في خطوة جديدة لا تقل خطرا عن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي على الأرض المتمثلة في قتل الفلسطينيين واعتقالهم، أعلن وزير الزراعة الإسرائيلي أوري أريئيل الثلاثاء وقف استيراد الفواكه والخضار من مناطق السلطة الفلسطينية.
ورغم حاجة القرار إلى موافقة القيادة الأمنية الإسرائيلية حتى يصبح نافذا، فإن تجارا ومزارعين فلسطينيين لمسوا أثره منذ يوم أمس، بمنع وصول بضائعهم إلى مناطق الخط الأخضر (فلسطين المحتلة) والمقدرة -وفق مصادر إسرائيلية- بنحو ثلاثمئة طن من المنتجات الزراعية يوميا.
ويأتي قرار الوزير الإسرائيلي -بحسب القناة الثانية التي نقلت الخبر- بسبب شكاوى قدمها مزارعون إسرائيليون لعدم استيراد الفلسطينيين منتجات من إسرائيل، ولا سيما من قطاع المواشي.
وذكرت القناة أن الوزير لم يستمع لنصائح الإدارة المدنية والجيش الإسرائيلي بأن قراره يضر بالأمن الإسرائيلي والاقتصاد الفلسطيني، وأصدر بيانه بمنع استيراد الفواكه.
خسائر مضاعفة
وكان وقع الخبر كالصاعقة على المزارع الفلسطيني عبد الكريم أبو جيش من قرية فروش بيت دجن شرق نابلس، فالقرار يتزامن مع قطفه أولى ثمار مزرعته من الطماطم.
يزرع أبو جيش (28 عاما) دونما ونصفا (الدونم يساوي ألف متر مربع) من الطماطم هذا العام بكلفة قدرها بنحو ستة آلاف دولار أميركي، ويقول إن القرار سيدمر مشروعه ويجعله يعمل ليغطي تكاليف زراعته فقط، "فالبضائع ستغرق السوق والأسعار ستصل للحضيض".
ومثل أبو جيش انتاب القلق أهالي قريته الذين يعمل غالبهم في الزراعة، فهم لا يقوون على تحمل خسائر الكوارث الطبيعية "فكيف يتحملون قرار مثل هذا"، بحسب أبو جيش.
وتشير تقديرات وزارة الزراعة الفلسطينية إلى إمكانية استيعاب السوق المحلي للبضائع الفائضة، ولكن بربح أقل للمزارع والتاجر.
ويقول تاجر الخضار بالجملة في الأغوار الوسطى حمزة أبو ثابت، إن ذلك لن يوقف "تكدس" البضائع في السوق المحلي وبالتالي هبوط أسعارها.
ويضيف أبو ثابت أنه يستعد لتحويل خمسة أطنان من الخضار تقدر بنحو ثمانية آلاف دولار للسوق الفلسطيني، بعد أن أعرض عن شرائها تجار وسطاء كانوا ينقلونها إلى الداخل المحتل بعد أن منع الجنود الإسرائيليون دخولها خلال المعابر.
ويتخوف أبو ثابت من أن تطول فترة المنع، وبالتالي تزداد كميات الخضار المطروحة بالسوق، ولا سيما في ظل غزارة إنتاج قطاع غزة ودخوله للضفة الغربية.
هذا نفسه ما يُقلق راشد شتيوي بائع الخضار في سوق مدينة نابلس، الذي يقول إن "الأوضاع الاقتصادية السيئة وموجات الغلاء التي يعيشها الفلسطيني لا تحتمل تراكم أي منتج لا سيما الخضار، كما أن نيران القرار الإسرائيلي ستكوي المزارع قبل غيره".
قرار سياسي
وتحوم خسائر الفلسطينيين المترتبة على قرار الوزير الإسرائيلي حول مليون شيكل (270 ألف دولار أميركي) يوميا، وفق طارق أبو لبن المدير العام للتسويق في وزارة الزراعة الفلسطينية.
ويصف أبو لبن القرار -الذي لم يبلغوا به كجهة رسمية- بأنه سياسي هدفه الضغط على الفلسطينيين وقطاعهم الاقتصادي الأول (الزراعة)، لتحقيق مكاسب إسرائيلية وتمرير سياسات خاصة.
ويقول للجزيرة نت إن قرارهم سيكون "الرد بالمثل" بوقف دخول المنتجات الإسرائيلية لحماية المزارع الفلسطيني والوقوف إلى جانبه، حتى يبقى صامدا في أرضه في ظل سياسات الاحتلال التي تستهدف الفلسطيني والنيل منه في كل المجالات.
ورغم مرونة السوق المحلي وإمكانية استيعابه بضائع إضافية و بالتالي تعويض جزء من الخسائر، فإن من حق الفلسطينيين -وفق أبو لبن- تسويق بضائعهم داخل الخط الأخضر كحق كفلته الشرائع والاتفاقات "الجائرة" الموقعة بين السلطة وإسرائيل.
وأمام هذا، يرى الباحث في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع صعوبة التعاطي الأمني مع القرار في ظل توتر الأوضاع في الضفة الغربية وخشية تصعيدها أكثر.
ويقول للجزيرة نت إن مثل هذه القرارات تحتاج إلى موافقة الجيش، وإن تطبيقها لا يعني ضرب الاقتصاد الفلسطيني بل فتح الباب لاندلاع المواجهة.
وبرأي ياسر مناع، فإن قرار الوزير أريئيل -الذي يوصف بأنه أحد قادة المستوطنين الأكثر تطرفا- هو جزء من السعي الدائم لضم الضفة الغربية وتعزيز أوتاد دولة المستوطنين، ونوع من الدعاية التي تمهد للسباق الانتخابي المرتقب.