يظن الشباب الغزي أن السفر والخروج من قطاع غزة إلى دول الخارج في أوروبا وغيرها سيحسن من حالهم المرير لكن سرعان ما يجدون أمامهم واقع سيء، فكان الهروب من وضع صعب إلى صِدام مع واقع "أصعب".
ارتفاع معدلات البطالة والفقر المدقع وسوء الحالي المعيشي وانعدام أفق الحل السياسي كل أولئك مجتمعات عششن في مخ الشاب الغزي فكرة الهجرة والسفر إلى الخارج بلا رقيب.
وفجأة يفتقد الأهل ابنهم ليجدونه قد سافر بلا إذن رغم رفضهم ذلك، حيث آلاف الشباب لم يعد يطيقون العيش بغزة فالأمل بإيجادهم العمل بات منعدم في ظل شح الفرص واصطفاف عشرات آلاف الخريجين في طابور البطالة.
وتجد الشاب الخريج محمد يحاول بشتى الطرق استدانة مبلغٌ من المال من أقرباءه وأصدقاءه ليوفر تكاليف السفر والوصول إلى ذلك المكان البعيد الذي زُيّن له في مخيلته أنه جنة من الورود، لكن سرعان ما يجده نقمة ويأس وساعات من الندم.
وحين تسأله عن دوافعه للهجرة، فيجيب بأنه يريد الهروب من الوضع الاقتصادي الصعب وإيجاد حياة أفضل، بينما يؤكد أنه سيخوض مغامرة وتجربة جديدة في تركيا أسوة بالكثيرين الذين سافروا من شبح المعيشة المظلم.
الهرب من الواقع المعيشي
وينتظر محمد بفارغ الصبر استصدار الفيزا الخاصة به لكي يتمكن من السفر إلى حيث طموحه وأمله كما يقول.
ويحلم مراهقون وشباب كثر في غزة بالحصول على "فيزا" (تأشيرة مرور) إلى أي دولة أجنبية، لبناء مستقبل ضاع في حاضرهم، على أمل تقديم طلب لجوء الى أي دولة تستقبلهم.
والخروج من غزة بحاجة إلى سلسلة إجراءات من حصول على عقد عمل في الخارج، أو قبول من إحدى الجامعات، أو تحويلة مرضية للعلاج في الخارج، وإن لم يكن فيحاول الشباب الهجرة عبر البحر بدفع مبلغ كبير ولا يأمنون العواقب.
أما الشاب حازم المدني فيسخر من الوضع المعيشي في القطاع بعد أن حط رحاله في تركيا من أجل العمل، مستشهداً بمن هم مثله الذين اعتبر سفرهم لتركيا هروب من الوضع الاقتصادي بغزة.
زنزانة المهاجرين
ويدعو المدني الشاب الغزي الذي يفكر بالسفر إلى تركيا بألا يقدم على ذلك دون وفرة مادية لأنه سيتعرض للإهانة داخل سكن شبابي اعتبره كـ "الزنزانة" حيث يعمل 12 ساعة يومياً وربما يقدر على تحصيل أكله وشربه هناك.
ويبيّن لـ "فلسطين الآن" أن تركيا دولة جميلة وسياحية وليست للفرجة وما تتمناه فيها وتشتهيه لن تناله إلا بعرق جبينك.
ويوافق المدني من يخرج من أجل التعليم والدراسة في جامعات تركيا، معلقاً: غير هيك بلدك أولى فيك برغم صعوبات الحياة.
ونبه إلى أن الأجور في تركيا أصبحت قليلة في ظل تصارع الكثير من المهاجرين على العمل حيث السوريون يعملون هناك بمرتبات قليلة جداً أفضل من لا شيء.
ويشير إلى أن السفر إلى أوروبا عبر تركيا بات أصعب من أي وقت مضى ويستلزم أموالاً كافية لملاءمة الحياة هناك.
والشاب فهمي الدحدوح مثل الشاب المدني غادر إلى تركيا قبل بضعة أشهر من أجل إكمال تعليمه والبحث عن عمل معاً، حيث وجد أن السفر لتركيا من أجل الدراسة أفضل شيء دون غيره، مبيناً أن دراسة الماجستير تكلف ما مقداره 8 آلاف دولار.
ورطة لا مفر منها
ويعرض الدحدوح تجربة الحياة في تركيا فيبيّن أنها غالية جداً خاصة المواصلات، معتبراً أن السفر دون هدف واضح يعد "ورطة".
ويقول: السفر إلى تركيا أفضل حين يكون بعقد عمل رسمي أو دراسة أو منحة دراسية غير ذلك فهو ظلم للنفس.
فيما يسرد الشاب بلال دحبور معاناة الشباب الفلسطينيين في السويد فيقول: "أوروبا من زي زمان، والشباب اليوم تضحي بأرواحها وبتركب البحر وتخسر آلاف الدولارات لتصل".
ويضيف: "يتم حجز الوافد في مكان اسمه "كامب" وهو عبارة عن بناية بها غرف وكل غرفة تضم 4 شبان من مختلف الجنسيات، وبعد انتظار عامين يصدر له قرار الإقامة أو عدمه وبنسبة كبيرة لا".
سُبلٌ متقطعة
وينوه إلى أنه خلال العامين لا يمكن للشاب تعلم اللغة أو العمل ويظل في مقر الإقامة، وهو فعلاً ما يتعرض له شباب غزة المهاجرين من مهانة وطول انتظار هناك".
ويدعو بلال كل شاب من غزة ينوي الخروج إلا يُدم على ذلك لأنه سيندم ندماً شديداً في ظل العيشة الغالية هناك وقلة فرص العمل لتزاحم السوريين هناك، فيما يصف الأمر بأنه مضيعة للعمر بلا فائدة وكأنه "أسر".
أما أم أحمد فهي فتاة عشرينية فاشتكت من الوضع في غزة، وسط حالة نفسية سيئة فباتت هي وزوجها عاجزين عن توفير قوت أطفالهم اليومي، فيما تأمل بأن تسافر مع زوجها وأولادها لكي يعيشوا بحال أفضل وتأمن مستقبلاً لهم.
وتشير إلى أنه لو سنحت الفرصة لعائلتها بالسفر فإنها ستدبر الأموال من أجل تحقيقه.
وحسب إحصائية للمرصد الأورومتوسطي فإن قرابة 3000 مواطن فلسطيني يهاجرون كل عام من قطاع غزة إلى دول الخارج.
ووفقاً للأونروا، فإن ما يفوق 46% من سكان قطاع غزة يعانون من نقص الأمن الغذائي والرعاية الصحية والتعليم، والخوف والقلق المستمرين جراء الحصار الإسرائيلي وسط أوضاع صعبة.
وجميع البيانات الإحصائية تؤكد ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في قطاع غزة بشكل كبير، إذ أن أكثر من ثلث الشباب الفلسطيني يعانون من البطالة ونسبة البطالة في
كما أن نصف الخريجين عاطلين عن العمل بينما أكثر من 40 %من أفراد المجتمع الفلسطيني يعانون الفقر، وحوالي ربع الشباب الفلسطيني من الفقراء مع تزايد وارتفاع لدى فئة الشباب الأعلى تعليماً.
والناظر إلى حال غزة يجد أن مساهمة الشباب في المجتمع تساوي صفراً، حيث الإحباط واليأس والا جدوى والشعور بانتقاص الكرامة الذي خلفه الواقع الصعب الذي أنتجه الحصار الخانق وتناحر الساسة دون منح الشباب الأمل بحياة أفضل.
