21.35°القدس
21.07°رام الله
19.97°الخليل
25.17°غزة
21.35° القدس
رام الله21.07°
الخليل19.97°
غزة25.17°
الأحد 06 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

محمد الزواري شهيد فلسطين البارّ

علي العتوم
علي العتوم
علي العتوم

إنه الشابّ مهندس الطيران محمد الزواري من تونس الخضراء والمولود فيها سنة (1966م). وتبدو المفارقة هنا ولو بعض الشيء حسب الاعتبارات المعاصرة، بعد أنْ هُجِّنت قضية فلسطين المقدّسة فحوّلت مرّةً وبإصرار غريب ومشبوه من إسلامية كريمة مشبوبة إلى عربية باهتة متخاذلة ومرة بشبه إجماع عربي رسمي من عربية إلى فلسطينية، إذ قُزِّمت وعُزِلت عن محيطيها العربي والإسلامي الواسعين، فحُصرت بمنظمة إقليمية لا حول لها ولا طول، هي منظمة التحرير التي راحت تستجدي – بعد أنْ طلّقت نهج الكفاح المسلّح – عدوها اليهودي أن يمنحها رقعة من أرض آبائها وأجدادها لتقيم لها عليها سُلطة مفرغة من أيّة صلاحيات فاعلة.

 نعم، في ظلال هذه الأوضاع السياسية المقيتة وأجواء تلك الإقليميات البغيضة التي هبطت بالقضية إلى دركات سُفلى، يبرز هذا الشاب التونسي المِقدام ليكسر كل الحواجز المصطنعة، ويصل رأساً إلى العتبة الحقيقية للقضية الطاهرة ليلج منها إلى قلب العدو الغاصب فيضرب في عمقه القائم فينال منه ويصيبه بالذعر والهلع، ولكنَّ هذا لم يكن ليحصل لولا حُسن الاختيار في هذا الشأن بين الخاطب وهو هذا البطل التونسي الأروع والمخطوب وهو المنظمة التي رحّبت به ليكون أحد فرسانها الأشاوس وهي منظمة حماس، إذ كان الاثنان يُدركان طهر القضية وقداستها، وحقيقة النسب إليها والسبيلَ الصحيحة التي يُنال فيها من العدوّ الغادر، وهي الجهاد في سبيل الله. ولا أدلّ على ذلك من أنّ هذا الشاب عُرِفَ منذ نشأته بتوجّهه الإسلامي ومعارضته الحقّة للنظام في بلده أيام حكم المخلوع زين العابدين بن علي الذي كان يُمثّل قمّة الاستبداد في تونس، ومن هنا كان مُطارداً. ومنظمة حماس تكاد تكون هي المنظمة الوحيدة التي ترفع راية الجهاد وتُعلن عن عدم اعترافها بالدولة العبرية. ومن هنا

كذلك، كانت هي الأخرى مطاردة من أغلب دول العرب التي تريدها على الخنوع لليهود. وعلى هذا يجوز لنا أن نقول بالنسبة للشاب التونسي ومنظمة حماس – كما جاء في الأمثال القديمة وبالمعنى الإيجابي - : (وافق شنٌّ طَبَقَةً) !!

 نظر هذا الشاب التونسي إلى الواقع العالمي عامة وإلى واقع قومه العرب خاصة وواقعه التونسي بالأخص، فوجد الظلم يسود كل هذه الساحات، وإلى ميزان العدل فيها جميعاً فوجده مقلوباً وهو المسلم الذي يدفعه الإسلام الحنيف أن يُعدِّله ما استطاع أينما كان. وهو كذلك الإنسان العملي النابه الذي حباهُ الله بميّزات بشرية رائعة من الإبداع العلمي والتوجّه العملي والكتمان في التحرّك. إنه مهندس ماهر ومبتكر بارع ورجل قليل الكلام كثير الفِعال، ولذا وجد أن أولى الناس بجهده – بعد أن رأى الأبواب أمامه موصدة في أي اتجاه – إخوانَه في الله في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حيث الترحيب والإكرام، والجهد مشكور ومبرور، والعمل مثمر ومرصود، والأجر مزيد ومضاعف، فانتسب إليها عام (2006م)، وإلى أين فيها ؟! إلى أعظم أقسامها حيث النكاية بالعدو اللئيم. نعم، إلى كتائب عزالدين القسام الجناح العسكري لهذه المنظمة الإسلامية الماجدة التي تُعدُّ أطهر المنظمات الفلسطينية وأنقاها وأصدقها، فكان أن قدَّم لها جهده مسلماً حنيفاً، وعروبياً شهماً، وتونسياً مُنجداً. وما أروعه من جهد. إنه تصنيع الطائرات الموجَّهة دونما طيار، ظهر أثره العظيم في معركة (الطير الأبابيل) مع العدو عام (2014م)، مما ضجّ منه هو وعملاؤه وهلعوا من هذا الداخل الجديد لهذه المنظمة المجاهدة، يُصنّع لها الطائرات وعلى الطريق يُصنّع لها الغوّاصات.

 ولا ريب أن هذا الفارس الجديد كان إضافة نوعية وممتازة لهذه المنظمة

العتيدة، إذ ساعد إخوانه في الإسلام وأرحامه في العروبة وجيرانه في الدار وإن شطَّ المزار، ولكنْ أيُّ بُعدٍ عن الأحبة وأرواحهم المجندة تطير الواحدة منها إلى ما تأتلف معه ولو كان وراء البحار أو خلف القفار. وكذلك كان المهندس التونسي الزواري رحمه الله. ولا ريب كذلك أن هذا الأمر أزعج أعداء الله اليهود وأطار صوابهم، كما أزعج معهم عملاءهم من عرب خانعين ومنظمات متواطئة مع العدو وراضية بالدون، فكان أنْ استُفِزُّوا جميعاً كأنهم الأعيار المستنفرة فرّت من قسورة. فكانت تحذيرات فرعون وإعلاماته وتحرياته أنْ نقِّبوا في البلاد عن هذا الشاب الذي صعقنا، في كل اتّجاه وفتّشوا في كل زاوية. إنه يريد أنْ يهدم المعبد، ويُحطّم الهيكل ويكسر الصنم ويُغيّر وجه الأرض ويساعد على توهين جيش (الإيرمادا) المزعوم. كل ذلك - مع قدر الله – كان أن كُتِبَتْ نهاية هذا الفارس الباسل والجندي المجهول بطلنا محمد الزواري أنْ يُقتل أمام بيته بمدينة صفاقص التونسية جنوبي البلاد، فيرتقي إلى جنان ربّه شهيداً في فاضل الأيام التي تُرفع فيها الأعمال إلى الله جل وعلا فيجزي بها أصحابها من كرمه الفيّاض. إنه يوم الخميس (15/12/2016م) رحمه الله رحمة واسعة وأسدل عليه جلابيب عفوه ورضوانه وأهطل عليه شآبيب منّه وغفرانه.

 إن منظمة حماس هذه المنظمة الكريمة، لم تنسَ لأخيها الذي كان يُحضِّر لدرجة الدكتوراة في هندسة الطيران، جهده المبرور في أعمالها، وعهده الوفي معها، فنعته بوصفه أحد أفرادها الشهداء وأبنائها المجاهدين العظماء، متوعدة دولة الكيان الغاصب التي تتجه أصابع الاتهام في قتله لها بالدرجة الأولى، بالأخذ بثأره وأنّ دمه الطهور لن يذهب بإذن الله هدراً. وإذا كان أخونا الزواري هذا شكَّل علامة فارقة في انضمامه لكتائب القسام الماجدة، فلماذا نعم، لماذا تكون المسألة مسألة فردية في انضمام عربي تونسي لهذه المنظمة المجاهدة ؟! ولماذا لا يكثر هذا التطوّع ويتّسع حتى يصبح ظاهرة في أبناء العروبة والإسلام أينما كانوا وأمراً طبيعياً، كما كان يوماً في جيوش المسلمين الفاتحة. ومن قال : إنّ اللون أو الجنس أو اللغة أو الجغرافيا تقف حوائل دون نصرة المسلم لأخيه المسلم الذي ينشد على الدوام :

مُسلمونَ مسلمونَ مسلمونْ

                                     حيثُ كانَ الحقُّ والعدلُ نكونْ

نرتضي الموتَ ونأبَى أنْ نهونْ

                                     في سبيلِ اللهِ ما أحلى المنونْ

يا أخي في الهندِ أو في المغربِ

                                      أنا منكَ أنتَ منّي أنتَ بي

لا تسل عن عُنصرِي عن نسبِي

                                      إنّه الإسلامُ أُمّي وأبِي

إخوةٌ نحنُ به مؤتَلِفونْ

                                      مسلمونَ مسلمونَ مسلمونْ

وأقول : إنّ إنضمام أخينا الزواري إلى حماس وقتاله في فلسطين قد نزع به إليه عِرقٌ كريم، امتاز به إخواننا المغاربة الذين كان دفاعهم عن فلسطين والأقصى أيام صلاح الدين رحمه الله مشهوداً وما زال. ثم من قال لنا إنّ فلسطين للفلسطينيين وحدهم ؟! إنها نعم لهم وللعرب وللمسلمين أجمعين. ويبقى بعد ذلك وقبله على حكومة تونس أن تبذل أقصى جهدها في التحقيق لكشف الجُناة. وفي الختام إلى جنات الخلد يا أخانا الحبيب محمد الزواري، وهنيئاً لكم إخواننا حماس بطلكم الشهيد أخوكم التونسي العظيم وعوّضكم عنه خير العِوض...