19.44°القدس
19.21°رام الله
18.3°الخليل
25.47°غزة
19.44° القدس
رام الله19.21°
الخليل18.3°
غزة25.47°
الأحد 29 سبتمبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.22دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.7دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.22
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.7

الدهشة التي تربكنا حد الجنون

533
533
وكالات - فلسطين الآن

حيثما توجد الدهشة يكون الجمال وتسكن المتعة حيثما توجد الدهشة نصبح غارقين في تفاصيل السماء ونلتحف بالغيوم التي يسقط منها قطرات المطر على هيئة دهشات متساقطة تلامس وجوهنا وأرواحنا هكذا هي الدهشة التي تُصيبك بها هذه الحياة. تأتيك في ليلة من ليالي الشتاء الباردة تصفن كثيراً تجلس مع نفسك أكثر تلتهم مشاعرك لكي لا تقع فيما يشغل قلبك وروحك تستمع إلى موسيقى هارباً من أثر الدهشة الذي يصفعنا.

فالدهشة التي تهزنا من الداخل ليست الدهشة التي تكون بالفطرة معنا منذ خروجنا إلى هذه الحياة شاخصين الأعين لا بل هي دهشة القلب والروح والعقل معاً تلك الدهشة التي تجعلنا نكتشف أنفسنا بسرعة وكأنما نقوم بإعادة تشغيل كمبيوترنا الشخصي عند وجود خلل ما يعيقه عن العمل كذلك نحن نقوم بهذه العملية من خلال مراجعة كل ما يحدث وسيحدث بعد تعرضنا لهذه الدهشة التي تصفعنا صفعة حميمية تتلاصق بأرواحنا كما الأجساد.

عندما سقطت الدهشة وطّوقتنا من أعناق أرواحنا تذكرت الليالي البيضاء لدوستفسكي: "الليالي البيضاء" رواية عاطفية تحكي عن أربع ليالٍ في مدينة بطرسبورغ، بلياليها القصيرة التي ترمز إلى قصة الحب العابرة التي يرويها لنا دوستويفسكي. شاب وحيد ورومانسي يلتقي ذات ليلة في أحد شوارع بطرسبورغ المعتمة بفتاة باكية تأمل قدوم حبيبها. تتماهى ناستينكا مع خيال الشاب الذي وقع في حبها منذ اللحظة الأولى، وتواسيه بسراب حب وليد.

فالدهشة هي مجموعة قصص في قصة واحدة قصة لا يمكننا أن نكتب لها نهاية مؤلمة أو دمعة أو فراق، قصة علينا أن نجعل نهاياتها تبدأ بالحب وتنتهي بالحب فالدهشة التي تعصف بضلوعنا ما هي إلا مجموعة روايات وقصص قرأناها وتأثرنا بها وجزء منها عشناه بواقعنا. هي نهرٌ لا ينضب من يآسمينة تملأنا عطراً وهي ليل يمنحنا دفئاً لا يضاهي دفئ الشمس في فصل الصيف، وهي غيمةٌ تحرسنا من الوقوع بوادٍ سحيق لا نهاية له.

لذلك الدهشة هي الوعي المليء بالتناقضات وهي التي تجعلنا نطرح الأسئلة والأجوبة دون أن نعرف لماذا سألنا ذاك السؤال ولماذا لا نجيب بالجواب الذي نريده وكما قال " أرسطو " قديماً: "كل ما أعرف أنني لا أعرف شيئاً". لذلك علينا أن نعيش هذه الدهشة بمراحلها المتسارعة المجنونة دون أن نضع العقبات والأسئلة الكثيرة التي ربما تُنسينا جمال هذه اللحظة ولذة عبقها الذي يملأ المكان سكون وحب وحياة وسعادة لا تنضب.

هناك خلف ذلك النهر الذي يفصل جغرافياً بشر يُقال أنهم من رحمٍ واحد توجد الدهشة وتوجد الصدفة ويوجد الجمال اللامتناهي من التناقضات الكثيرة والصراع النفسي الكبير حيث تقطن دهشةً جميلة لها وقعٌ جميل في الروح وعبقٌ لا ينتهي تفوح في ارجاء البلاد وكأنها المعذبة التي غنتها فيروز يوماً ما وقالت جاءت معذبتي في غيهب الغسقِ كأنها الكوكب الدُري في الأفقِ هذه الدهشة هي ما غنته فيروز في جبال لبنان قبل سنوات كثيرة وهي تنادي على شادي الذي ضاع دون رجعة وتنادي على حبيبها الذي حُبس في زمن العثمانيين.

هذه الدهشة هي ترجمةٌ كثيرة لكل معاني العمق والغموض والرهبة حد الإرباك حد الجنون الذي لا يؤمن بالحدود ولا يؤمن بالعسس ولا بكل ما تحمله لنا العادات والتقاليد المهترئة، هذه الدهشة هي صدى صوت الناجين من الغرق في بحور أوروبا وهي تلك الموسيقى التي يسمعها الكهل في ريف فرنسا عندما يخلد للموت في لحظة انتحار وتوقظه من سباته العميق ليقرر الحياة. هذه الدهشة هي صوت الله في الأرض تُربكنا حد الجنون الذي لا نعرف نهايته.