13.9°القدس
13.66°رام الله
12.75°الخليل
18.04°غزة
13.9° القدس
رام الله13.66°
الخليل12.75°
غزة18.04°
الخميس 15 مايو 2025
4.71جنيه إسترليني
5دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.97يورو
3.55دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.71
دينار أردني5
جنيه مصري0.07
يورو3.97
دولار أمريكي3.55

خبر: لماذا تأخر انتصار ثورة سوريا؟!

كثيرون هم الذين يتساءلون كيف أن الثورة التونسية قد حُسِمت في أقل من شهر ليجد الرئيس التونسي نفسه بين عشية وضحاها يتحول من الزعيم الأوحد إلى شخص عادي تكرمت السعودية بإيوائه، بعد إذ لم يجد دولة تستقبله. وكذلك الثورة المصرية فإنها وخلال شهر قد انتهت إلى خلع حسني مبارك وهروبه إلى شرم الشيخ ثم إلى قفص المتهمين. وخلال بضعة أشهر استطاعت الثورة الليبية أن تطارد القذافي وفلوله حتى انتهى الأمر إلى مقتله. وفي اليمن نجحت الثورة في الضغط على علي عبد الله صالح حتى انتهت إلى عزله وتنحيه، ليكون السؤال عن سبب طول مدة الثورة السورية واستمرارها لأكثر من أربعة عشر شهرًا، وحيث المواجهة ما تزال مستمرة بين الشعب وبين النظام الذي ما يزال يبدي مظاهر قوة، بل إن بشاعة جرائمه وكثرة ضحاياه قد توحي للبعض أنه نظام صلب وقوي ومتماسك وأنه لن ينهار مثل سابقيه. لا شك أن واقع الثورة السورية يختلف عن مثيلاتها في مصر وتونس وليبيا واليمن، رغم أن كل المحللين والمراقبين كانوا يستبعدون أي احتمال لتحرك ثوري شعبي في سوريا بسبب ما عرف عن النظام السوري من البطش والقهر ضد معارضيه، حيث أحداث حماة عام 1980 ما تزال ماثلة في أذهان السوريين، وحيث مجزرة تل الزعتر ضد الفلسطينيين عام 1976 ما تزال في الذاكرة فلا تغيب. ولكن ومع حدوث المفاجأة باندلاع الثورة السورية يوم 2011/3/17 بدءًا من مدينة درعا في سهل حوران جنوب سوريا، إلا أن كل العارفين والمتابعين للشأن السوري كانوا يدركوا أن الواقع السوري يختلف، وأن البنية الاجتماعية والطائفية للشعب السوري وآلية النظام البعثي النصيري في إدارة البلاد سيجعل ظروف الثورة السورية تختلف كثيرًا عن مثيلاتها، وأن انهيار النظام لن يكون بنفس السرعة رغم اليقين بحتمية انهياره عاجلًا أو آجلًا. وللوقوف على حيثيات الواقع السوري لا بد من إلقاء الضوء على الحالة الاجتماعية والتركيبة السكانية في سوريا وكيفية إدارة وضبط الجيش السوري وكل الأجهزة الأمنية لتظل على ولاء للنظام السوري الذي يقوده النصيريون متلفعين بعباءة القومية العربية من خلال حزب البعث العربي الاشتراكي، رافعين شعار الممانعة والمواجهة للمشروع الصهيوني. أعلم أن بعض أذناب النظام الدموي السوري سيعتبرون الحديث عن البنية الاجتماعية والطائفية في سوريا سلوكا طائفيا منّي، حيث هؤلاء يسلكون في مناصرة النظام البعثي النصيري الدموي وفق نظرية (عنزة ولو طارت)، ولكن ولأن ما سأورده من معلومات تتحدث عن سنوات ومعطيات سبقت الثورة السورية المجيدة بكثير فإن هذا يعني أن هذا هو واقع النظام السوري وبنية الشعب السوري الاجتماعية يومها واليوم، بعيدًا عن المستجدات في الحالة السورية. وإنني قد اعتمدت على المعلومات والمعطيات من مصادر عدة، لكن أبرزها كان كتاب "الصراع على السلطة في سوريا - الطائفية والإقليمية والعشائرية في السياسة 1995-1961"، ومؤلف هذه الدراسة هو الدكتور "نيقولاس فان دام"؛ سفير هولندا السابق في مصر، والذي تخصص في دراسة الواقع السوري معتمدًا على المقابلات الشخصية وعلى الوثائق الرسمية لحزب البعث وعلى ما كتبه زعماء سوريون وسياسيون سابقون في مذكراتهم. تشير التركيبة العرقية للمجتمع السوري إلى وجود أكثرية عربية تبلغ 82.5%، بينما ينقسم الباقون إلى أقليات كردية 8.5%، وأرمن 4%، وتركمان 3%. وأما التركيبة الدينية فتشير إلى 68.7 مسلمون سنة، و11.5 نصيريون، و3% دروز، و14.1% مسيحيون، و1.5% إسماعيليون. يسكن 75% من النصيريين في منطقة اللاذقية، ويسكن 90% من الدروز في منطقة السويداء جنوب سوريا، بينما يسكن المسيحيون في أغلب المدن السورية خاصة دمشق وحلب وحمص. [color=red]محطات تاريخية هامة[/color] لقد تأسس حزب البعث العربي الاشتراكي في دمشق عام 1940 على يد ميشيل عفلق وهو مسيحي من الروم الأرثوذكس، وكانت نظرية حزب البعث وأيديولوجيته أنه يسعى لبناء مجتمع عربي علماني ذي نظام اشتراكي. وسرعان ما وجد الحزب أنصارًا كُثرًا بين أبناء الطائفة النصيرية والدرزية في محاولة منهم للاستقواء بأيديولوجية الحزب لمواجهة ما سماه البعض تسلط الأكثرية السنية في سوريا، رغم وجود رموز هامة من المسلمين السنة في الحزب؛ أمثال صلاح الدين البيطار وغيره. استطاع حزب البعث أن يصل إلى الحكم بانقلاب عسكري عام 1963، وكان أبرز قادة الانقلاب ثلاثة من النصيريين البعثيين وهم صلاح جديد، الذي أشغل منصب رئيس الأركان، وحافظ الأسد الذي أشغل منصب قائد القوات الجوية، ومحمد عمران الذي كان يرئس قيادة اللواء سبعين المدرع المتمركز جنوب دمشق. وقد عمل هؤلاء الثلاثة على التحويل البعثي الذي طرأ على القوات المسلحة السورية فيما بعد، حيث كان لحزب البعث جناحان؛ عسكري ومدني. ولقد حظي الضباط النصيريون هؤلاء بمساندة ضباط دروز؛منهم وفي مقدمتهم الرائد سليم حاطوم الذي كان يقود نخبة جنود المغاوير المتمركزة قرب العاصمة دمشق، والضابط عبد الكريم الجندي وهو من الطائفة الإسماعيلية، واللواء مصطفى طلاس وهو سني ولكن والدته من الطائفة العلوية، وعبد الحليم خدام وهو سني من بانياس، لكن زوجته نصيرية من عائلة الهواش. واستطاع هؤلاء الحد من سيطرة ونفوذ رئيس الجمهورية الفريق أمين الحافظ، وهو سُني من حلب، إلى أن قاموا ضده بانقلاب عسكري أطاح به عام 1966. هذا ما يذكره مُنيف الرزاز في مذكراته، وهو الذي شغل منصب الأمين العام للقيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي حتى انقلاب 1966. ولقد وصل النفس الطائفي النصيري، متلبسًا بعباءة حزب البعث في سعيه للوصول إلى السلطة، إلى درجة تصريح اللواء محمد عمران النصيري لما قال (إن الفاطمية يجب أن تأخذ دورها)، ويقصد العلويين والدروز والإسماعيليين من ذوي الأصول الشيعية في مواجهة منافسهم أمين الحافظ الذي كان رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة. مباشرة وبعد كل انقلاب عسكري كان الضباط النصيريون يجرون عملية إعفاء للضباط المسلمين السنيين، هذا ما حدث بعد انقلاب 1963 حيث سرح 700 ضابط بإدعاء دعمهم للنظام السابق.وكان نصف من حلوا مكانهم من النصيريين، وكذلك حركة التنقلات التي كانت تجري في التشكيلات العسكرية حيث يجري استبعاد ونقل الضباط غير الموثوق فيهم إلى أماكن بعيدة، وغالبًا ما كان هؤلاء من السنة، بينما بقى في الأماكن الحساسة سياسيًا واستراتيجيًا والقريبة من العاصمة السياسية دمشق والعاصمة الاقتصادية حلب الضباط النصيريون. بعد انقلاب 1966 عين حافظ الأسد وزيرًا للدفاع، وحيث أن توجهه الطائفي كان بارزًا وإن حاول إخفاءه، إلا أنه ظهر عبر سعيه لإقصاء وإبعاد أهم القادة العسكريين البعثيين من غير الطائفة النصيرية. وهكذا فعل مع الرائد سليم حاطوم الدرزي (والذي قتل لاحقًا) بعد محاولته تنفيذ انقلاب عسكري فاشل يسانده الضباط مهند الشاعر وطلال أبو عسلي وحمد عُبيد، وهم دروز، حيث شعروا ببداية تحرك حافظ الأسد لإقصاء الضباط الدروز لصالح ضباط نصيرين. بعد هروب سليم حاطوم من السويداء إلى الأردن، وقبل أن يعود إلى سوريا ثم يُلقى القبض عليه ويقتل صرّح قائلًا: (إن الروح الطائفية تنتشر بشكل فاضح في سوريا وخاصة في الجيش، سواءً بتعيين الضباط وحتى المجندين.وإن الفئة الحاكمة تعمل على تصفية الضباط والفئات المناهضة لها وتحل مكانهم من أتباعها من مختلف المناصب، فقد بلغت نسبة العلويين "النصيريين" في الجيش خمسة مقابل واحد من جميع الطوائف الأخرى). وأما الضابط الدرزي الآخر طلال أبو عسلي، والذي شغل عام 1966 منصب قائد وحدات الجيش السوري على الجبهة السورية مع المؤسسة الإسرايلية فقد تحدث في مقابلة أجراها معه الصحافي المصري الكبير محمد حسنين هيكل يوم 1/10/1966 عن تسلل وتسلط النصيريين على أجهزة الجيش والدولة تحت ستار الحزب: (إذ أن جميع أبناء الوطن هم ضد كل ما هو علوي، وهذا الانقسام قائم في الجيش لدرجة الاقتتال في أية لحظة، وإن هذا سيكون ردًا طبيعيًا على التكتل العلوي المنتحل صفة الحزب)، إنه يقصد بذلك القول إن الطائفة العلوية النصيرية استغلت شعار حزب البعث لتتسلط على كل المواقع المفصلية في الجيش والدولة. في 13/11/1970 قاد حافظ الأسد انقلابا عسكريا ليصبح أول رئيس نصيري لسوريا ومباشرة بدأ ليس فقط في التخلص من معارضيه من الضباط من باقي الطوائف، وإنما وصل به الأمر حد بداية التخلص من معارضيه من البعثيين النصيريين. ففي عام 1972 اغتيل اللواء محمد عمران في منفاه في طرابلس في لبنان، وسبق في العام 1970 وبعد الانقلاب اعتقل اللواء صلاح جديد رفيق دربه وأودعه في السجن إلى أن مات فيه عام 1993. ولقد حاول حافظ الأسد إخفاء توجهه الطائفي بأن عيّن اللواء ناجي جميل- وهو مسلم سُني - قائدًا لسلاح الجو من العام 1978 – 1970 حيث كان الأسد مطمئنًا إلى أن هذا الضابط لن يستطيع القيام بأي نشاط ضده، لأن مسؤولي القواعد الجوية كانوا كلهم من النصيريين.وكذلك الحال مع تعيين اللواء يوسف شكور رئيسًا للأركان، وهو مسيحي أرثوذكسي من حمص. لقد استطاع الأسد وعبر وجود نواة صلبة من الضباط النصيريين حوله، وهم أخوه رفعت الأسد الذي عين قائدا لسرايا الدفاع، وعلي حيدر قائد القوات الخاصة، ومحمد توفيق الجهني قائد الفرقة الأولى، وعلي دوبا رئيس المخابرات العسكرية، وعلي الصالح قائد قوات الدفاع الجوي، وعلي حماد رئيس شؤون الضباط، والعماد علي أصلان نائب رئيس هيئة الأركان، واللواء إبراهيم صافي قائد الفرقة الثالثة، واللواء شفيق فياض قائد الفرقة الأولى، واللواء عدنان بدر الحسن، واللواء فؤاد عيسى مدير المخابرات المدنية. هكذا إذن أصبح زمام الأمر في سوريا تحت سلطة ليس حزب البعث وإنما النصيريين من حزب البعث، ليس النصيريين عمومًا بل المقربين من عائلة الأسد والعائلات المتحالفة معها، وكل ذلك تحت شعار الانتماء لحزب البعث، حيث أشغل إخوة حافظ الأسد الخمسة مناصب هامة في حزب البعث وهم رفعت وجميل ومحمد وأحمد وإسماعيل. يقول الدكتور نيقولاس فان دام: (وإذا أخذنا بالاعتبار أن عدد العلويين السوريين كان يقارب المليون، "الحديث هنا عن مطلع الثمانينات حيث كان مقدار سكان سوريا قريبًا من 12 مليونا، أما اليوم فيبلغ تعداد النصيريين قريبًا من ثلاثة ملايين من بين قريبًا من 30 مليون سوري"، وأن العديد منهم كانوا يحتلون مراكز سلطة حساسة في الجيش والشرطة وقوى الأمن، فمن المتوقع أن تكون مثل هذه المواجهة الطائفية دموية وعنيفة للغاية وغير مضمونة النتائج، وحتى الكثيرين من العلويين ممن عارضوا النظام فإنهم كانوا يشعرون بالتهديد من قبل الأغلبية السنية بغض النظر عن صدق هذا الشعور أو عدم صدقه، ولذلك كان ضباط وجنود وحدات الجيش الأكثر حساسية وإستراتيجية كانوا من النصيريين. وقد فضّل النظام بكل واقعية أن لا يعهد لغير هذه الوحدات مهمة معالجة الاضطرابات الشعبية). هذا ما كان في أحداث حماة عام 1980، حيث كانت النسبة بين جنود وضباط القوات التي حاصرت مدينة حماة عام 1980 كالتالي: جنود اللواء "47" المدرع تصل نسبتهم إلى 70% من غير العلويين و30% من العلويين المخلصين للنظام، أما بالنسبة لضباطه فهي على عكس ذلك؛70% من العلويين و30% من غير العلويين. كما نجد أن اللواء "21" ميكانيكي كان يضم من الضباط العلويين ما نسبته 80%، وأما العنصر العلوي في القوات الخاصة التابعة للواء علي حيدر فقد بلغت 45% بين الجنود، و90% من الضباط، وأما نسبة العلويين بين سرايا الدفاع التابعة لرفعت الأسد فقد بلغت نسبة العلويين فيها 90% من الضباط والجنود. وليس أن النظام الطائفي النصيري متلبس بثوب وعباءة حزب البعث فحسب، بل إنه وبعد المؤتمر السابع للحزب في شهر 1/1980 بدأ سياسة تسليح وتدريب أفراد الحزب المدنيين في مختلف فروع الحزب.يقول الكاتب: (ومنذ ذلك الحين وصاعدًا لم تشترك القوات المسلحة وحدها في سحق أية معارضة مسلحة ب، ل أيضًا جهاز الحزب المدني "الشبيحة" بعد تزويده بالسلاح). وهذا ما يحصل الآن في سوريا في ظل حكم بشار ابن حافظ الأسد، حيث يرتكب الشبيحة - وهم القوات الضاربة بلباس مدني من العلويين البعثيين- أبشع الجرائم ضد الشعب السوري، وكذلك الوحدات العسكرية تحت قيادة ضباط نصيريين. ولا أدل على ذلك من أبشع وأسوأ أعمال البطش والقهر والقمع التي يمارسها هؤلاء ضد أبناء شعبهم، وحتمًا فإن أي خلاف سياسي لا يمكن أن يصل حد استخدام هذه الوسائل لولا أن لؤمًا مذهبيًا طائفيًا متعصبًا يقف خلف هذه الممارسات. لقد اجتهد الرئيس حافظ الأسد في إخفاء انتمائه الطائفي ومحاولة إظهار أنه مسلم، فكان يستهل في أحيان كثيرة خطاباته بعبارات دينية مثل "الله أكبر"، بل إنه كان يستشهد بآيات من القرآن الكريم. وفي بعض المناسبات اعتبر الرئيس أنه من الضروري التصريح علنًا أنه مسلم كما كان في خطابه عبر الإذاعة يوم 8/3/1980 بعد أسبوع من جريمته ومجزرته الدامية ضد أهل حماة وقتله ما يقرب من أربعين ألفًا من أهلها، ومسح أحياء عدة عن وجه الأرض، وتدمير ما يزيد عن مائة مسجد تدميرًا تامًا، وذلك على ما يبدو لأن معظم السكان السوريين السنيين كانوا يعتقدون أن العلويين ليسوا مسلمين ولهذا السبب كان لديهم شك كبير في شرعية حكم الأسد. كما حاول الرئيس حافظ الأسد في العديد من المناسبات بناء صورة دينية تقليدية لنظام البعث العلماني بالصلاة الجهرية في المساجد السنية في معظم الأحيان، بما في ذلك الجامع الأموي الشهير بدمشق."وهذا ما فعله ابنه بشار خلال صلاة عيد الأضحى الأخير في مدينة الرقة، حيث بعض العشائر الموالية له "، أو الظهور علانية في صحبة كبار رجال الدين السنيين، كما فعل ابنه بشار خلال ملازمة المفتي أحمد حسون له أو الشيخ البوطي، أو الاقتباس من آيات القرآن في خطاباته. وقد شيد حافظ الأسد مساجد بما في ذلك في بلدته القرداحة، وهكذا فعل ابنه بشار الذي ذهب إلى حد الزواج من فتاة مسلمة سنية (أسماء الأخرس) في محاولة لنفي أية تهمة له بالطائفية. بين يدي هذه المحطات التاريخية لحكم آل الأسد النصيريين البعثيين لسوريا، وفي ظل ما يقوم به هذا النظام في سوريا فلا بد من الملاحظات التالية: 1. إن حزب البعث قد فشل فشلا ذريعًا في تحقيق طروحاته عبر السعي لبناء الإنسان العربي الاشتراكي العلماني الجديد.وليس أدل على ذلك من انقسامات حزب البعث السوري والعراقي، ثم الخلافات التي حصلت بين أعضاء الحزب من الطوائف المختلفة وحرب كل طائفة لمنتسبي الحزب من الطوائف الأخرى. والأهم من ذلك فإن ميشيل عفلق المسيحي الأرثوذكسي ومؤسس حزب البعث العربي القومي فإنه قد ثبت أنه اعتنق الإسلام بطريقة غير علنية في أواخر أيامه، حيث دفن في بغداد كمسلم بعد أن توفي في المنفى بباريس يوم 1989/6/23 عن عمر يناهز التاسعة والسبعين، مع ما في ذلك من إشارات واضحة إلى فشل الطرح العروبي القومي العلماني. 2. إن حزب البعث، عبر قيادته النصيرية في سوريا، قد استغل قضية فلسطين وزعم أنه دولة ممانعة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، رغم أن الكل يعلم أن أربعين سنة من عمر هذا النظام كانت تمثل سنوات ذهبية للأمن الإسرائيلي في جبهة الجولان. ولقد قال بيان القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي: "أيها الرفاق: إن عقائدية الجيش لا بد أن تكون تمتينًا لعسكريته لا تمييعًا لها، إن معركة فلسطين على الأبواب ولا بد من اتخاذ كافة التدريبات العسكرية لخوضها". إنها معركة فلسطين التي لم تأتِ منذ أربعين سنة من الشعارات الكاذبة والفاضحة، بل إنها معركتهم الحقيقية ليس ضد المؤسسة الإسرائيلية، وإنما ضد الفلسطينيين في مخيمات لبنان، وضد السوريين في حماة وحمص، بل إنها ضد المسلمين. 3. إن دموية نظام بشار الأسد وما يرتكبه جيشه، وإن استمرار هذا الجيش بهذا الزخم من الجرائم إنما يشير إلى أن أجهزة الحزب المدنية (الشبيحة) وأن قوات النخبة والوحدات التي تقاتل الشعب هي في غالبها تحت قيادات علوية حاقدة. 4. مع حالة الانشقاق في الجيش السوري، ومع كثرتها واتساعها، إلا أننا لم نسمع إلا نادرًا عن ضباط في رتب رفيعة قد انشقوا، والسبب أن كل المواقع العليا القيادية قد أصبحت من الضباط العلويين، حتى أن الترقيات العسكرية تقف عند رتب معينة لا يتجاوزها إلا الضباط العلويون. 5. إن القواعد العسكرية الجوية تحت قيادات علوية، بل إن أغلب الطيارين القتاليين وقادة الدبابات هم من أبناء الطائفة العلوية، وذلك لضمان عدم مشاركتهم في أي انقلاب عسكري، ولهذا فإن سلاح الجو السوري وسلاح المدرعات ما يزال قوة ضاربة بيد النظام وليس ضده، وطبعًا ضد الشعب السوري وليس ضد المؤسسة الإسرائيلية. 6. إن النظام السوري ما يزال يخوف أبناء الأقلية العلوية رغم وجود معارضين كثر له من أبنائها، وكذلك الدروز والمسيحيين، من أن زوال نظامه يعني عودة تسلم السُنة للقيادة، وهذا معناهُ وصول المتطرفين والإرهابيين الإسلاميين وتسلمهم للحكم، ما يعني خطرًا حقيقيًا على هؤلاء في وطنهم، وهذا التخويف هو لضمان ولائهم له ووقوفهم إلى جانبه، ولهذا كان القرار سريعًا مع بدء الثورة السورية بتعيين اللواء داوود راجحة – وهو مسيحي- وزيرًا للدفاع. 7. إن كل قيادات الأجهزة الأمنية الأربعة عشر، المخابرات الجوية، والمخابرات العسكرية، والمخابرات المدنية، والأمن السياسي وغيرها حيث في كل مدينة فرع لهذه الأجهزة، كل هؤلاء القادة هم من أقرب المقربين إلى عائلتي الأسد ومخلوف العلويتين وحلفائهما، وفي التالي فإنه الضبط الشديد لمجريات الساحة السورية، حيث أنهم لا يثقون بغيرهم من العلويين وطبعًا من باقي السورين. 8. لم يعد خافيًا الانتماء الطائفي النصيري ذو الأصول الشيعية الأكثر تطرفًا وانحرافًا. ولا أدل على ذلك من تصريحات القادة الإيرانيين، وكذلك حسن نصر الله، ودعمهم لهذا الهلال الشيعي الذي يتواصل بين إيران وجنوب لبنان مرورًا بالعراق وسوريا، وإلا فما معنى هذا الدعم الكبير الذي يحظى به بشار الأسد من نوري المالكي، رئيس وزراء العراق ذي النزعة الشيعية المتطرفة، وهو أشهر عملاء وأعمدة أمريكا في المنطقة؟ فهل تصمت أمريكا عن دعم المالكي لبشار، أم أن كل هذا بإدارتها وتوجيهاتها، حيث كلاهما يؤدي لأمريكا دورًا هي تحدده؟ 9. مع كل ما في هذا النظام من مظاهر قوة، ومع شديد بطشه وظلمه، ومع هذه التركيبة الاجتماعية والطائفية والعشائرية المعقدة، والتي تختلف عن أية دولة أخرى فإن حتمية زوال هذا النظام لا شك فيها. صحيح أن المدة قد طالت، وأن الثمن كان باهظًا وأن سيل الدم ما يزال يتدفق، إلا أن الإصرار والعناد وعدم الخوف باتت من أهم سمات الشعب السوري البطل. إنه صراع بين إرادتين؛ إرادة القوة وإرادة الحرية. وحتمًا ستنتصر إرادة الحرية والكرامة بإذن الله مهما طالت الأيام، ولن يختلف مصير بشار الأسد عن مصير من سبقوه من الطواغيت؛ مبارك والقذافي وبن علي. ومهما أعطاه المجتمع الدولي المنافق والمتواطئ من فرص للقضاء على الثورة، ومهما تلقى من دعم من إيران ومن حزب الله ومن روسيا، إلا أن إرادة الشعب السوري ستمضي حتى تزيل عار وظلم أربعين سنة من الحكم البعثي النصيري الفاسد.فلم يعد السؤال:هل سيسقط نظام بشار الأسد النصيري أم لا؟ وإنما السؤال: متى وكيف؟! وإن غدًا لناظره قريب