11.12°القدس
10.88°رام الله
9.97°الخليل
16.64°غزة
11.12° القدس
رام الله10.88°
الخليل9.97°
غزة16.64°
الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
4.62جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.83يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.62
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.83
دولار أمريكي3.65

خبر: غربة… في كفِّ الوطن

على مرمى بصرك وبدون جهدٍ كبيرٍ تلمح من خلف الجدار بيوتاً يزينها ” قرميد أحمر اللون أو طوبي ” ، تتأملُ تناسقها وتدرجها … الاحتلالُ يعبثُ بالأرضِ عبثاً جميلاً يورثُ الحسرة.. تلمح علماً (إسرائيليا) يلوحُ في الأفق ، تسنده سارياتُ الدعمِ والمساندةِ الدولية وتحركه الرياحُ صيفاً بعدَ صيف ، على يمينكَ تماماً وعلى امتدادِ الجدار ، ثكنةٌ عسكرية ينسدلُ عليها جلالٌ أخضر اللونِ أو بنيٌّ كي لا تلمح قاتلك الذي تعرفُ تفاصيله جيداً… خوذة حديدية على الرأس ، بزة عسكرية ووجبة فاخرة وأكياس من الشيبس والشراب المفضل وفي جواره رفاقٌ يتناوبونَ لعبةَ القنص… يتناوبونَ النظرَ إلى الخارج من خلال منظارهم المثبت بماسورة القناصة، يتفنونَ في اصطيادِ فرائسهم ”نحن ”…وحتماً لن يكون الضحية مسلحاً ، لأن المسلحين يدركونَ مكمنَ الخطر ، ويعرفونَ أينَ يختبئ المتربصون. تلتفتُ جانباً ، تقرر العودةَ كمن حولك … شعورٌ باردٌ يتسللُ إليك ، ينخرُ في عظمك .. نعم الغربة تتسللُ إليك … تخنقك … تحاصرك .. أنتَ الغريبُ العائد من على مشارفِ الوطن إلى الوطن ، علاقةُ غريبة منذ أربعةٍ وستينَ وجعاً . تتجمعُ الصور في رأسك ، فلا هي تفر .. ولا أنتَ تطيقُ احتمالَ الغربةِ عنها ، القبة الصفراءُ وسوق خان الزيت حيث مركز الصراع والقوة ، محلات ركب في رام الله .. شوارع البيرة النظيفة ، جبال الخليل ونابلس الملهمة ، تلك التجاعيد التي تربط كل مدينةٍ بأختها ، نعم.. التجاعيد … فمن قالَ أن البلادَ لا تشيخ ! إنها تشيخ ، حينَ تشيخُ الضمائر ، وحينَ يستوطنُ صدرها قومٌ آخرون ، هؤلاء الآخرون الذين يمنحونكَ صكَّ الدخولِ إلى أرضك ، يشترطونَ المكان ، ومدةَ الإقامة ، حتى الأحلام التي ستحملها معك … يدققونَ في أوراقك ، يتأملونَ الملامحَ بدقة علهم يعثرون على خدش ، حتى إن كنتَ محظوظاً يقول لك أحدهم ” إغجع من مكان ما اجيت ! “ يبدو هذا الطيفُ أمام عينيك وأنت الذي لا يفصلك عنها إلا ما يربو على الساعة بقليل ، وأربعة وستونَ خنجراً تزيدُ من رصيد الحواجزِ يوماً بعد آخر … تكمل استدارتكَ ، تسير … تلمحُ الغربةَ في كل الوجوه ، وفي كل الازقة ، فيكَ أنتْ .. في أشيائك …تخرجُ هويتك ، لستَ بحاجةٍ لأن تدقق النظر ، نعم إنه اسمك .. واسم أمك .. وعائلتك . مزيجُ اللغتين المتضادتينِ في هويتك أمر مرعب ! إنهم يمنحونك حق الجلوسِ في وطنك ، غريب .. في حضرةِ الآخرينَ على مرمى قذيفةٍ وبيارةٍ مسلوبة . تكملُ السير ، يستوقفكُ أحدهم … يسألك بصوتٍ خافت : ” حضرتك من وين ” !؟ تخبره بمكانِ سكنك .. فيجيبك بابتسامةٍ باردة .. لا لا لا .. ” أقصد بلدتك الاصلية شو هيا !؟ “ في رأسك عشرات الأسئلة … ما الذي دفعه ليسألني سؤالاً كهذا ، ليزيدَ حنيني إلى ذلكَ الطيفِ الذي ألمحه في عيونِ جدي ، أم لأزداد غربة ! تتساءل : لماذا يصرّ كل ما حولي على أن يشعرني بالغربة مع أنني هنا من المفترض أن أكون مبتسماً سعيداً فأنا أعيشُ على الأرض … الأرضِ المحتلة ! صحيحٌ أن الكثيرين يتهافتونَ على كوبونةِ آخر الشهر من مراكز الإغاثة المتخذة من المخيماتِ الفلسطينية في فلسطين مركزاً لها ، وصحيحٌ أن اقتصادنا مرتبط بالآخرين خلف الجدار ، وصحيحٌ أن زيارتك لأجزاء اخرى من وطنك لا تتم إلا بموافقة الأخرين .. ولكن هل كل هذه الأشياء وغيرها كافية لأن تشعرك بالغربة ! في الشارعِ يمر الناس من حولك وقد اختفت من على وجوههم معالم الدهشة من أي شيء ، لا حزيناً .. لا سعيداً .. لا غنيا .. لا فقيراً ، لا تدري أهذه فرِحة بحملها الجديد ، أم حزينةٌ لأنها أجهضت فرحها قبل قليل ! لا فرق ،، أصبحتَ تلمحُ الغربة في كل المَواطن .. وفي كل الوجوه الابتسامات باردة ، اللقاءات عادية ، حتى مع نفسكْ … تجلسُ في بيتكَ لا حزيناً .. لا سعيداً .. لا فرق ، ما دمتَ وحدك … هل استبدلنا الغربة خارج حدود الوطن ، بغربة داخله … لماذا نشعر أنفسنا بأننا في بلادٍ عابرة ، نشعر أنفسنا أننا ثقيلون .. مملون .. غامضون ! لا تعجبني الغربة ، ولا أطيقها ، ولا أطيق أن توصف حالتنا وقضيتنا كمأساة إنسانية ، وقضية مساعدات ووقود وكهرباء وكوبونات ومعابر ومرضى وإلخ… ما أقساها من غربة ، تلك التي تشعرُ بها وأنتَ تفترشُ أرضك وتلتحفُ سماءك … ما الذي يتأملهُ الضحية من الجلاد ! ، أن يقتله بشيءٍ من الرحمة ! ؟ انه يدرك مهمته جيداً ، وحتماً سينفذها بأية وسيلةٍ … فقد يقتلعك بعبوةٍ ناسفة ، أو بوردةٍ مسمومةٍ يهديها إليك .. وفي الحالتين سيضمن الخلاصَ منك ! ،، كفاكم غربةً مع أنفسكم أيها السادة ،، يكفينا نتائج اتفاقياتكم المشؤومة باسمنا نحن الـ “غرباء ” في أوطاننا بمهاتراتكم ، أو أملنا الخائب بخطاباتكم ، أو جهلنا بكم … سيدي المفاوض ،، الي متى سيظل السراب في قبضتكم ، تراوحون مكانكم وتصدرون غباراً يحجبكم زمناً عن العالم ، وعندما ينجلي … تراوحون في جولةٍ أخرى مكانكم ، ويرتفعُ ذاتُ الغبار !!؟ ولأن الغربة لا تعجبني .. ولا تعجبك .. ولا تعجب أحداً ، فلننفض عن أجسادنا غبار غربة الروح ، فليس الغريب من يعاني خارج حدودِ وطنه مغترباً بجسده … فغربة الروح أشد قساوةً وأقومُ بؤسا … لا أحلمُ بالمدينةِ الفاضلة ، ولكنني على يقين أن باستطاعتنا تغيير الواقع فهويتنا الحقيقية نابتةٌ في القلب وتقتاتُ من حكايا الأجداد ، وما هذه الورقة التي تحوي تنافر اللغة إلا شيءٌ عابرٌ تدخل في صياغتهِا أشخاصٌ عابرون . لنتخلص من الغربة التي أنهكتنا ، ولنؤمن حقيقةً أننا نملك أكبر ثروة وأكبر وطن وأكبر عقول حرة … إننا نستندُ على جدارٍ متين..جدار الحق والإيمان به ، فلنرتكز بقوة لننطلقَ بقوة ، ولنقترب من قصيدة الوطن أكثر .. فأكثر. قادرونَ نحنُ البسطاء الأقوياء على أن يكون بيدنا القرار ، فلا أحد ينكر عبثيةَ المفاوضِ الذي لا ولم يملك رصيداً ولا عدة…ليكون دائماً هوَ من يزيدُ من تعثر القضية… آن أن ننسجَ لوحةَ البقاء ، والتآلف ،وأن نشتركَ جميعاً في كتابة نوتةِ البقاء والأمل ، نوتة الحياةِ بكبرياء .. والموت بشرف ، لنعزفَ معاً لحنَ الكبرياءِ والعودةِ القريبة ، العودة إلى الراية الواحدة ، وإلى الأرض الواحدة ، وإلى الرمزية الواحدة … ولنسير جميعاً في مسار واحد ليسَ بالغريب عنا… لن تشيخَ الأرضُ بعدَ اليوم… ستستعيدُ شبابها ، وعلى قدرِ الغربةِ التي عشنا…ستكونُ الحريةُ والالتصاق بالحق أضعافاً مضاعفة… قضيتنا أيها الكرام ليست قضية مساعدات وليست قضية إنسانية هيَ قضية حق مسلوب ، ولن يضيعَ حقٌ من خلفهِ واعونَ قريبون ،.. فلا تغتربوا ، واقتربوا.