15.57°القدس
15.33°رام الله
14.42°الخليل
19.12°غزة
15.57° القدس
رام الله15.33°
الخليل14.42°
غزة19.12°
الأربعاء 11 ديسمبر 2024
4.58جنيه إسترليني
5.06دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.78يورو
3.59دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.58
دينار أردني5.06
جنيه مصري0.07
يورو3.78
دولار أمريكي3.59

خبر: هل يكون الإشعاع النووي مفيداً لنا؟

كانت المشكلات المرتبطة بالزلزال وموجة المد العارمة في محطة دايتشي لتوليد الطاقة النووية في فوكوشيما اليابانية سبباً في إلهام تعليقات وتكهنات لا حصر لها . ومن المؤسف أن الكثير من المناقشات الدائرة حول الكارثة والعواقب المترتبة عليها لا تقوم على أي أساس من الاطلاع ومشكوك فيها إلى حد كبير . لقد ارتفعت مستويات الإشعاع إلى ما يتجاوز المستوى الطبيعي بنحو أربعمائة مرة في دائرة نصف قطرها 12 ميلاً من محطة فوكوشيما، كما تم العثور على نشاط إشعاعي زائد في الحليب، والأسماك، ومجموعة متنوعة من الخضراوات المزروعة في المنطقة، أما مياه الشرب في طوكيو، التي تبعد 140 ميلاً (225 كيلومتراً) من فوكوشيما، فقد أعلنت السلطات أنها غير صالحة لاستهلاك الأطفال الرُضع . ولقد حظرت العديد من البلدان الواردات من الحليب والخضراوات من المنطقة المتضررة . تُرى ما النتيجة التي قد نتوصل إليها من كل هذا؟ إن الإشعاع عند هذه المستويات يفرض خطراً متدنياً على صحة الإنسان بالنسبة لكل شخص يقيم خارج المنطقة المباشرة المحيطة بمحطة الطاقة النووية . وأغلب الإشعاع من نوع اليود-،131 وهو نبأ طيب لعدة أسباب . الأول أن هذا النظير المشع يتمتع بنصف عمر قصير نحو ثمانية أيام فقط أي أنه يضمحل إلى مستويات لا تذكر في وقت قصير (ففي غضون عشرة أسابيع لا يتبقى منه سوى 1 .0%). والثاني أن هذا يشير إلى أن مصدر الإشعاع هو المفاعل ذاته، وليس قضبان الوقود المستنفد (والتي تحتوي على نظائر مشعة أطول عمراً وأشد خطورة) . والثالث أن مضادات السموم الفعّالة متاحة بوفرة لوقاية هؤلاء المعرضين للخطر: وهي تتكون من اليود غير المشع، المتاح إما في هيئة أقراص أو سائل، وهو يعمل على منع امتصاص الغدة الدرقية لليود-131 . فضلاً عن ذلك، فإن حدود النشاط الإشعاعي في المواد الغذائية تتضمن عادة درجات من هامش السلامة، ومن الممكن توقعها وتأكيد مستوياتها في ما يتصل باحتمالها في الأمد البعيد . ومن المعروف أن الحدود التي أقرتها اليابان للتعرض للإشعاع أكثر صرامة من تلك التي حددتها الهيئات الدولية . [color=blue]ظاهرة الإنهاض[/color] ومن بين العوامل الأخرى التي قد تخفف من الضرر الناتج عن الإشعاع تلك الظاهرة التي يطلق عليها “الإنهاض”، وهي عبارة عن علاقة ثنائية الطور للاستجابة للجرعة، حيث قد تعمل مادة مثل المعادن الثقيلة السامة أو الإشعاع المؤين المضر إذا كانت الجرعة منه معتدلة أو مرتفعة على إنتاج تأثيرات تكيف مفيدة إذا كان التعرض لها بجرعات منخفضة . أو نستطيع أن نقول بعبارة أخرى إننا لا نرى علاقة خطية كاملة بين الجرعة من السم المحتمل والتأثير الضار، بل إننا نرى توزعاً يبدو أشبه بعلامة اختيار، مع التركيز على المحور الأفقي وقدر من الضرر على المحور الرأسي . ويُعَد الإنهاض منتجاً ثانوياً للتطور. فمنذ بدايات الحياة على الأرض، كانت الكائنات الحية تتعرض لظروف قاسية، حيث تتعرض الخلايا الفردية عادة لمواد سامة مثل الكيماويات والإشعاع . ومن أجل تجنب الموت المبكر والانقراض، طورت الكائنات الحية آليات معقدة للتكيف مع مثل هذه المخاطر البيئية، بما في ذلك تغيير تركيبات الأحماض النووية لتنشيط المسارات التي تقي من التلف أو تعمل على إصلاحه . على سبيل المثال، وصف عالم الأحياء بول مايرز من جامعة مينيسوتا دراسة أجريت على الحيوانات، حيث تم تعريض أجنة أسماك لسمّية غير خطية من الكحول، وسم يتسبب في تشوهات حادة في أجنة سمك الزرد بجرعات عالية ولفترات تعرض طويلة . ويقول مايرز: لقد قمت بجمع سلسلة من التركيزات، حيث عرضنا مجموعات من الأجنة لتركيزات متزايدة، فحصلنا على منحنى خطي لطيف: حيث تؤدي زيادة الكحول إلى زيادة تواتر وشدة عيوب وتشوهات الخط الناصف والقوس الخيشومي. وباستثناء واحد: فعند مستويات تركيز منخفضة تقترب من 5 .0% من الكحول، انخفضت معدلات الوفيات بين الأجنة المعالَجة نسبة إلى أجنة الضبط، ولم تنشأ حالات شذوذ نمائية . أو بعبارة أخرى، هناك على ما يبدو نوع من فرط التعويض وهو ما يفسر آليات الوقاية المحسنة التي تنشأ بفعل كميات صغيرة من السم . ويتم تنشيط الآليات الوقائية بدرجة أعظم من اللازم لمجرد تحييد التهديد، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تأثير مفيد . [color=blue]نبأ سار[/color] وهناك بعض الدراسات الوبائية التي وصفت بأنها ربما تقدم أمثلة واقعية لظاهرة الإنهاض في البشر، ولكنها تشتمل على أوجه قصور واضحة . وهناك تحليل ممتاز لهذه الدراسات قام بها جراح الأورام ديفيد جورسكي، والذي استحثته المبالغة الصارخة من جانب خبيرة أمريكية في ما يتصل بالفوائد المحتملة من ظاهرة الإنهاض في اليابان . حيث أعلنت: “إن النبأ الوحيد السار هو أن أي شخص يتعرض لقدر زائد من الإشعاع من محطات الطاقة النووية ربما أصبحت احتمالات إصابته بالسرطان الآن أقل كثيراً مما سبق” . ولكن هذا لا يصدق إلا على التعرض التدريجي البطيء للإشعاع بمستويات متدنية للغاية . وفي ضوء ما نعرفه الآن بل وحتى بالاستعانة بالبيانات التي قد نحصل عليها في المستقبل القريب فمن غير الممكن أن نجزم بمستويات التعرض . فربما تلقى بعض العاملين في فوكوشيما جرعات من الإشعاع (ليس فقط اليود-،131 بل وأيضاً نظائر مشعة أخرى أطول عمراً وأكثر خطورة مثل السيزيوم-137) أعلى من المطلوب لتنشيط الاستجابة الإنهاضية، ففي شهر مارس/آذار عانى ثلاثة من العمال من حروق من الإشعاع نتيجة لاختراق مياه عالية الإشعاع لملابسهم الواقية . والواقع أن البشر (وخاصة الأطفال الرُضع) إذا تعرضوا لمستويات عالية من اليود-131 قبل أن يصبح في الإمكان وقايتهم باستخدام اليود غير المشع، فربما يكون بوسعنا أن نقول إنهم تلقوا جرعات كافية لإصابتهم بالسرطان . هناك أمر واحد مؤكد: في حالة تلقي أي جرعة باستثناء الجرعات المنخفضة للغاية وربما أعلى قليلاً من المستويات الطبيعية يتسبب الإشعاع في الإصابة بالسرطان . وغير ذلك، فإن فيزياء الإشعاع والإنهاض من الظواهر بالغة الإلغاز والتعقيد، وفهمها يتطلب ما هو أكثر من مجرد المعرفة السطحية . إذا كنت راغباً في فهم كافة الفوارق الضئيلة، فما عليك إلا أن تحصل على درجة علمية من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أو المعهد السويسري الفيدرالي في زيوريخ . وإلا فعليك أن تنتظر وتتعلم من الخبراء، ولا تقفز إلى الاستنتاجات .