحاجة فاطمة طلبها لقيادة المقاومة بتنفيذ عملية فدائية، وتمّت الموافقة على طلبها وتجهيزها.
وفي يوم الخميس الموافق 23 نوفمبر عام 2006، كان الموعد المشهود، حيث رصدت أعين المقاومة قوة إسرائيلية خاصة اعتلت أحد المنازل شرقي جباليا، ووضعت الخطة بأن تفجّر الحاجة فاطمة نفسها في جنود الاحتلال، فزّينت وسطها بالحزام الناسف، وقصدت المنزل المرصود، وما أن وصلت إلى بابه ورأت جنود الاحتلال أمامها على "مسافة صفر" فجّرت نفسها.
وأسفرت العملية بحسب ما أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن مقتل جندي وإصابة ثلاثة آخرين.
وصيتها
وقبل العملية، سجّلت "أم الفدائيات" وصية مصوّرة قالت فيها "أنا الشهيدة فاطمة عمر محمود النجار من جباليا البلد، أعمل في كتائب الشهيد عز الدين القسام، أقدم نفسي فداءً لله ثم للوطن ثم للأقصى وأسأل الله عز وجل أن يتقبل مني هذا العمل، وأنا ثائرة من أجل الوطن ثم من أجل الشهداء والمعتقلين والمعتقلات، وأسأل الله عز وجل أن يفك أسرهم ويتقبل منا جميعًا، هذه رسالتي إلى أهل الشهداء والمعتقلين ولإخواني ولأولادي وإلى أهلي، وأسأل الله عز وجل أن يوفقهم لما فيه الخير ويلزمهم الصبر والإيمان وبناتي أجمعين وأريد منكم ألا تصيحوا ولا تبكوا".
وتعدّ فاطمة النجار أكبر سيدة فلسطينية تنفذ عملية استشهادية ضد قوات الاحتلال، وقد كان لها دور نضالي كبير منذ الانتفاضة الأولى، حيث أوت المطاردين وخرّجت المقاومين.
كانت دائما تردد "أنا مشروع شهادة"، وهي حافظة ومحبة للقرآن، هكذا تحدثت ابنتها فتحية، عن أبرز ما كان يميز والدتها الشهيدة، قائلة "أمي اهتمت بتحفيظ أحفادها كتاب الله، وكانت تجلس معهم كثيرا لتبسط لهم معاني القرآن، كما أنها كانت تجمع نسوة الحي اللواتي لا يعرفن القراءة والكتابة وتحفظهن القرآن".
مواقف بطولية
وروت ابنتها "فتحية" بعضًا من مواقف الحاجة فاطمة البطولية المشرّفة، حيث أنها كانت إحدى المشاركات في مسيرة ثورة النساء التي سمّيت بـ"أهل الجنة"، والتي ساهمت في فك الحصار عن المقاومين الذين حاصرتهم قوات الاحتلال في "مسجد النصر" ببيت حانون شمال قطاع غزة في مطلع نوفمبر.
وتضيف "يوم الحصار كانت أمي في المقدمة كانت تجري وتكبر الله أكبر.. الله أكبر، واقتربت من الدبابة الإسرائيلية حتى اضطرت أن تنادي عليها النائبة جميلة الشنطي، وتناشدها ألا تقترب أكثر".
كما أن الاستشهادية فاطمة النجار كانت من المبادرات في تشكيل دروع بشرية للبيوت المهددة بالقصف من قبل الاحتلال "الإسرائيلي"، فقد شاركت برفقة مئات المدنيين الفلسطينيين في تشكيل دروع بشريّة على أسطح وداخل عدد من المنازل التي هدّد الجيش الإسرائيلي بقصفها، وهو ما جعل قوات الاحتلال تتراجع عن تدمير المنازل.