بات الاحتلال الإسرائيلي يستغل مواقع التواصل الاجتماعي في الوصول إلى ما يبتغي داخل صفوف الشباب الفلسطيني الباحث عما يسد رمق يومه، مستغلا حالة الركود الاقتصادي وشبح البطالة الذي أصبح يطارد شريحة واسعة من الشباب الذين يريدون تأمين مستقبلهم من خلال العمل داخل الأراضي المحتلة عام 1948.
ومن أجل هذا، أسس جيش الاحتلال الإسرائيلي على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" صفحة خاصة أسماها "المنسق" لتكون مصيدة لآلاف الشبان الفلسطينيين، في ظاهرها منبرا لتقديم المساعدات للفلسطينيين الراغبين في الحصول على تصاريح تسمح لهم بدخول المدن المحتلة، للعمل أو للعلاج أو لزيارة عائلاتهم، ولكنها في باطنها خبث وسموم لا تترك مخابرات الاحتلال فيها شاردة ولا واردة إلا وتخضعها للتحليل، وتنجح في العديد من المرات في الحصول على معلومات لطالما كانت تبحث عنها.
وتزامن وصول هذه الصفحة إلى ذروة التفاعل مع حديث سلطات الاحتلال عن فشل السلطة الفلسطينية في إدارة الضفة الغربية، وإمكانية عودة ما يسمى "روابط القرى" التي كانت أحد أذرع الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، تتبع ما يسمى "الحاكم العسكري" لجيش الاحتلال في تلك المناطق تأتمر بإمرته.
عودة الحاكم العسكري
القائمون على الصفحة أعلنوا أن الهدف من تأسيسها التواصل مع سكان قطاع غزة والضفة المحتلة لتقديم الخدمات الإنسانية لهم، لكن باطن ما ترمي إليه هذه الصفحة هو إنهاء حكم السلطتين الحاكمتين في الضفة وغزة، ليكون الاتصال مع الشعب مباشر ودون أية واسطات.
ومن خلال ما تعلن عنه الصفحة يوميا، يحاول الاحتلال الإسرائيلي إخفاء وجهه الحقيقي، والتستر عليه بتقديم تسهيلات للراغبين في الحصول على الخدمات اليومية.
وما لا تعرفه عن هذه الصفحة هو وجود طاقم أمني مختص يدير سياستها ويتابع جميع التعليقات الواردة من المتابعين الفلسطينيين، بالإضافة لوجود طاقم مساعد يتكون من مختصين نفسيين لدراسة ميول المتابعين من الفلسطينيين والوقوف عند رغباتهم، من أجل السيطرة عليهم شيئا فشيئا.
ويتبع القائمون على الصفحة أسلوب التمويه من خلال ملئ الصفحة بعشرات التعليقات من حسابات لا يعرف مصدرها التي تطلب المساعدة للحصول على تصاريح لدخول المدن المحتلة، ويكون العديد منهم يدعي الرفض الأمني، ليرد "المنسق" بالنظر في قضيته أو حلها لدى أجهزة مخابرات الاحتلال، وفي غالب الأحيان يكون تلبية طلبات المتابعين من الصفحة بشكل فوري، لتنهال عليها آلاف الطلبات المشابهة من الراغبين في الحصول على هذه التصاريح، لتبدأ حينها عمليات الإسقاط والابتزاز من خلف الكواليس.
أهداف استخبارية
من جهته، قال الخبير بالشؤون الإسرائيلية والأمنية أيمن الرفاتي: إن "مثل هذه الصفحات لها عدة أهداف، منها تحسين صورة الاحتلال وإظهاره بصورة مغايرة عن حقيقة ممارساته على الأرض، ومن ناحية أخرى تهدف لجعل التواصل اليومي مع الاحتلال مباشرا .. وبعيدا عن الجهات الرسمية، وهذا له هدف أمني خطير يستغل للحصول على المعلومات عن العديد من الأشخاص وصولا للإسقاط".
وأضاف الرفاتي "للأسف حجم التفاعل على الصفحة جيد وهذا يعود لملامسة ما يطرح لحاجات الفلسطينيين اليومية، خاصة منشورات العمل وتسهيل السفر، ومن ناحية أخرى يعود التفاعل العالي لحجم الإعلانات الممولة الكبير الذي تستخدمه إدارة الصفحة، ولكن هناك فرضية واردة كون هذه الحسابات وهي بالآلاف وهمية لجلب التعليقات ودفع الفلسطينيين على التواصل مع الصفحة، وهذا الأمر وارد بقوة حينما نتحدث عن أجهزة أمنية تابعة للاحتلال، لكن ربما يكون لحجم الإعلانات الكبير والتمويل دور في زيادة التفاعل".
وأفاد بأن الاحتلال وأجهزته الأمنية يسعون بكل السبل لاستغلال حاجات الفلسطينيين بهدف تحقيق غاياتهم الاستخبارية ومن ضمن الأساليب جاءت صفحة "المنسق" التي تحاول التخفيف من هموم الأهالي في غزة وكأنها تقول للفلسطينيين "نحن عنوان إزالة همومكم بدلا من التسلل عبر الحدود، وهذا يظهر جليا في إعلانها عن 10 آلاف وظيفة للعمل في إسرائيل من سكان القطاع".
تحذير واجب
وكان موقع "المجد" الأمني المقرب من المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة قد حذر من خطورة التعامل مع الصفحة، الجنرال "مردخاي بولي" الذي يدير أعمال حكومة الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة كان أحد ضباط التجنيد في الوحدة السرية بجيش الاحتلال الإسرائيلي "الوحدة 504"، لافتا إلى أن هذه الوحدة مختصة في تجنيد عملاء في الدول المجاورة لدولة الاحتلال بشكل خاص وفي مختلف دول العالم بشكل عام.
وقال الموقع: "إن الصفحة تمثل وجها إعلاما مزيفا لإبراز أنشطة وحدة التنسيق لإعطاء الصورة المتحضرة لجيش الاحتلال"، مشيرا إلى أن هذه الصفحة تسعى باستخدام الكذب، لإظهار الدور الإنساني للاحتلال وجهوده في تقديم التسهيلات للسكان الفلسطينيين وفي كل المجالات.
وأوضح الموقع أن الصفحة "تترك المجال لمن يريد التواصل معها عبر الرسائل والمشاركات أو التعليقات وهي طريقة لفهم وقراءة رأي الأفراد والسكان حول بعض القضايا كالمقاومة والمعابر والاقتصاد"، مؤكدا أن "هناك حالة ربط واضحة بينها، فيربطون المقاومة بالإرهاب بحركة التنسيق ووصول الأهالي لحاجاتهم بالوضع الأمني ومدى استقراره".
وأشار إلى أن الصفحة تهاجم المقاومة وتتهمها بـ "الإرهاب"، لافتا إلى أن هناك عددا من المنشورات والصور لتعميم وخلط المقاومة بـ "الإرهاب"، خاصة عمليات الطعن وإطلاق النار والدهس التي تنفذ في القدس وتل أبيت وفرنسا وأمريكا وبلجيكا.
وبيّن أن أخطر ما في الصفحة أنها تتحدث عن حاجات ومشاكل السكان الفلسطينيين، التي يمتلك زمامها جيش الاحتلال وتعرض الطرق والحلول لمن يريد الوصول لحاجاته عبر الإعلانات والتعليمات، وتترك الصفحة عنوان بريد إلكتروني وهاتف للتواصل بالإضافة لموقع رسمي على الويب.
وأكد الموقع على أن القائمين على الصفحة يحاولون "التظاهر بالإنسانية" لإزالة الحواجز النفسية، ولاستدراج صاحب الحاجة من خلال منشورات يتخللها مواضيع تصاريح العمل أو التجارة أو الدخول للداخل المحتل.
وأتهم الموقع الصفحة بأنها تحمل أربعة أهداف أمنية، وهي "كسر الحواجز النفسية والجغرافية مع الفلسطينيين، وإقناعهم بفكرة التعايش المشترك، إضافة إلى إيقاع الشبان الفلسطينيين في الفخ واستدراجهم عبر استغلال حاجاتهم وحل مشكلاتهم لأغراض استخبارية ومعلوماتية".