18.33°القدس
18.04°رام الله
17.19°الخليل
23.18°غزة
18.33° القدس
رام الله18.04°
الخليل17.19°
غزة23.18°
الجمعة 04 أكتوبر 2024
4.99جنيه إسترليني
5.37دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.2يورو
3.8دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.99
دينار أردني5.37
جنيه مصري0.08
يورو4.2
دولار أمريكي3.8

الإسلاميون كيف يتحاشون الصدامات الخاسرة؟

بسام ناصر
بسام ناصر
بسام ناصر

لعل من نافلة القول الإشارة إلى أن غالب الحركات الإسلامية السياسية باتت مستهدفة بشكل مباشر، خاصة بعد أحداث وفصول الربيع العربي، وما آلت إليه انتفاضاته الشعبية من محاصرة وإجهاض، كان الخاسر الأكبر فيها تلك الحركات، بكل ما تجرعته من مرارة التضييق والملاحقة، وما أصابها من أهوال الاعتقالات وكل صنوف المعاملة القاسية.

كما إن الأنظمة الاستبدادية لا تحتاج –في كثير من الأحيان- إلى ذرائع مقنعة لمحاربة تلك الحركات وخنقها، فهي إن لم تجد تلك الذرائع صنعتها وأوجدتها، وهي لا تتواني في شن أقسى حملات التضييق والملاحقة والاعتقالات والمحاكمات الجائرة بحق قادة تلك الحركات ورموزها وكوادرها، عبر تسخيرها لكل مؤسسات وأدوات وآليات الدولة الحديثة لتنفيذ تلك السياسات القمعية بحق تلك الحركات.

ومع التسليم بوجاهة ذلك التوصيف، إلا إن عقلاء تلك الحركات قادرون بحكمتهم وحصافتهم على تجنيب تلك الحركات الدخول في صدامات مع تلك الأنظمة محكوم عليها سلفا بالخسارة الكبرى، ولا يكون ذلك ابتداء إلا بالقناعة التامة بأهمية الأخذ بموازين القوى في أي مواجهة مفترضة، وهو ما قرره القرآن الكريم بكل وضوح في الآية 66 من سورة الأنفال.

ويجدر بقادة تلك الحركات ومنظريها وصانعي سياساتها وقراراتها التنبه الدائم إلى أن ما تسعى إليه حركاتهم من تغيير الأوضاع القائمة، سواء بتوسل منهجية الإصلاح التدريجي أم منهجية التغيير الانقلابي الجذري، يستدعي استنفار تلك الأنظمة بصورة دائمة، ووضع تلك الحركات في مرمى الاستهداف الدائم والمباشر، خاصة تلك الحركات التي تتبنى منهجية التغيير الجذري.

فمقاصد تلك الحركات معروفة ومكشوفة لكل الأنظمة السياسية، وبالتالي لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تدابير جدية تستهدف تقويض أركان حكمها وسلطتها، وهو ما يدفعها دائما لقصقصة أجنحة تلك الحركات، وتقليم أظافرها كلما طالت بحسب تقديرات أجهزتها المعنية برصد ذلك ومتابعته.

ومن خلال المعايشة والرصد الدقيق والمتابعة اللصيقة، فإن كل منهجيات الإصلاح والتغيير التي تتبناها غالب الحركات الإسلامية السياسية غير قادرة على تحقيق ما تصبو إليه، وتتطلع لتحقيقه وإنجازه، لأسباب ذاتية داخلية وأخرى موضوعية خارجية، بمعنى واضح وصريح فإن كل التصورات والتدابير الموضوعة لتحقيق ذلك عاجزة وقاصرة عنه.

يضاف إلى ذلك كله أن النظام الدولي بتركيبته الحالية لا يرحب أبدا بقيام كيان سياسي تكون على رأسه أي من حركات "الإسلام السياسي"، ما يعني أن أي فرصة تلوح –إن كان ذلك ممكنا بالطبع– لإقامة ذلك الكيان فإن استهدافه الخارجي بالطرق المباشرة وغير المباشرة سيقوض ذلك الكيان، خاصة مع عدم وجود تصورات لدى تلك الحركات لحماية إنجازها والمحافظة عليه هذا لو قدر قيامه على أرض الواقع.

لذلك كله فإن قناعة تلك الحركات بضرورة الأخذ بميزان القوى، وبناء سياساتها ومواقفها واتخاذ قراراتها بناء على شروطه ومعطياته، والاستحضار الدائم لشراسة الأنظمة السياسية في الدفاع عن وجودها، واستبسالها في حماية كيانها السلطوي، مع التأكيد الدائم على عدم ترحيب النظام الدولي بأي كيان سياسي تقوده تلك الحركات، ينبغي أن يحملها حملا على تحاشي الدخول في أي صراعات سياسية جدية مع الأنظمة، فضلا عن الصدامات المسلحة والمواجهات الدموية.

ولا يعني ذلك بحال القعود عن العمل، بل الانهماك الجاد في الأعمال والنشاطات العلمية والدعوية والخيرية التي تتيحها الأنظمة إياها، أخذا بتحصيل الخير الممكن والمقدور عليه، بعيدا عن العيش في عالم الأوهام، والبناء على تقديرات زائفة وغير حقيقية.

ليست هذه رؤية متخاذلة أو مخذلة، بقدر ما هي واقعية وشرعية في الوقت نفسه، تروم تجنيب تلك الحركات –قدر الاستطاعة والإمكان– الدخول في صراعات ليست أهلا لها، وهي تكلفها ما لا تطيقه من الكلف الباهظة، وتفضي في نهاياتها إلى مالآت مأساوية مفجعة.