اعتقد أننا تعودنا وبشكل تلقائي على التسويف، فنظام الحياة حول العالم هو بيئة مشجعة للتسويف. ومنذ الطفولة نعرف هذه الجمل التي تقال بشتى اللغات (على المستوى الشخصي): عندما أكبر سوف ………… عندما أتزوج سوف ……… وبعدما احج سوف ……… وعندما يتوفر لدي الكثير من المال فسوف ….. ولو تبحرت أكثر لوجدت أكثر من مئة جملة تسويف. هل هناك خلل في التسويف؟ الجواب القاطع هو: نعم. لأن التسويف لا يفعل شيئاً سوى تأكيد وتكريس عادة التسويف. ومن أرض الواقع هناك الكثير من المشاريع التي تعتبر من إحدى بنات التسويف!! فما بين بداية الفكرة وتطبيقها شهور وسنوات! وما بين كل خطوة وأخرى شهور وسنوات! وربما أكثر قليلاً او أقل. وهناك بعض المشاريع العربية والخليجية مازالت في مرحلة البناء رغم أن المشروع دخل في مدة تزيد على 10 سنوات!!! يا ترى ما هي أسباب هذا التسويف؟ ضيق الوقت. انتظار الدراسة النهائية من الخبير الاستشاري. استسهال الموضوع وأنه سيحدث بسرعة متى أردنا. قلة الحماس. انتظار اعتماد الميزانية. ولو فتحت الباب لسرد الأسباب فهناك الكثير الكثير (على المستوى المؤسسي). شاركت مؤخراً في صف دراسي عبر شبكة الانترنت e-Learning session تحت عنوان الرقص في المطر. استخلصت منه أننا نرى إنجاز الأمور مرتبط بمثالية الوضع الذي نعيشه. وكانت الفكرة هي أن تعيش أيامك وتحاول الإنجاز مهما كانت الظروف، فلا تختبئ في منزلك وقت المطر. فنحن نرى الحياة عادية عندما يكون الوضع السياسي والاجتماعي والصحي والمالي والبيئي ..و ..و ..في ضع مثالي أو عادي. فتبرمج العقول على أنه لا يمكن تحقيق النجاح في ظل التوتر السياسي، كما أنه لا يمكن أن ينجح الشخص وهو يعاني مرضاً مزمناً أو إعاقة جسدية. وكذلك لا يمكن أن نساهم في الحياة العملية ونحن على مقاعد الدراسة. والمثير للاهتمام فعلاً أنه مامن تغيير حدث في هذه الدنيا ألا بعد حدث غير عادي أو غير مثالي أي عكس ما تبرمج عليه عقولنا تماماً.. فنهضة اليابان ظهرت بقوة بعد ضرب هيروشيما وناجازاكي بالقنبلة الذرية عام 1945. ومبادئ التميز في المؤسسات الصناعية ومعايير الجودة بدأت تطرق الأبواب أثناء الحرب العالمية الثانية. معظم الشركات الصناعية الناجحة الآن خدمتها ظروف الحرب بشكل كبير في الانتشار وتصنيع المزيد والمزيد من المنتجات مثل شركة سوني وفولكس واجون وبي أم دبليو وعشرات الشركات. ومن الناحية الشخصية افتخر العالم ومازال يفتخر بعلماء ومبدعين وقادة عانوا مرضاً مزمناً أو إعاقة جسدية كبيرة أوظروفاً اجتماعية وسياسية قاسية. فعلى سبيل المثال: هلين كيلر أول ضريرة تحصل على درجة جامعية وتصبح فيما بعد مؤلفة شهيرة وصاحبة رؤى سياسية. ستيف هوكينغ عالم الفيزياء البريطاني الذي يعاني ضموراً في في الأعضاء ويكاد يكون ميتاً على كرسي مدولب. طه حسين أعمى البصر ولكن بصيرته جعلت منه عميد الأدب العربي. وعائلة هيوت .. والكثير الكثير من الأبطال الرياضيين الذي يعانون إعاقات جسدية كبيرة في بعض الأحيان. الأمثة المذكورة ليست حصرية .. بل يوجد مثلها بالمئات والألوف حولنا وفي محيط عائلاتنا ومعارفنا وحول العالم وعبر التاريخ، ورغم اختلاف ثقافاتهم والعصور التي عاشوا فيها. لنعلم جيداً أنه لا يوجد وقت مثالي للنجاح والإنجاز.. إن كنت في غابة فاحتطب، وإن كنت في بحر فألق شباكك وإن كنت تحت المطر فارقص بسعادة ولا تخشى البلل. فالتأجيل هو كنز البخيل الذي لا يخدمه في حياته ولكنه يحاسب عليه في مماته.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.