شهد الأسبوعان اللذان أعقبا قرار مصر بإلغاء مصر صفقة تصدير الغاز (لإسرائيل)، التي كانت سارية في عهد مبارك، تبادلاً للتهديدات غير المباشرة والتحذيرات بين البلدين، بلغ ذروته في حشد "عسكري إسرائيلي" على الحدود المصرية في شبه جزيرة سيناء. وقال طارق فهمي، رئيس "مكتب (إسرائيل)" في المركز الوطني لدراسات الشرق الأوسط بالقاهرة، لوكالة إنتر بريس سيرفس، أنه يبدو أن (إسرائيل) قد بدأت في الأيام الأخيرة في التحضير لعمليات الانتشار العسكرية على حدودها الجنوبية. ففي 22 أبريل/نيسان، ألغت مصر من جانب واحد اتفاقية التصدير لعام 2005 والخاصة ببيع الغاز الطبيعي إلى (إسرائيل)، والتي وفرت على مدى السنوات الخمس الماضية إمدادات منتظمة للغاز المصري من منطقة شمال شبه جزيرة سيناء (لإسرائيل). وأرجع مسؤولو الطاقة المصريون قرار وقف العمل بالاتفاقية إلى فشل (إسرائيل) في الوفاء بالمواعيد النهائية لسداد مستحقات مصر، مشددين على أن هذا القرار "ليس له دوافع سياسية." وسرعان ما سجلت (إسرائيل) -التي يتردد إنها تعتمد على الغاز المصري لتلبية نحو 40 في المئة من احتياجاتها من الكهرباء- اعتراضها على هذا القرار. وحذر مسؤولون صهاينة من الآثار الوخيمة لهذه الخطوة على إتفاقية كامب ديفيد للسلام الموقعة بين مصر (وإسرائيل) عام 1979. ودعا "زعيم المعارضة الإسرائيلية" شاؤول موفاز الذي انضم مؤخرا لائتلاف حكومي برئاسة نتنياهو ، دعا الولايات المتحدة، الراعي الرئيسي لبلاده، للتدخل نيابة عن (إسرائيل). وذهبت وزارة المالية الصهيونية إلى حد وصف هذا القرار بأنه سابقة خطيرة تلقي ظلالاً على اتفاقات السلام ومناخ السلام بين مصر و(إسرائيل). هذا وبينما يتوعد المسئولون الصهاينة باتخاذ الإجراءات القانونية لضمان توريد الغاز المصري، يقول محللون أن مصر قد تصرفت ضمن حقوقها القانونية للانسحاب من الاتفاقية. وأوضح إبراهيم زهران، خبير النفط المصري، أن "المشترين الإسرائيليين" لم يسددوا فواتيرهم حتى وصلت قيمتها إلى نحو 100 مليون دولار، وأضاف أن العقد ينص بوضوح على أنه إذا فشل أي من الطرفين في الارتقاء إلى مستوى التزاماتها، فالطرف الآخر لديه الحق في إنهاء الاتفاق. وكانت مصر قد بدأت ضخ الغاز الطبيعي إلى (إسرائيل) في عام 2008، استنادا إلى اتفاقية تم التوصل إليها قبل ثلاث سنوات. وسمح ذلك "للمشروع المصري- الإسرائيلي" المشترك لغاز شرق المتوسط ببيع الغاز الطبيعي المصري "للمشترين الإسرائيليين"، بما في ذلك مؤسسة "كهرباء إسرائيل" التي تديرها الحكومة . ونظرا لانعدام شعبية (إسرائيل) في الشارع المصري، واجهت صفقة تصدير الغاز معارضة شعبية على نطاق واسع منذ نشأتها. ويلاحظ النقاد أنه يجري توفير الغاز المصري (لإسرائيل) بأسعار أقل بكثير من الأسعار الدولية (في حين أن مصر نفسها تعاني من نقص الطاقة المزمن)، فإن هذه الصفقة تدعم بشكل فعال -ولو بشكل غير مباشر- احتلال (إسرائيل) المستمر وضمها للأراضي الفلسطينية. وتعرض خط أنابيب نقل الغاز عبر شمال شبه جزيرة سيناء (لإسرائيل) لـ 14 هجوماً متفاوت الشدة -من مجهولين- منذ قيام الثورة بمصر مطلع العام الماضي، مما أدى في كثير من الأحيان إلى توقف الإمدادات لفترات طويلة. ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار الكهرباء في (إسرائيل) بأكثر من 20 في المئة منذ بداية عام 2011. ونظرا لعدم شعبية صفقة التصدير هذه، فقد رحبت غالبية الشخصيات العامة المصرية والجماعات من مختلف الانتماءات السياسية بقرار إلغائها. ووصف محمود غزلان، المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين في مصر (التي تسيطر الآن على ما يقرب من نصف المقاعد في البرلمان)، هذا القرار بأنه "ممتاز"، مشيرا إلى أن مصر "في حاجة ماسة لكل الغاز الطبيعي لتلبية احتياجاتها الخاصة من الاستهلاك المحلي. ووصف الحزب الاشتراكي الديمقراطي الليبرالي المصري هذه الخطوة بأنها "ثمرة حتمية لثورة 25 يناير في مصر". وفي الواقع، فإن سامح فهمى وزير البترول مبارك السابق، هو الآن قيد المحاكمة -جنبا إلى جنب مع ستة مسؤولين سابقين آخرين- بتهمة تبديد الأموال العامة المتعلقة باتفاقية تصدير الغاز. ووفقاً للإدعاء فقد أسفرت هذه الصفقة حتى الآن عما يزيد على 714 مليون دولاراً كخسائر للمال العام. وفي حين نسب قرار إنهاء الاتفاق رسمياً "لأسباب تجارية"، يعتقد محللون مصريون أن القرار كان مدفوعاً بعدة اعتبارات سياسية وإستراتيجية. ويقول المحلل فهمي أن هذه الخطوة تتجاوز العوامل التجارية... فقرار بهذا الحجم يتعذر اتخاذه دون موافقة من المجلس العسكري الحاكم في مصر. ويضيف أن القرار عزز بالتأكيد شعبية كل من المجلس العسكري (الذي حكم البلاد منذ الإطاحة بالرئيس مبارك) والحكومة التي عينها العسكري، وكان كلاهما قد تعرض لانتقادات شعبية حادة بشكل متزايد في الأشهر القليلة الماضية. ولا يستبعد فهمي احتمال التصعيد العسكري حال حدوث المزيد من التدهور في العلاقات. فقبل أيام قليلة من إنهاء صفقة تصدير، وصف وزير الخارجية الصهيوني، افيغدور ليبرمان، مصر بأنها "تهديد أكبر من إيران"، ودعا لنشر قطاعات إضافية على الحدود الجنوبية (لإسرائيل). ونقلت الصحافة العبرية عن ليبرمان قوله،"علينا أن نكون مستعدين لجميع الاحتمالات". وبعد يوم واحد من إلغاء الصفقة، حذر المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري الحاكم في مصر، من أن حدود مصر هي " في خطر دائم". وجاء ذلك في خطاب ألقاه أمام قوات من الجيش المصري الثاني -الذين كانوا يجرون تدريبات في سيناء في ذلك الوقت - ووعد طنطاوي "بكسر أرجل كل من تجرأ بالتعدي على حدودنا". ووفقاً لفهمي، كان تصريح طنطاوي بمثابة رسالة إلى (إسرائيل) بأن مصر مستعدة للدفاع عن أراضيها ضد أي عدوان. وأوضح فهمي أن تصريحات طنطاوي لا يستهان بها، فقد جاءت والجيش المصري الثاني يجري أول تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية في شبه جزيرة سيناء منذ توقيع اتفاقية السلام. وفي تصعيد واضح في الأسبوع الماضي، راجت تقارير تفيد بأن (إسرائيل) تخطط لنشر ما لا يقل عن 22 كتيبة احتياط على حدودها مع سوريا ومصر بسبب "عدم الاستقرار المتزايد" واحتمالات "التهديدات الأمنية" الصادرة عن كلا البلدين. وقد وافق "الجيش الإسرائيلي" بالفعل على طلبات رسمية باستدعاء قوات الاحتياط. ويؤكد فهمي أن التطورات الأخيرة تشير إلى أن "الجيش الإسرائيلي" يحشد قواته على الحدود مع سيناء بهدف التعامل مع مصر من موقع قوة. ويضيف أنه في غياب التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة الراهنة في العلاقات، سيكون من الخطأ استبعاد احتمال نشوب صراع عسكري.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.