18.08°القدس
17.83°رام الله
17.19°الخليل
23.61°غزة
18.08° القدس
رام الله17.83°
الخليل17.19°
غزة23.61°
الإثنين 30 سبتمبر 2024
4.99جنيه إسترليني
5.27دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.17يورو
3.73دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.99
دينار أردني5.27
جنيه مصري0.08
يورو4.17
دولار أمريكي3.73

أعظم المهمات.. تربية الأجيال

3
3
محمد سعيد بكر المحاور

- يقول الله تعالى في محكم التنزيل: (وَلقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لله) (لقمان: 12)، إشارة إلى نعمة الله تعالى على لقمان، ثم هو يؤدي شكر هذه النعمة: (وَإِذْ قَال لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِالله) (لقمان: 13) وفي هذا إشارة إلى سعي لقمان رحمه الله إلى التكميل لغيره، فأعلى مراتب الإنسان أن يكون كاملاً في ذاته مكملاً لغيره.

- الأولاد رجال الغد وأبناء المستقبل فهم الأمّة بعد حين والقدوة بعد يسير والدولة بعد قليل.

- والأولاد نعمة من أجلّ النعم على العباد، بهم تكون النصرة وبهم تدوم الذكرى ويتجلى كونهم نعمة في دعاء زكريا ربه إذ قال: (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) (الأنبياء: 89).

- ومن حق النعمة شكرها، وشكر نعمة الله تعالى في الأولاد تربيتهم على الخلق الحسن وترغيبهم في دين الله القويم وغرس تعاليم الإسلام في نفوسهم الصافية، لأجل ذلك كان من دعاء زكريا ربه أن يرزقه غلاماً رضيَّ النفس رضيَّ الخُلق رضيَّ الدِّين (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً) (مريم: 6).

- إن شأن التربية عسير شديد في زمان فُقدت منه القدوات وتنوعت فيه مصادر التلقي وأصبح الشارع هو المربي وغدا التلفاز هو مصدر الأخذ والتلقي.

- لأجل ذلك يكرم الله تعالى المربين ويجعل ثمار التربية الكريمة فضلاً وشرفاً وخيراً يعود على الوالدين، يكفي أن يكون ابنك الصالح في ميزان حسناتك (وولد صالح يدعو له) (رواه مسلم)، يكفي أن يلبسك وأمه تاج الوقار، لؤلؤة واحده منه خير من الدنيا وما فيها، يكفي أن يكون باراً لك مشفقاً عليك في الدنيا والآخرة، وقد روي (أن العبد يرفع له في الجنة درجات فيقول يا رب ممن هذا فيُقال: باستغفار ولدك لك).

- إن ثمار التربية الكريمة يعود بالخير على الأمة كذلك، فحيّا الله بيوتاً أخرجت للأمة علماء وصدّرت للعالم مجاهدين وشهداء، وحيّا الله رجلاً حفظ على ولده فطرته في زمان تلون وتلوث الفطرة، (كلُّ مولودٍ يُولدُ على الفطرةِ، فأبواه يُهَوِّدانِه، أو يُنَصِّرانِه، أو يُمَجِّسانِه..) (رواه البخاري).

- إن حرصك على الزواج من الطيِّبة ذات الأصل الطيب من البيت الطيب يوفر لولدك بيئة طيبة، والبيئة الطيبة ضرورة، فالخال يربي والعمّ يربي والجد يربي، وهذا سهل بن عبد الله التستري يقول: كنتُ وأنا صغير أنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار، فقال لي يوماً: يا سهل ألا تذكر الله الذي خلقك فسوّاك فعدلك، فقلت: وكيف أذكره؟ قال: قلْ بقلبك عند ساعة نومك، الله معي، الله ناظري، الله شاهدي، ثم قال لي خالي يوماً: يا سهل من كان الله معه وناظراً إليه وشاهده أيعصيه؟ إياك والمعصية.

- إن شأن التربية لشديد وإنه ليسير على من يسّره الله تعالى عليه، وإن من أبرز ما ينبغي أن تعتني به أن تنصّب نفسك قدوة كريمة لأولادك، وليس القدوة كلاماً يقال أو أمراً ونهياً جامدين إنما هي العمل، لأجل ذلك قالوا: إذا كنت إمامي فكن أمامي.

- إن شأن التربية لشديد؛ لأنك مسؤول عن تربية ولدك تربية روحية إيمانية وخلقية وجسمية وعقلية، وتربية نفسية واجتماعية وجنسية، كل ذلك حتى ينشأ بصورة متكاملة لا شذوذ فيها ولا تشويه.

- إن شأن التربية لشديد، وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه؛ ذلك أن في تربية الأولاد تكليف ومتابعة، وليس هو التكليف المجرد، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مُرُوا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سِنِينَ، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عشرِ سِنِينَ، وفَرِّقُوا بينهم في المضاجعِ) (صحيح الجامع)، مروهم وتابعوا التنفيذ.

- تعال معي في جولة ننظر من خلالها إلي عناية السابقين بأبنائهم:

قال عبد الملك بن مروان ينصح مؤدب ولده: (علّمهم الصدق كما تُعلمهم القرآن، واحملهم على الأخلاق الجميلة، وروّهم الشِعر وجالس بهم أشراف الرجال وأهل العلم منهم، وجنبهم السفلة فإنهم أسوأ الناس أدباً، ووقّرهم في العلانية وأنّبهم في السر، واضربهم على الكذب).

وقال أحدهم يوصي مؤدب ولده: (علمهم السباحة قبل الكتابة فإنهم يجدون من يكتب عنهم، ولا يجدون من يسبح عنهم).

- إن شأن التربية لشديد، وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه؛ ذلك أن عاطفة الأبوة تغلب أحياناً فتجعل الرجل يقر الخبث في ولده وبنته دون أن يأمرهم أو ينهاهم، ولو كان حبك لهم صادقاً لأمّنتهم من عذاب الله تعالى.

- إن شأن التربية لشديد؛ لأن الواحد قد تثور عاطفته فيدعو على ولده، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تدعوا على أنفسكم ولا على أولادكم) (صحيح الجامع).

- علّموا أولادكم وصية لقمان لابنه: يا بني عليك بمجالس العلماء واسمع كلام الحكماء، يا بني اتخذ التقوى تجارتك يأتك الربح من غير بضاعة، يا بني احضر الجنائز؛ لأنها تذكرك الآخرة، يا بني لا تكن أعجز من الديك الذي يصيح بالأسحار وأنت نائم، يا بني لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة، يا بني لا تجلس في مجلس لا يُذكر فيه الله، يا بني لا يأكل طعامك إلا تقي وشاور في أمرك العلماء، يا بني إياك والدَّين فإنه ذل في النهار همٌّ في الليل، يا بني عوِّد لسانك أن يقول: اللهم اغفر لي فإن لله ساعات لا تُرد.

- وإليكم نموذجاً من النماذج الحية تثبت أن شأن التربية وإن كان شديداً عسيراً إلا أن ثماره تنسيك كل جهد ومشقة:

فهذا الشيخ أبو الأعلى المودودي، توفي والده ولم يبلغ السادسة عشر من عمره، قال في والده: "لقد رباني والدي رحمه الله تربية طيبة، فحديثه دائماً حديثٌ عذبٌ نظيف، وقد حاول دائماً ومنذ بداية حياتي أن يقوِّم اعوجاج لساني ونطقي للحروف، كما جنبني ألفاظ السُوَقة التي كنت التقطها أحياناً من الشارع ويستبدل بها ألفاظاً مهذبة يعلمني إياها.

وكان والدي - رحمه الله - يسهر الليالي يحكي لي قصص الأنبياء والتاريخ الإسلامي، ويسمعني القصص والحكايات المفيدة التي تحمل العبرة والموعظة الحسنة.

وكان في أكثر أحيانه يأخذني معه حين يذهب لزيارة أصدقائه وكانوا جميعاً من العلماء والمثقفين، ولقد تعلّمتُ منهم منذ صغري العادات الطيبة وبدأت أفهم أعلى الأفكار".

هذا أبو الأعلى المودودي الذي ما لبث أن صار شيخاً ومؤسساً للجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية، فرحمة الله عليه وعلى والده الذي رباه فأحسن التربية.. ونسأل الله تعالى أن يجعلنا خير خلف لخير سلف.