وهذا بحدّ ذاته مفيد إلى حد ما شرط ألا يتحول إلى بديل لثقافة ذات أقدام تقف على الأرض وتعرف كيف وأين تخطو لأن نزع المصطلحات من سياقاتها سواء كانت سياسية استراتيجية أو علمية أو حتى أدبية من شأنه أن يخلط الحابل بالنابل فلا يدري المرء ما الذي يراد بهذه المصطلحات عندما تستخدم كأحجار كريمة أو ذات رنين مغناطيسي بمناسبة وبلا مناسبة . وإن كان لابد من مثال رغم طرافته وربما قسوته لفرط تعلقه بالأميّة والثقافة السمعية، فهو ما قاله شخص ما ذات يوم عن مفكر عربي وصف بأنه منظّر أو منتج نظريات . . ولأن هذا المشاهد سمع الكلمة بعينيه فقط تصور أن المنظّر هو المنذر أي السّباق إلى قرع الأجراس والتحذير . إن رصد مثل هذه الأمثلة من شأن باحثين في علمي النفس والاجتماع، لكن هذه العلوم لاتزال حبيسة الأروقة الأكاديمية في عالمنا العربي ولم تترسخ بعد أية تقاليد حول الطب النفسي، وهناك من يذهبون إلى الطبيب النفسي سراً إذا اضطروا إلى ذلك خشية من أن يساء فهمهم ويقال عنهم إنهم مجانين أو على وشك الجنون . خطورة الثقافة الفضائية التي بلا أقدام هي في المجتمعات التي تعاني من أمية القراءة، فالمسموع والمرئي لا يكفيان . لأن للقراءة بعداً ثالثاً يشمل ما بين السطور، ولا يترك العبء كله على الأذن التي قد تقبل كل ما يصل إليها بلا تمحيص ومعاينة .وخلال الأشهر الستة الماضية من هذا العالم والتي شهدت حراكاً عربياً عنيفاً بثت الفضائيات فصلاً آخر من ثقافة المسموع أو المقروء بالأذن فقط، وصرنا نسمع عبارات وتعليقات مرصعة بمصطلحات فوسفورية مُشعة، لكنها مخلوعة من سياقاتها الأَصِيلة . ومن المعروف أن استخدام أي مصطلح في غير سياقه قد يقلب معناه أو على الأقل يخلق التباساً نحن في غنى عنه، بسبب وفرة وفائض الغموض والالتباسات في حياتنا .