25°القدس
24.61°رام الله
23.86°الخليل
28.09°غزة
25° القدس
رام الله24.61°
الخليل23.86°
غزة28.09°
الأحد 29 سبتمبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.22دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.7دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.22
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.7

لا تجعل من الماضي وحشا يفترس قصتك

533 (3)
533 (3)
وليد حاجي

يدخل الإنسان صراعا دائما مع الحياة مع أول نفس له في هذا العالم، ويدخل معه دوامة ماضيه وحاضره ومستقبله، ويجب أن نعترف أن للماضي حصة الأسد دائما في حياتنا، وأن كل لحظة نعيشها ندفعها قربانا له، حتى بعد رحيلنا سنصبح ذكرى وتصبح كان متلازمة لأسمائنا، يجردنا الزمن دائما من أشياء كثيرة، ويترك الجرح بداخلنا منتصبا كما ولد أول مرة، لماذا نهرب من مواجهة الماضي، قد يتحول هذا الوحش عقدة للكثيرين، يفترس قصتهم و يعيق رؤية الحاضر والمستقبل، شخصيات كثيرة تدخل حياتنا من بابها الواسع، أحباء وأصدقاء يرحلون دون ميعاد، ويتركون خلفهم حبا أو جرحا أو خيبة، تجمعنا بهم ذكريات عصية عن النسيان، وتبقى ظلالهم ترافقنا إلى نهاية المسار، وملامح الغياب تفصل بين عناق الأيادي.

يحاصرنا أمس يأبى المغادرة، نفتح أعيننا على تخاريف الصبا، تجرفنا الأيام إلى أرض بلا نبض، يقف الواقع أمامنا عاريا، تلفه دموع الرحيل، في لهفة الحنين نقتفي آثار صور صامتة هاجرت مشاعرها وأصواتها وبقت هي هنا تبحث عن أصحاب حبسوا بين زواياها، أيام تسكننا ولا نسكنها، نحن من راقصنا أيامنا على طاولات القمار، نقف في نقطة التقاء مع الزمن نتلمس ذكرياتنا الرثة، وفي شارع المراهنات طالما خسرنا أصدقاء كنا نظن يوما أنهم يؤنسون وحشة الطريق، وها نحن هنا لا نحمل إلا أرواحنا المتعبة وكومة من جراح.

في رحلة البحث عن الذات، نفتح دفاترنا القديمة نبحث عن مكامن سذاجتنا، قد تكون ضريبة الطيبة غالية، لكنها تضمن لنا لقب إنسان حقيقي، ندفع ثمن ثقتنا بأناس لبسوا قناع البراءة، لكن على الأقل نحن جزء مملوء من الكأس، خارطة العلاقات الإنسانية وطرقها متشعبة كطبع الإنسان، لذلك لا يجب أن نقف عند عتبات حدث في حياتنا، ولا يجب أن نجعل من الماضي قيدا لا يكسر، قد لا نعرف للنسيان طريقا، لكن يجب أن نعرف طريقا إلى حياتنا وإلى أناس دائما كانوا معنا، لماذا نربط حياتنا بسراب مضى دون رجعة، لماذا نحمل حاضرنا ذنبا لم يقترفه، الحياة تستحق المحاولة، لنرسم خطواتنا القادمة دون أن نلتفت إلى الوراء، لنعش كصفحة بيضاء ناصعة تخزن سوادها القاتم خلفها، وترى نفسها نقية خالية من الدنس، مسافرن نحن في هذه الحياة سنصل يوما محطتنا الأخيرة، ستترجل أنفاسنا من صهوة العمر، وسنصبح اسما أو رقما في معادلة الموت، ونحن لم نعش يوما، لأننا جعلنا الماضي وجراحه دوما محورا لحياتنا، الحياة مهما طالت قصيرة، هي كومضة برق تملأ العالم نورا وتتلاشى كأنها لم تكن، عش يومك كاملا فلحياتك عليك حق.

كيف يتحول الجرح حدسا للحياة؟ الذاكرة منعرج يصعب تجاوزه، لأنها جزء لا يتجزأ منا، لكن قد نجعل منها نقطة قوة تحمينا في معترك الحياة، ونصنع من تجاربها طوق نجاة يقودنا إلى مرافئ الأمان، لنحتضن العالم برؤية جديدة إذا، لنجعل من الأمل دستورا أبديا لما هو قادم، لنضع الماضي بحلوه ومره جانبا، فحاضرنا أيضا يستحق الحياة.

حياتنا حاصل جمع بين ماض وحاضر ومستقبل، لا نستطيع التمييز بين حدودهم، لكنهم خلطة تصنع قصتنا كاملة من البداية إلى النهاية، فقصتك ملكية خاصة لك أحقية وإرادة في كتابة سطورها، فكن أمينا في تلوين صورها، لا تُغلب السواد على فصولها، لون مراحل حياتك بما تستحق، لا تتردد في رسم ابتسامة في عز لحظات حزنك، قف صامدا بعد الفراق، فلك موعد معه في آخر نقطة توضع في فصول قصتك. لست هنا بمقام ناصح أو مرشد اجتماعي لكنني أتحدث بلسان صمت طالما دفن داخلي، فكل كلمة كتبتها هي موجهة لي ولكل إنسان سيقرأها وسيرى نفسه فيها.