18.34°القدس
19.08°رام الله
17.19°الخليل
24.3°غزة
18.34° القدس
رام الله19.08°
الخليل17.19°
غزة24.3°
السبت 05 أكتوبر 2024
5.01جنيه إسترليني
5.39دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.82دولار أمريكي
جنيه إسترليني5.01
دينار أردني5.39
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.82

السعودية تراهن على معظم الصندوق

تسفي برئيل
تسفي برئيل
تسفي برئيل

رصاصة البدء، التي اطلقت يوم السبت مع اعتقال 11 أميرا ووزيرا سعوديا بأمر من ولي العهد محمد بن سلمان، تتطور الى طوفان أدى الى اعتقال بضع عشرات من اصحاب المناصب، الأمراء، والشخصيات العامة – وتجميد أكثر من 1.200 حساب بنكي يشتبه بأصحابها بأعمال غير قانونية من الفساد وتبييض الاموال. ليس معروفا بعد الى أين يسعى الامير محمد وكم مسؤولا في القيادة السعودية يندرجون في "القائمة السوداء" التي يحرص منذ بضعة اسابيع على اعدادها.

التقدير السائد بين المحللين السياسيين في الدول العربية وفي الغرب هو أن مشروع التطهير موجه اساسا لتعزيز مكانة محمد وابعاد الخصوم السياسيين، الذين لم يخفِ بعضهم انتقاده على سياسته العنيفة. وفي نفس الوقت مفهوم ايضا بان اعتقال بضع عشرات من اصحاب رؤوس الاموال البنكيين والسياسيين لا يمكنه أن يقتلع الفساد البنيوي في المملكة. ستكون حاجة الى اصلاح عميق – ربما اصلاح لن تتمكن دوائر المحافظين المتنفذين من احتماله – من أجل تغيير ثقافة الفساد التي شاعت في كل اجهزة الحكم وتسللت ايضا الى القطاع الخاص.

ولكن في هذه المرحلة فان السؤال المقلق هو هل ولي العهد، الذي سيحل على ما يبدو محل أبيه سلمان، بينما هو لا يزال على قيد الحياة والا ينتظر حتى وفاته، قد أخذ رهانا محسوبا: هل المملكة التي تدار كعائلة، ستقبل بخنوع مبادرات الملك وابنه – أم من المتوقع أن تشهد انتفاضة سياسية واقتصادية في أفضل الأحوال ستوقف خطوات ولي العهد، وفي اسوأ الاحوال واكثرها تخويفا ستؤدي الى تغيير رؤوس الهرم وتدخل المملكة في عصر من عدم الاستقرار.

انعدام اليقين هذا تسبب منذ الان لان يعرض المحللون الاقتصاديون في الغرب على زبائنهم الانتظار لستة اشهر على الاقل قبل ان يقرروا استثماراتهم الجديدة في السعودية. فالشركات التي تعمل في الدول العربية وفي الغرب والمرتبطة بالتجمعات التجارية السعودية الكبرى التي اعتقل رؤساؤها هذا الاسبوع، سارعت الى تهدئة اصحاب الاسهم – وشرحت بان هذه شؤون داخلية لا صلة ولا تأثير لها على سلوك الشبكات ونشاطها. ولكن هذه الايضاحات لم تنجح في تلطيف حدة هبوط اسعار اسهم شركات الملياردير وليد بن طلال المتفرعة، والتي قبل اسبوعين فقط القى كلمة في مؤتمر للمستثمرين عقد في الرياض وبسط امامهم مخططات المستقبل. لم يتصور احد في حينه بان يجد المحاضر نفسه معتقلا في فندق ريتس كرلتون منقطعا عن الهواتف والتلفزيون وهو ينتظر مع باقي المعتقلين ما هي نية الحكم السعودي العمل به.

بحكم كونه رئيس مجلس مكافحة الفساد، الذي تشكل على عجل عشية الاعتقالات، يمسك محمد بن سلمان في يديه صلاحيات واسعة للغاية تتضمن مصادرة الاملاك واستعادة الاموال التي تحققت بالخداع الى الدولة. لا حاجة لقبض التنفس انتظارا لإجراء قانوني مناسب يسند بشهادات ويعرض أدلة على تبييض الاموال وغيرها من أعمال الغش. فمثل هذه الادلة، اذا ما عرضت، ستضر بشريحة واسعة من رجال الاعمال السعوديين، وبقدر لا يقل عن ذلك – بشركات اجنبية أدخلت الاموال الى جيوب الوسطاء، وهم في معظمهم مقربون من البلاط الملكي، إذ انهم هم وحدهم يمكنهم ان يمنحوا العطاءات لأصحاب المصالح. والافتراض هو أن بضع مليارات الدولارات التي صودرت من حسابات المعتقلين ستنقل الرسالة وستبطن أيضا صندوق الدولة الذي يوجد في حالة عجز.

منذ أزمة النفط التي نشبت في 2014، وذلك بقدر غير قليل بذنب السعودية، جمدت المملكة مشاريع عديدة في مجالات التعليم، الطب والمواصلات بمبلغ اجمالي يتجاوز 20 مليار دولار. وهي مدينة بالمليارات لشركات اجنبية، في أن ربع الدين فقط سد هذه السنة. أما رؤيا "السعودية 2030"، التي تستهدف تنويع مصادر الدخل وتقليص التعلق بالنفط، وان كانت دشنت بصخب كبير، الا انها ستتطلب استثمارات ضخمة، والاساس نقل الاقتصاد السعودي من التعلق بنحو 10 مليون عامل اجنبي، وتشغيل عمال سعوديين.

المشكلة هي أن السعوديين اعتادوا على مدى السنين الا يعملوا في أعمال بسيطة، أما الاعمال المعقدة التي تتطلب تأهيلا مهنيا متطورا وتعليما تكنولوجيا عاليا – فليس جهاز التعليم السعودي مبنيا لها بعد. ثورة كهذه قد تكون ممكنة، ولكن ستمر سنوات الى أن يقوم جيل يتمكن من الحلول محل الفنيين، المهندسين، المبرمجين ورجال الادارة الاجانب. ومع ان قوانين المملكة تفرض غرامات على الشركات والاعمال التجارية التي يكون معظم عمالها أجانب، كما أنها تسن أنظمة متشددة في كل ما يتعلق بإصدار تأشيرات العمل للأجانب  الا ان التحول السعودي للعمل لا يزال يوجد في مهده، وكذا الاعتقالات الاستعراضية للعمال الاجانب واعادتهم الى أوطانهم لم تنجح حقا في تقليل عددهم.

كما بدأت السعودية خطة الخصخصة للشركات الحكومية – والمخزون الاهم، شركة النفط الوطنية "أرامكو" ستعرض في قسم منها على البيع للجمهور، مما سيحقق نحو 100 مليار دولار. على الطاولة توجد ايضا اقتراحات لبيع نواد رياضية في ملكية الدولة، بعض من البورصة وحتى اقامة قاعات سينما وترفيه باستثمار 2.7 مليار دولار. كل هذا يبدو جميلا على الورق، ولكن من الصعب التقدير كيف ستنزل هذه الاقتراحات في حلق الدوائر المحافظة القوية والجمهور.

 الموضوع هو أن خطة التنمية السعودية واغراء المستثمرين الاجانب تتطلب استقرارا سياسيا، بدون ستجد المملكة صعوبة في تنويع مصادر دخلها. وهكذا، حتى اذا افترضنا بان حملة الاعتقالات تستهدف نقل رسالة مكافحة للفساد والصعود الى مسار الشفافية – الا انها تقلق ايضا المستثمرين المحتملين، ممن لا يعرفون بعد كيف سيبدو وجه الدولة بعد اسبوع، أو سنة.