20°القدس
19.83°رام الله
18.86°الخليل
24.98°غزة
20° القدس
رام الله19.83°
الخليل18.86°
غزة24.98°
الأحد 06 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

هل فشلت جماعة الإخوان المسلمين إعلامياً؟

أيمن دلول
أيمن دلول
أيمن دلول

منذ تأسيسها في مارس 1928م مضت جماعة الإخوان المسلمين تشقُ طريقها، صادفها الكثير من الأشواك والعثرات، لكنها تعاملت معها بأساليب مختلفة تتناسب مع اختلاف تلك الصعوبات، إلى أن وصلت إلى محطتها الراهنة.

وخلال سنوات عملها التي امتدت لأكثر من ثمانية عقود، تجاوزت الجماعة حدود مصر-بلد المنشأ- وانتشرت في أقطار عربية وإسلامية أخرى وإن كان بأسماء ولافتات مختلفة، بدأت تنشر دعوتها ومنهجها فوجدت استجابةً كبيرةً حولتها لأكبر الحركات الإسلامية انتشاراً والأكثر تنظيماً بين الحركات الأخرى.

في الألفية الثالثة التي نعيش فصولها هذه الأيام يتضح لكل ذي لب بأن وسائل الإعلام تقليدية أو متطورة باتت هي الأداة الأساسية في تحريك الشعوب والمجتمعات ودفعها لسلوك طريقٍ بدل الآخر.

كثرةُ أعداد العناصر التي انضوت تحت لواء الجماعة وأجنحتها المنتشرة في العشرات من البلدان والأقطار، جعلها في مقدمة الحركات والتنظيمات احتواءً للعلماء والمثقفين في كافة المجالات العلمية والبشرية -وإن كانت لم تجد الفرصة المواتية لتحقيق رؤيتها في تطبيق نظرياتها لنهضة الواقع العربي مما هو فيه-، ومع هذا المنع عملت أذرع الجماعة بعيدا عن الخارطة الحكومية وأنشأت لنفسها القنوات والمؤسسات الخدماتية والخيرية المختلفة، في محاولةٍ منها لخلق أداة تمسح بها معاناة آلاف الفقراء والمحتاجين أو المرضى المنتشرين على تراب بلادنا العربية والإسلامية، وقد حققت قفزات كبيرة في هذا السياق، لكنها رغم ذلك حوربت في وقتٍ كان من واجب من قدمت لهم يد العطف بالأمس أن يردوا لها جميل الأمس ويقدموا لها قشة النجدة حينما تكاتفت أحلاف الدنيا لإزالتها، وهو أمر لم يحدث، فما هو السبب؟

في الألفية الثالثة التي نعيش فصولها هذه الأيام يتضح لكل ذي لب بأن وسائل الإعلام تقليدية أو متطورة باتت هي الأداة الأساسية في تحريك الشعوب والمجتمعات ودفعها لسلوك طريقٍ بدل الآخر، وهو أمرٌ لا يختلف عليه اثنين، فوسائل الإعلام التي تحتلُ مكاناً متقدماً على سلم أولويات النُظم السياسية الجبرية أو الشمولية، لم تكن كذلك بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين وأجنحتها المختلفة في العواصم والبلدان التي تمتد عليها، ولعله يكون السبب الأهم الذي أزاح الحركة بإرادتها أو غصباً عنها عن سدة القرار السياسي في تلك الأماكن، في وقتٍ تُعلم الحركة أبنائها أهمية الإعلام وأثره على المجتمعات استدلالاً من سيرة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام.

الواضح بعد هذه الأزمان وتلك الانتكاسات التي تعرضت لها الجماعة أن ثمة فجوة كبيرة بين ما تمتلكه من بحوث إعلامية نظرية وبين غياب التطبيق لتلك المعلومات الكبيرة التي امتلكتها في الكتب وبين أوراق الدراسات على أرض الواقع.

بمقارنة بسيطة للغاية بين تعامل جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات العلمانية أو اليسارية التي تعمل في أي قطرٍ من أقطار سيلمس المواطن العادي ثمة فرقٍ كبير، فالجماعة تقوم بأنشطة بالملايين ويعود أثرها على الآلاف من الناس لكنها غائبة عبر وسائل الإعلام، غير أن الأمر يختلف كثيراً لدى تلك الأحزاب التي تُشبع وسائل الإعلام بأخبار لأنشطة قد لا تُذكر مقارنة بما تقوم بها جماعة الإخوان، فأين تكمن المشكلة؟

واضح أن لدى القاعدة والقيادة في جماعة الإخوان مشكلة مستفحلة في مسألة الفهم التي تقوم بغرسها داخل عقول أبناء ومؤسسات الجماعة، بل إن هناك خلط بين مفهوم العمل لأجل "الله" ومفاهيم العمل من باب "أنتم أدرى بشئون دنياكم"، بمعنى أن الإخوان يعتقدون بأن الخدمات والإنجازات التي يحققونها في الكثير من البلدان والأقطار يجب أن تبقى حبيسة الملفات داخل الدواليب السرية استناداً على فصول العمل بحديث "السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله" "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُه ما تنفق يمينه"، وأعتقد أن العمل لدى الإخوان على هذه الشاكلة بالفعل يهدف للبحث عن رضا الله، لكنه قد يكون من جهة أخرى لإخفاء ما يقومون به حتى لا يفتحوا عيون الأنظمة المتسلطة عليهم وبالتالي يتعرضون للملاحقة والحجب، وفي كلا الحالتين لن يتعرف الجمهور على أفعالهم ومنجزاتهم، وهو ما تسعى إليه الأنظمة الحاكمة في بلادنا العربية -حجب صورة الآخر ناصعة البياض-.

يظهرُ جلياً بأن تعامل مؤسسات جماعة الإخوان مع الإعلام وفق الأسلوب سابق الذكر جعلها تبتعد عن استخدام الأسلوب المهم لإيصال رسالتها التي تنشر أخبارها بين عامة المواطنين، وبالتالي يشكل لها حاضنة شعبية تمنع إزاحتها إذا ما أحاطت بها أمواج المتآمرين القادمين لإزالتها من عقل الجماهير.

من الواجب على جماعة الإخوان بقادتها وأبنائها تعزيز مفهوم عدم الخلط بين الإخلاص والورع.

ولعل ما ينفع الجماعة لاقتناص الفرصة اعتمادها على درس إشاعة خبر قتل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في غزوة أحد، فحينما أُصيب -صلى الله عليه وسلم- في الغزوة وأشاع الكفار خبر قتله، تقهقر المسلمون وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، حتى اكتشف كعب بن مالك أن النبي حيًّا ولم يُقتل، حينها استخدم أسلوب الإعلام في وقته ونادى في المسلمين "يا معشر المسلمين أبشروا، هذا رسول الله"، فأشار إليه النبي أن يصمت، لكن صمته جاء بعدما سمع كلماته العشرات من المسلمين حيث دبت فيهم الروح من جديد وعادوا فأحاطوا بالنبي وخرجوا بسلام من أرض المعركة، وبذلك يتضح أثر الإعلام حين استخدام أسلوبه في التوقيت والأداة المناسبين.

إن من أسباب فشل تحقيق الأثر لأنشطة جماعة الإخوان يتمثل في ثغرة داخل قاعدتها تعيش حالة من الهوس لما يقوم به الآخر وتقزيم ما تحققه الجماعة الأم، ففي الإخوان يلومون جمعياتها الخيرية حينما تقوم بتصوير ونشر أخبار أنشطتها، وتغلف هذا الأمر من باب "كرامة الإنسان" وغيرها من المصطلحات الفضفاضة التي يروجها مناهضو الجماعة، وهي مداخل تسللت لعقول قاعدة الجماعة من اتهامات المناهضين لها أصلاً، غير أنهم "أقصد أعضاء الإخوان" يملؤون الدنيا ضجيجاً بصوت تصفيقهم حينما يجدون خصوم الجماعة ينشرون آلاف الصور والأخبار بصحبة من أنجز مشاريع هي أقل كثيراً مما قامت به جماعتهم التي يستظلون تحت لوائها.

من الواجب على جماعة الإخوان بقادتها وأبنائها تعزيز مفهوم عدم الخلط بين الإخلاص والورع، وبين نشر قصص أمل وحياة حققتها الجمعيات الخيرية واللجان الإغاثية لآلاف الأسر المستورة، فتحولت من عائلات متسولة لأخرى منتجة تلتقط رزقها بيدها العليا على عكس ما أرادت لها الأنظمة الحاكمة في العديد من بلادنا العربية والإسلامية.