19.46°القدس
19.41°رام الله
18.3°الخليل
25.96°غزة
19.46° القدس
رام الله19.41°
الخليل18.3°
غزة25.96°
الإثنين 30 سبتمبر 2024
4.99جنيه إسترليني
5.27دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.17يورو
3.73دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.99
دينار أردني5.27
جنيه مصري0.08
يورو4.17
دولار أمريكي3.73

رحلة إلى جزر هاواي التي يُعرف سكانها بحسن الضيافة

5
5

تعد كلمة "ألوها" فهوما قانونيا نشأ لدى سكان جزر هاواي، انطلاقاً من ضرورة أن يعيشوا في سلام، وأن يعملوا جنباً إلى جنب بانسجام مع الأرض، ومع معتقداتهم الروحية.

بعد ظهر اليوم الثاني من بداية وصولنا إلى هاواي، استيقظت مترنحاً من قيلولة كنت في أشد الحاجة إليها لاستعادة قواي. جررت أقدامي إلى المطبخ حيث كانت صديقتي تجلس مع موظف من شركة الكابل (التلفزة والاتصالات)، الذي حضر ليركب لنا الإنترنت، الأمر الذي نحن بحاجة ماسة إليه لأن منزلنا يقع في واد لا تصله إشارات الهاتف النقال.

غير أنني أدركت أنهما لم يكونا يتحدثان عن الإنترنت. فقد كان يدعوها للذهاب معه لاصطياد الخنازير البرية.

ومع مضي ساعات اليوم، ازدادت الأجواء ألفة. فقد توقفنا عند مزرعة قريبة للأفوكادو، حيث قدم لنا حارس المزرعة بعضاً من تلك الفاكهة كنوع من حسن الضيافة. وعندما وصلنا إلى نهاية طريق للمشي الطويل، أو هكذا ظننا، عرض علينا أب وابنته من المارة أن يريانا الجانب السري الإضافي من الطريق الذي يؤدي إلى جبل ينحدر منه جدول ماء، ينبثق عن شلال غير ظاهر للعيان.

وفي مناسبة أخرى، توجهنا إلى شاطيء المحيط لنمارس السباحة، عندما حذرنا شخص على الشاطيء من أن السباحة غير آمنة بسبب قوة التيار، ومن ثم عرض علينا تناول البيرة ودعانا إلى أن نذهب للتجديف.

ربما أمكن شرح هذه التجارب المتعلقة بمعاملة الناس لنا بطرق متعددة، لكن إحدى هذه الطرق على الأقل هي مفهوم "ألوها"، الذي يعني عملياً القانون الذي يحكم تصرفات الناس هنا.

ويزور هاواي الآن حوالي تسعة ملايين سائح كل عام، و "ألوها" كلمة يسمعها غالبية السياح خلال الوقت الذي يقضونه في جزر هاواي، وهي تستخدم بديلاً عن كلمتي مرحباً وإلى اللقاء، ولكنها تعني أكثر من ذلك بكثير.

"ألو" تعني وجهاً لوجه، وها تعني شهيق الحياة"، حسبما تقول دافيانا مكريغور، وهي مؤرخة من هاواي ومشاركة في تأسيس قسم الدراسات الأخلاقية في جامعة مانوا في هاواي. لكن مكريغور تبدي أيضاً ملاحظة مفادها أن هناك تفسيرات متعددة للكلمة، وهي كلها صحيحة رغم أنها أقل رصانة من ناحية لغوية.

أحد هذه التفسيرات التي يمكن تذكرها أشارت إليه الزعيمة الراحلة بيلاهي باكي، في مؤتمر عقد عام 1970 كان بعنوان "هاواي 2000"، حيث التقى المجتمعون لتدارس ماضي وحاضر ومستقبل جزر هاواي.

لقد كان ذلك المؤتمر مناسبة تباينت فيها الآراء في الجزر حول فيتنام وغيرها من القضايا السياسية، ووقفت خلاله بيلاهي باكي، الزعيمة الروحية لهذا القانون، لتلقي خطاباً عاطفياً مؤثراً عن المعاني الروحية لمفهوم "ألوها"، أو بمعنى آخر، الرمز السري الروحي والثقافي الفريد لجزر هاواي، والذي يوحد ولا يفرق.

في ذلك الخطاب، قسمت كل حرف من حروف كلمة "ألوها" إلى جملة من الجمل. وبات ذلك الخطاب هو القاعدة التي قام عليها قانون "ألوها" الروحي، والذي يفرض في جوهره العطف والاحترام للآخرين، والذي جاء فيه: "أكاهاي تعني التعبير عن العطف بكل رقة، ولوكاهي تعني التعبير عن الوحدة بكل وئام، وأولو تعني التعبير عن التواضع بنوع من الحياء، وأهونوي تعني التعبير عن الصبر بأسلوب مثابر".

ورغم أن قانون ألوها الروحي لم يصبح رسمياً حتى عام 1886، إلا أن أصوله متجذرة بعمق في ثقافة هاواي الأصلية. وهو عبارة عن مفهوم نشأ من ضرورة أن يعيش أهل الجزر معا في وئام مع الأرض، ومع معتقداتهم الروحية، كما أخبرتني مكريغور.

إنه أمر منطقي. فهاواي أكثر بقعة مأهولة معزولة في العالم، حيث يبعد عنها ساحل كاليفورنيا 2400 ميل، بينما تبعد عنها اليابان حوالي 4000 ميل.

وهي جزر صغيرة الحجم والمساحة، بحيث يمكن السير من أقصاها لأقصاها (كما هو الحال في ماوي حيث أقطن) بالسيارة خلال يوم واحد.

لذا، لا توجد جسور تربط بين الجزر، حتى السفر داخل الجزيرة الواحدة أمر ليس سهلاً. ويبدو أنه في مواجهة هذه العزلة، لا مفر من التأقلم مع المكان.

وتقول مكريغور: "أسلافنا الذين واجهتهم العزلة، احتاجوا إلى التعامل مع بعضهم البعض، ومع الأرض التي هي محدودة الموارد، بكل احترام. وفيما يتعلق بسكان هاواي، فقد كان الاعتماد الأساسي في العمالة على الإنسان. لذلك كانت هناك حاجة للعمل الجماعي لدى العائلات الممتدة، حيث تبوأت علاقات المحبة والاحترام مكانة مرموقة".

وتضيف أن هاواي كأي مكان آخر، تعيش مشاكل سوء استخدام السلطة. لكن هناك ما يدل على أنه إذا لم يتصرف المسؤول وفقاً لقانون ومفهوم "ألوها"، فإن أهالي هاواي المحبين للسلام سيجدون وسيلة للتخلص منه.

ولا يوجد اختلاف كبير بين الماضي وبين الكيفية التي يطبق فيها قانون ألوها هذه الأيام. فبحسب مكتب النائب العام للولاية، فإن القانون رمزي بشكل كبير، لكن ذلك لا يعني أنه غير مجد أو عديم الفائدة، خاصة عندما ينحرف السياسيون ورجال الأعمال عن الطريق القويم.

"هذا القانون من المستحيل عملياً فرضه لأنه عبارة عن فلسفة تحمل أسلوباً للحياة، و قواعد متعارف عليها للسلوك. مع ذلك، فإن جميع المواطنين والمسئولين في الحكومة ملزمون بالتقيد بهذا القانون" كما تقول دانا فيولا، نائبة النائب العام لهاواي في رسالة بالبريد الإلكتروني.

وتضيف قائلة: إذا لم يعمل مسؤول حكومي أو رجل أعمال بموجب روح ألوها، فربما يفقد منصبه أو يخسر تجارته، أو يشهر به علناً، "ولذلك فالعواقب وخيمة".

لكن وينديل كيكايلوا بيري، الأستاذ المساعد في كلية هاواي للمعرفة، والذي درس بعمق قانون ألوها الروحي، يقول إن القانون ليس إيجابياً دائماً.

ويضيف: "تستخدم الفلسفة الروحية 'ألوها' للقول إن كل من في هاواي يمكن أن 'يشعر' وينبغي أن يقبل حب البشرية، ويقول إن هذا المعنى الروحي يتخطى العنصر والاختلافات، ويحافظ على التجمع والعمل الجماعي والمساواة. وهذه مشكلة، لأنه يتجاهل جميع التعقيدات الموجودة بالفعل في حياتنا ومجتمعاتنا".

ويتابع: "ربما في يوم جيد، يمكن أن يدعم القانون حقوق أهالي هاواي. لكن في يوم سيء، يمكن أن يستخدم لإسكات سكان هاواي الأصليين الذين يحتجون على غياب العدالة في الجزر".

ويضيف: "وعندما يحدث ذلك، يكون هذا المفهوم الذي يستخدمونه جزءاً من 'السلبية' بحجة الحرص على عدم تعكير صفو الهوية الأصلية التي خلقت ونشأت خلال الاحتلال والسيطرة الأمريكية".

لكن إذا ألقيت نظرة على آلاف النقاشات التي جرت علناً خلال الاحتجاجات، وعلى صفحات الصحف الصادرة بلغة هاواي المحلية، فمن الواضح أن السلبية ليست السلوك الثقافي الوحيد لأهالي هاواي.

قبل وفاة باكي، التي اقترحت هذا القانون وروجت له، يُروى أنها قالت إنه بوجود قانون "ألوها" وما يتضمنه من الاحترام المتبادل "يمتلك سكان هاواي القوة لإنقاذ الثقافة العالمية". ورغم أن قانون ألوها الروحي ينطوي على سلبيات، إلا أنه مازال يحظى بمراعاة كل من يعيشون في هاواي.

"يتحدث زوار هاواي عادة عن جمال الجزر، لكن الجزء الأكثر بروزاً في تجربتهم هو الناس، وكم هم طيبون"، كما يقول النائب عن ولاية هاواي، تولسي غابارد.

ويضيف غابارد: "الناس في الولايات المتحدة وبقية العالم يريدون السلام، بالعيش حقاً في ظل قانون ألوها، أي أن نحمل مشاعر الحب والاحترام للآخرين، وسوف نتمكن من التغلب على هذه الخلافات، وأن نجد حلولاً تخدم رفاهية الإنسان وتحافظ على كوكبنا".