26.67°القدس
26.24°رام الله
25.53°الخليل
27.69°غزة
26.67° القدس
رام الله26.24°
الخليل25.53°
غزة27.69°
الإثنين 30 سبتمبر 2024
4.99جنيه إسترليني
5.27دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.17يورو
3.73دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.99
دينار أردني5.27
جنيه مصري0.08
يورو4.17
دولار أمريكي3.73

أعمى باختياره!

46
46

هل واجهت يوما شخصاً متصلبَ الرأي؟ شخصاً تحاول إقناعه برأيك أو رأي الآخرين ، ولكنه يأبى أن يسمع صوتاً غير صوته ، ويقابل كل كلام إضافي بنظرة التسلط والسخط؟ّ

إن وجود أشخاص كهؤلاء يصيبني بدهشة كبيرة ، ليس لأنه أمر مستحيل الحدوث ، لكنني مع كل هذا الانفتاح في تلقي المعلومات وتنوع مصادرها وكثرة القنوات الفضائية وتنامي الجامعات وسرعة الإعلام وغيرها من الأمور ، وجود كل هذا مع تصلب الآراء يدهشني حقاً؟

بعض متصلبي الرأي والأفكار لا يسمحون لك بالكلام البتة ، فيحتكرون دفة الكلام بلا استسلام ، وفي تنامي موجة الكلام ومستوى الصوت قمة انتصارهم ، يستغلون حسن إنصاتك أو احترامك لهم لفرض آرائهم دون متسع لك إلا لتلتقط أنفاسك فقط.

وعادة ما يكون هؤلاء في قمة الغضب ، يصطنعون لأنفسهم حوارا وهمياً لكل شخص من الممكن أن يعارضهم ، ويردون عليهم واحدا واحدا ، فاختر لنفسك ردا يلائمك ، ولكن لا تتكلم!

والبعض الآخر ..يسمح لك ببعض الكلمات ، تقولها في مواجهة كلامه ، فتُرد عليك ، لأنها بمثابة وقود لكلماته الملتهبة ، فكل كلمة تقولها ضدك بطريقة أو بأخرى ، المهم أنك مخطىء ، وهذا ما يحاولون إثباته ، ودائما يحرصون على تأكيد ما يقولون باستدعاء الماضي مركزين على الأخطاء السابقة والكلام الذي دار حوله، فيقفزون بك من موضوع لآخر دون أن تحل موضوعك الحالي الذي يشغلك الآن ، وهكذا تصبح مناوراتك الكلامية وبالا عليك ، فتفضل في تلك الحال ألا تتكلم!

ولعل بعضا منهم يعطيك كل مساحة للكلام، قل ما شئت وعبر عن رأيك ، ولكنه مرفوض مقدما ، تشعرُ أنك في مواجهة جدار عالٍ يستعصيى عليك ارتقاؤه، فلا تجد عتبة ولا نافذة تتعلق بها ، تواجه شخصا مصمتا يسمعك ولكنه لا ينصتُ لك ، تدخل كلماتك مسمعه ولكن يلفظها قلبه ، فتشعر حينها بالإحباط وأنك استهلكت نفسك ، وأنك نادم على كلامك الذي ذهب سدىً .

هذا الإعراض والاستبداد بالرأي ليس غريبا ، فهو موجود في الحياة والتاريخ والذكريات ، ليس الأمر بجديد ، حتى الأنبياء والرسل واجهوا هذا الإعراض ، ولكني أعجب لهؤلاء الناس حين أعطتهم الحضارة كل معرفة وكل حقيقة ، ولكنهم مع ذلك يتحمسون لصحة أفكارهم مهما يكن ، ولستُ أنكر عليهم التعبير عن رأيهم ، ولكني أرثي لحالهم حين لم يتركوا للآخرين فرصة إثرائهم ، فمهما اجتهد الواحد منا لابد أن نظرته قاصرة ، ولا بد له من التثبت والتشاور والعلم حتى يُحكم رأيه ، ومع كل هذا الزخم المعرفي ، يمسى المرء متحسسا طريقه بحذر وترو لينال ما يريد، وليس من الحكمة أن يتعنت لرأيه ويصبح أعمى – باختياره – عن الحقيقة الساطعة .

ليس شرطاً أن تخوض تجربة قاسية لتتعلم ، فأنت تستطيع أن تتعلم من كل شيء حولك ، افتح نوافذ فكرك وكن إنسانا طيعا مرناً ليقبل الآخرون عليك ، كن منصتا بقلبك لمن يحبك ، وتنازل عن غرورك ، واسمع مهما ساءك ما تسمع ، المهم أن تعلم وتصنت ، وعندما تعبر عن رأيك حينها ستجد من يُنصت لك ويتقبل رأيك ، وهكذا الحياة في كل أمرها مشاركة واستفادة .

تصلبُ الرأي آفة فكرية ، ومعضلة إنسانية ، إذا واجهتها يوماً وكان بإمكانك ألا تخوض فيها فافعل ، فالترفع عن مخاطبة السفهاء أجل وأنفع من إضاعة وقتك معهم .