لا تزال نجاة الصالحي (28 سنة) تتذكر صيف 2004 في قريتها النائية بإقليم زاكورة (المغرب الشرقي) حين أنهت مرحلة الدراسة الابتدائية.
حلم الدراسة
اعتقدت حينها أن حلمها بمتابعة مشوارها الدراسي انتهى، قبل أن يغير مشروع "منحة من أجل النجاح" حياتها لتصير اليوم ممرضة متعددة الاختصاص بالمركز الاستشفائي في مراكش.
تقول نجاة للجزيرة نت "كان إحساسي لا يوصف، بعد أن اعتقدت أن مصيري كسابقاتي من بنات قريتي مطبخ وزواج مبكر، أصبح بإمكاني أن أتابع دراستي لحد الحصول على البكالوريا".
تحكي عن تجربتها باعتزاز، وكيف عاشت ست سنوات بمركز استقبال الفتاة الذي وفرته الجمعية النسائية للتنمية والتضامن بإقليم زاكورة، عبر الشراكة مع جمعية "دعم تمدرس الفتاة القروية" (تأسست سنة )1998 بهدف للحد من التسرب المدرسي.
شكل مشروع "منحة من أجل النجاح" -الذي أطلقته "لجنة دعم تمدرس الفتاة القروية" عام 2000- منعطفا حقيقيا ليس في حياة نجاة وحدها بل ما يقارب اليوم حوالي أربعة آلاف فتاة في قرى وأماكن متعددة.
ينطلق مشروع "منحة من أجل النجاح" من تشخيص معاناة العديد من الفتيات القرويات اللواتي ما زلن يحرمن من متابعة مشوارهن الدراسي. ويقوم على فكرة تأسيس دور استقبال لإيواء وتأطير التلميذات القرويات بهدف استكمال دراستهن.
فوز وتميز
مثل شلال رضا وعرفان، انهمر إعلان فوز مشروع "منحة من أجل النجاح" في 28 من نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم على نعيمة الصنهاجي رئيسة جمعية "دعم تمدرس الفتاة القروية" ضمن فعاليات جائزة التميز للمرأة المغربية التي تنظمها سنويا وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، واهتمت في نسختها الرابعة بـ "المبادرات الموجهة للمرأة القروية".
وبإشراقة جمعت فرح كل الفتيات اللواتي تابعن دراستهن بفضل المشروع، أعلنت الصنهاجي أن الفوز تكليف وتشريف، وأنه تشجيع واعتراف من الدولة بجهد المجتمع المدني.
تقول الصنهاجي للجزيرة نت وقد برقت عيناها دمعا "28 نوفمبر/تشرين الثاني يوم فخر، وحاسم في مسار الجمعية ككل، وفي مساري الشخصي".
تضيف المناضلة الحقوقية أنها عاشت مشاعر مختلطة تذكرت خلالها والديها، وكيف استطاعا رغم الظروف القاسية إيصال ستة أولاد وثلاث بنات إلى مستوى الجامعة. وقالت بفخر واعتزاز" أنا بنت المدرسة العمومية، ونتاجها، والتعليم غير حياتي".
وتضيف الصنهاجي في لقاء مع الجزيرة نت "عائلتي ووطني وتكويني وضعوا على عاتقي مسؤولية، وأنا اخترت أن أدعم الفتاة القروية، رفقة كل المناضلين معي بالجمعية".
حق دستوري
على عكس ملامح الفوز، أظهرت الصنهاجي صرامة أكثر وانخراطا كبيرا، وهي تؤكد أن التعليم حق دستوري، مشيرة إلى أن الجمعية ومعها كل الشركاء المحليين لا يقدمون إحسانا ولا يعوضون مسؤولية الدولة، بل يساعدون في المواكبة وتقريب الخدمات والمرافعة والدفاع عن الحق.
وأوضحت الصنهاجي أن الإيواء وسيلة لتمكين القرويات من الدراسة في الإعدادية في ظل ضعف اللوجستي. وأضافت أن المراكز فضاءات للمواطنة توفر للفتيات الأنشطة والتوعية على حقوق الإنسان والصحة والنظافة.
وجزمت الصنهاجي بأن السبب الأساس اليوم من مغادرة الفتيات بالقرى لمقاعد الدراسة هو ضعف البنية التعليمية وغياب الأمن والسلامة والبعد وضعف جودة الخدمات. وترى أن المشكل الثقافي لا يزال حاضرا لكنه ليس عاملا أساسيا.
نموذج بني زولي
في قلب المشروع الفائز، نلتقي امرأة أخرى كرست حياتها لدمج الفتاة القروية في المدرسة، إنها مجيدة شهيد رئيسة "الجمعية النسائية للتنمية والتضامن" بإقليم زاكورة، والتي قدمت جمعيتها نموذجا فعليا لمشروع "منحة من أجل النجاح" وفتحت أبواب مركز الإيواء ببني زولي حيث عاشت نجاة وصديقاتها أمام أعضاء فريق تحكيم جائزة التميز للمرأة المغربية.
تقول شهيد للجزيرة نت "الجمعية الوطنية لدعم تمدرس الفتاة القروية كانت وراء إنشاء أول نواة لإيواء التلميذات القرويات بالإقليم".
وتوضح الناشطة التي كانت تجوب الأحياء والمناطق النائية كي تقنع الآباء في بداية التجربة "المشروع منذ انطلاقته بزاكورة عام 2004 استفادت منه حوالي 300 فتاة، عبر أكثر من سبعة مراكز تسيرها الجمعية".
وتؤكد أن تجربة بني زولي تميزت بمساهمة البنات في تسيير وتدبير المؤسسات، وبتفوق المنخرطات وولوجهن مجال العمل.
قرويات فخورات
بديعة ومجيدة ونجاة ثلاث سيدات من ثلاث حلقات من سلسلة البرنامج، أكملت كل منهن مهام الأخرى، والنتيجة احترام متبادل وعرفان وامتنان، وجيل فتيات قرويات فخورات بمسارهن.
جمعية وطنية مؤطرة تعبئ التمويل وتوفر الإطار والمشروع، ومناضلات محليات يتدافعن لإنجاح المشروع وفتيات راغبات في التعليم مجدات ينخرطن من أجل مستقبل أجمل تحظى فيه المرأة بالحق والتقدير، فكان التميز والنجاح والفوز.