بخطوات بطيئة يهم المسن رجب العربي (65 عاما) بمغادرة سوق الجملة في مدينة 6 أكتوبر (غربي القاهرة) أحد أكبر أسواق الخضروات في مصر وعلامات الغضب تبدو على وجهه المتجعد.
استوقفنا الرجل قليلا لمعرفة دوافع انزعاجه، وبكلمات تدل على الغضب الشديد أكد عدم تمكنه من شراء كل ما يحتاجه لبيته بسبب ارتفاع أسعار الخضروات والفاكهة.
وعلى الرغم من الأرقام الرسمية التي تؤكد تراجع معدل التضخم السنوي خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى 15.7% تشهد مصر موجة ارتفاع أسعار في السلع والخدمات الأساسية.
وبحسب جولة مراسل الجزيرة نت في الأسواق، ارتفع سعر كيلوغرام الطماطم جنيهين عن الأسبوع الماضي فبلغ ستة جنيهات (0.34 دولار)، الأمر ذاته تكرر مع البطاطس التي وصل سعر الكيلوغرام عشرة جنيهات (0.56 دولار)، ولم يسلم البصل أيضا من الزيادة، حيث بلغ سعر الكليوغرام ثمانية جنيهات بعدما كان ستة، وجميع تلك الخضروات تزرع في مصر.
مخاوف
مخاوف الرجل المسن لم تتوقف عند عدم قدرته على شراء مستلزمات المنزل في الوقت الحالي، بل امتدت للعام الجديد، قائلا "المشكلة ليست في الوقت الحالي، فبالكاد نستطيع توفير احتياجتنا اليومية، لكن الأزمة في الأيام المقبلة التي لا ندري ماذا سيحدث فيها".
وتمنى في حديثه للجزيرة نت ألا ترتفع الأسعار مجددا في الأيام المقبلة، لكن على ما يبدو أن أمنية الرجل المسن ستتبدد مع منتصف العام الجديد.
وتتحدث تسريبات إعلامية عن زيادة متوقعة في الأسعار بنسبة 20%، وذلك بسبب خطة الحكومة المصرية التي تسعى من خلالها لتحرير أسعار المحروقات بشكل كامل (رفع الدعم)، وهو ما سيجعلها تخضع للأسعار العالمية.
وتقف هذه الخطوة وراء تأجيل صندوق النقد صرف الشريحة الخامسة من قرض الـ12 مليار دولار المتفق عليه مع مصر الذي كان مقررا في ديسمبر/كانون الأول الماضي لخلافات بين الطرفين بشأن تأخر القاهرة في التخلص من مخصصات دعم الطاقة، بحسب ما كشفت وكالة بلومبيرغ للأنباء الاقتصادية في تقرير لها الشهر الجاري.
ويبدو أن الحكومة المصرية قررت أن تحتوي تلك النقطة الخلافية عن طريق تطبيق محدود لآلية التسعير التلقائي للوقود في مارس/آذار المقبل يقتصر على البنزين 95، على أن يرفع الدعم على المواد البترولية بشكل نهائي في يونيو/حزيران المقبل (قبل بداية السنة المالية التي تبدأ في يوليو/تموز من كل عام)، مما ينتج عنه قفزة كبيرة في معدل زيادة أسعار المستهلكين بنسبة تتراوح بين 15 و16%، وفق توقعات خبراء اقتصاد.
يذكر أن الرئاسة المصرية قالت نهاية الشهر الماضي إن مصر تتوقع استلام الشريحة الخامسة من قرض صندوق النقد الدولي في يناير/كانون الثاني الحالي وقيمتها مليارا دولار.
تضخم مرتفع
ويمثل التضخم المرتفع أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي خلال تنفيذ إجراءات برنامج الإصلاح الاقتصادي، إذ وصل إلى أعلى مستوياته في ثلاثة عقود خلال يوليو/تموز من العام الماضي عند 34.2%، لكنه تراجع بشكل ملحوظ منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ويقول الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام "طالما أن هناك برنامجا يتم تنفيذه بالتعاون بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي فإن الأسعار مرشحة للارتفاع في العام المقبل، خاصة أن من أبرز ملامح هذا البرنامج خفض الدعم عن السلع الرئيسية كالوقود والكهرباء وغيرها"، مضيفا أن نسبة الزيادة المتوقعة ستصل إلى 20%.
وفي مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي توقع بنك الاستثمار "أتش سي" أن ينخفض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار بنسبة تتراوح بين 5 و10% خلال عام 2019.
وتدعم هذه التوقعات تصريحات وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري محمد شاكر التي صدرت عنه في 23 ديسمبر/كانون الأول الماضي أكد فيها أنه سيتم رفع الأسعار في يوليو/تموز المقبل.
وبذلك تكون مصر قد رفعت أسعار الكهرباء في عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي ست مرات خلال خمس سنوات منذ 2014 وحتى يوليو/تموز 2019 موعد الزيادة المرتقبة.
أما الوقود فقد رفعت الحكومة أسعاره ثلاث مرات منذ 2016 وحتى الآن، وبلغت نسبة الزيادة ما بين 24 و52%، وبذلك توقع الزيادة المتوقعة في 2019 الرابعة في أقل من ثلاث سنوات تقريبا.
وفي حديث للجزيرة نت يرى الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام أن الزيادة في الكهرباء غير مبررة، خاصة في ظل التوقعات التي تشير إلى تراجع سعر النفط في الأسواق العالمية.
ويقول إن تراجع أسعار النفط "من المفترض أن ينعكس إيجابا على الدول المستوردة، ومنها مصر".
فجوة تمويلية
واستنادا إلى الأرقام الرسمية الصادرة بموازنة مصر لعام 2019/2018 فإن هذا الخفض في سعر النفط عالميا سيوفر للموازنة المصرية نحو 56 مليار جنيه سنويا (3.13 مليارات دولار)، غير أن الحكومة المصرية تقول إن الفجوة التمويلية للموازنة العامة للدولة خلال العام المالي 2020/2019 تصل لنحو 637.3 مليار جنيه، وهو ما يدفعها إلى تحرير الأسعار للمساهمة في سد هذا العجز.
الزيادات المتوقعة في الأسعار خلال العام المقبل ليست بسبب رفع الدعم وحسب، بل ترتبط أيضا بالاختلالات الهيكلية في الاقتصاد المصري، بحسب ما أكد مدرس الاقتصاد في كلية أوكلاند الأميركية الدكتور مصطفى شاهين.
في المقابل، توقع الخبير الاقتصادي الدكتور فخري الفقي زيادة مؤشرات معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي إلى 6% خلال 2019 بسبب الاستمرار في المشروعات القومية، وانخفاض معدل البطالة إلى أقل من 9.5% خلال العام الجديد نتيجة ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي، وزيادة قدرة الاقتصاد على توفير ثمانمئة ألف فرصة عمل العام الحالي، فضلا عن انخفاض معدلات التضخم.