إلى الأستاذ عريب الرنتاوي .. كنت أربأ بالأستاذ عريب الرنتاوي، وهو الإعلامي المحترف، والباحث الموضوعي من أن يعنون مقاله الأخير «واشنطن للإسلاميين: لن ننام على سرير واحد بعد اليوم»، بهذه العبارة التي تفتقر إلى الكياسة اللغوية. فمصطلح ننام في سرير واحد in bed with someoneغير مناسب للحديث عن السياسة، لا حقيقة ولا مجازا أو استعارة، كما أنه بعيد كل البعد عن وصف العلاقة بين أمريكا والحركات الإسلامية. فالعلاقة بينهما لم تكن أبدا علاقة حب love relation، ولم تكن حتى دافئة warm، بل هي في أحسن أحوالها فاترة lukewarm، ولو استطلعت آراء الشعوب عموما لسمعت أصواتهم تهدر في كل مصائب العرب: «أمريكا رأس الحية»، كما لا يمكن الحكم على الشعوب العربية بسياسات حكوماتها، فبينما الحكومات تحت الإمرة الأمريكية إلا أن الشعوب العربية والإسلامية تكن لأمريكا العداء. ولولا حكمة التيارات الإسلامية المعتدلة في السيطرة على الشارع العربي، لانفلت زمام غضبها في مناسبات كثيرة بما لا تحمد عقباه، ولقد أحست أمريكا بهذه اللاصداقة من قبل العرب، فأنشأت دوائر لتحسين صورتها في العالم العربي، وبعثت بالسفراء الذين فشلوا في تجميل الوجه العكر الذي تشهد له أعماله في المنطقة العربية، أكثر من لسانه المعسول. وعلاقة الحركات الإسلامية التي وصلت إلى سدة الحكم في بلاد «الربيع العربي» بأمريكا علاقة مصلحة، وتحقيق مصلحة الأمة هو هدف معتبر في الشريعة، وهي علاقة ظرفية مبنية على ما يستجد من أحداث، فالحركات الإسلامية لا تدين بأي ولاء لأمريكا، ولا تجتمع معها في المبادئ السياسية، إلا بما يقتضيه احترام المعاهدات والاتفاقيات الدولية. كما أن أمريكا ليست القلب الحنون، ولا الأم الرؤوم للعرب، وهي إن ساندت بعض الثورات العربية كلاما أو فعلا فقد ساندت لمصالحها، والأستاذ الرنتاوي أدرى بما يشاع عن مخططات أمريكا وفوضاها الخلاقة لتقسيم المنطقة العربية، وهذا لا يعني أن الشعوب العربية في ثوراتها تستجيب لأمريكا، أو تبلع طعمها، ولكن الذكاء إن وُجد المخطط الأمريكي حقا فهو مقابلته بمخطط آخر يفشل سعيه، ويحفظ انجازات الربيع والثورات، ومن قبل ومن بعد فإن لله رب الكون المتصرف، إذا حسنت النوايا والأعمال من عباده، مكراً يزيل مكرهم الذي تزول منه الجبال. وأمريكا ليست من السذاجة بمكان لتعتقد أن الإسلاميين قد يكونوا حلفاء لها؛ فأي حلف هذا الذي تبيعه أمريكا رخيصا بالتصويت، لأن تكون القدس عاصمة «إسرائيل» ثلاث مرات بعد ان فشلت في المرة الأولى والثانية، وزورت الثالثة -بحسب بعض وكالات الأنباء- وهي تعلم أن القدس وفلسطين قضية مقدسة عند العرب والمسلمين؟! ولقد آن لنا أن نتخلى عن سذاجتنا بالاعتقاد أن مواقف أمريكا من العرب والمسلمين ستتغير بتغير القابع في البيت الأبيض، فقد سبق أن نظرنا إلى أوباما أنه المخلص المنتظر، وكافأنا بالترامي المستمر تحت أقدام الصهاينة والمنافسة مع رومني على ذلك، وان افترضنا أن له عينا على العالم العربي، فقلبه وعقله مع أعدائهم،والعرب كذلك لن ينسوا ما أذاقته لهم أمريكا من الويلات، وإن كان لأمريكا ذكرى مشؤومة في الحادي عشر من سبتمبر، فإن العرب على يد أمريكا يعيشون الحادي عشر من سبتمبر وتداعياته في كل يوم من أيام السنة. أما غياب العرب في الإعلام الأمريكي الذي تحدث عنه الأستاذ الرنتاوي في مقاله، فهو الحالة الدائمة وليست الاستثناء، بل إن العرب لا يظهرون في الإعلام الأمريكي إلا ضمن صور نمطية تخدم مصالح أمريكا في زيادة تشويه صورتهم، وتأكيد التزامها بالحرب على الإرهاب. أمريكا لا تفترض صداقتنا، ونحن كذلك لا نفترض صداقتها، ولا نستميت فيها، فقد لُدغنا من جحرها مرات ومرات، ولكن السياسة مصالح وإدراك للممكن حتى تستقر الأمور للإسلاميين، ويرتفع صوت المبادئ على صوت المصالح. لقد ولى عهد النوم للعرب، وحان وقت الاستيقاظ واليقظة من أعداء الداخل والخارج.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.