قصة "فبريز" "Febreze"-وهو منتج مفيد للغاية- بدأ حين اكتشفه أحد الباحثين صدفة في شركة "بروكتر" و "جامبل"، ووجد أنه مركب كيميائي قادر على أن يزيل أي رائحة مهما كانت. حين بدأت الشركة تجربة العينات الأولى من "فبريز" على نوعيات مختلفة من المستهلكين، نالت المديح والشكر والتقريظ. حين بدأ بيع "فبريز" في الأسواق، جاءت أرقام المبيعات متدنية للغاية ومخيبة للآمال، حتى كادت الشركة تفكر في وقف إنتاجه وصرف فريق العمل عليه. ببساطة، المنتج كان إجابة السماء لكل من يعاني من روائح كريهة، مثل المدخنين ومن يربون الحيوانات في بيوتهم ومن يعانون من الروائح غير الطيبة وغيرهم، فكيف يفشل في البيع ولا يلتقطه الناس والإنسان الطبيعي بطبعه محب للنظافة والرائحة الطيبة؟ لعل واحد من أهم جوانب مثل هذه القصص هو التعرف على كيفية حل الشركات الكبيرة لمثل هذه المشاكل، وفي هذه الحالة عهدت شركة "بروكتر" و"جامبل" إلى طاقم من العلماء والأساتذة والمحللين والخبراء النفسيين؛ لمعرفة سبب عزوف الناس عن شراء منتج مفيد للغاية مثل هذا. بدأ الفريق بزيارة بيوت المشتركين في التجربة الأولى لفبريز، وكانت الملاحظة أنه ما أن دخل أعضاء الفريق بيت هذا وذاك، حتى لاحظوا الرائحة الصعبة للمكان. المفاجأة كانت أنه حين سأل الفريق أهل البيت عمّا إذا كانوا يلاحظون هذه الرائحة الصعبة، فكانت الإجابات واحدة: لا. بالتدقيق وجد الفريق أن الإنسان حين يسكن في مكان ما له رائحة طاغية، فإن الأنف تعتاد على الرائحة وتتوقف عن ملاحظتها وتكون الرائحة هذه هي المعتاد. هذا الاكتشاف الصغير أثبت نقطة قوية، ألا وهي عدم صحة الأساس الذي قامت عليه السياسة الإعلانية الأولى لهذا المنتج. كانت الإعلانات تقوم على فكرة توفر الحل السحري للتخلص من الروائح الكريهة، مع تركيز نسبة لا بأس بها من الإعلانات على مقتني القطط والكلاب، وكيف أن "فبريز" يقضي على روائحهم الكريهة. المشكلة هنا كانت أن هؤلاء الناس لا تلتقط أنوفهم أي روائح كريهة؛ لأنهم اعتادوا عليها، وبالتالي فالنقطة التي يركز عليها الإعلان لا تتحقق في حالتهم، وكان هذا سبب فشل إعلانات بدت للوهلة الأولى صحيحة وسديدة وواعدة. رغم الضغط العصبي الشديد الذي مر به أعضاء فريق تقصي سبب تدني المبيعات، ورغم كثرة الإشاعات عن قرب وقف إنتاج "فبريز" وطرد كل العاملين عليه لفشلهم، استمر الفريق في دراسة مستخدمي "فبريز" حتى جاء الفرج في صورة خبر عن عميلة سعيدة للغاية بهذا المنتج وتستعمله يومياً. على الفور سافر الفريق لزيارة هذه السيدة في منزلها، وطلبوا منها البقاء معها وهي تستخدم "فبريز"، وأن يراقبوها وهي تنظف منزلها. كانت الملاحظة الأولى أن هذه السيدة قمة في النظافة، وهي فعليا لم تكن بحاجة لاستخدام "فبريز" ليزيل أي رائحة كريهة. الاكتشاف المفاجئ كان أن هذه السيدة حين انتهت من علمية التنظيف الشاقة، أطلقت عدة رشات من رذاذ "فبريز"، وابتسمت بنشوة، ثم جلست لترتاح. لم تكن هذه السيدة تستخدم "فبريز" لتتخلص من الروائح، بل استخدمته؛ لأنها أحبت رائحته الخاصة والتي كانت تسود على أي رائحة أخرى. الرائحة الطيبة لهذا المنتج العطري حقّقت لهذه السيدة ما تريده، فبعد عمل شاق في التنظيف، أرادت أن تجد المكافأة، وهي كانت رؤية كل شيء نظيف ومرتب، وكان ينقصها الرائحة اللطيفة لتسود المكان. هذه الرائحة أخبرت المخ أن وقت الشعور بالحصول على المكافأة قد جاء. أرادت السيدة محفزاً حسياً؛ ليجعلها تدرك أن عملها الشاق له مكافأة، وفي حالتها كانت الشكل النظيف للبيت، زائد الرائحة الطيبة التي لا ينازعها شيء. طبعا لم يكرر الفريق الخطأ السابق حين بنوا نظرية على رد فعل قلة من المستخدمين، ولذا كرروا التجربة مع الكثير من المستخدمين الآخرين الذين أعلنوا عن رضاهم من استخدام "فبريز". بمراجعة آلاف الساعات من أفلام مصورة لربات البيوت وهن ينظفن بيوتهن، وجد الخبراء أن ربات البيوت تنظف كل واحدة منهن غرفة ما على أتم وجه، ثم ترش بعض رذاذ "فبريز"، ثم تعتلي وجهها ابتسامة الرضا عن النفس والسعادة، ثم تغلق الباب وتكمل تنظيف بقية البيت. إن ربات البيوت يبحثن عن سبب للشعور بالسعادة بعد الانتهاء من التنظيف، كمكافأة لهن على هذا المجهود الشاق. ما توصل إليه الفريق هو أن الناس – على اختلاف طبائعهم – يريدون لأنوفهم أن تشم روائح طيبة عند انتهائهم من عمل روتين ما. هنا أدرك الفريق أن هذه الرغبة هي ما يجب أن تقوم عليه سياسة الإعلان لـ"فبريز". لتجربة ذلك تم تعديل شكل الدعايات والتغليف لـ"فبريز"، مع إضافة المزيد من المواد العطرية لتأكيد رائحته النفاذة الطيبة. قبلها كان الإعلان يقول إن "فبريز" هو نقطة البدء :"لعملية التنظيف". هذا كان أحد الأخطاء. بعدها اعتمد الإعلان على إبراز "فبريز" كعلامة دالة على أن عملية التنظيف قد اكتملت على أفضل وجه. قبلها كان السطر الإعلاني يقول: "فبريز" ينزع الروائح الكريهة من الأقمشة. بعدها قال: "فبريز" "ينظّف روائح الحياة". في عام 1998 جاءت الإطلاقة الثانية لمعطر الجو "فبريز"؛ ليحقق مبيعات قدرها (230) مليون دولار في السنة الأولى. اليوم يمكن شراء "فبريز" في أكثر من 12 صورة له مثل معطر جو وشموع عطرية وإضافات عطرية لمسحوق الغسيل وغيره، وتصل مبيعات كل منتجات "فبريز" السنوية إلى مليار دولار! أيها السادة، قصة مثل هذه تستحق أن تعود لقرائتها كثيراً وطويلاً وبهدوء؛ لأن فيها الكثير من الأفكار والحكمة. إذا كنت لأضيف لقلت لا تستخدم أي شيء سلبي في سطرك الإعلاني. لا تقل للعميل أنت غبي وسأجعلك أكثر ذكاء. لا تقل للعميلة أنت دميمة ومنتجي سيحاول علاج ذلك. اجعل سطرك الإعلاني إطراء للمشاهد يشعره بتحسن وبمكافأة. على الجانب: "فبريز" يبيع في الكثير من القارات، إلا بلاد العرب. من يكون الأول ويبدأ بيعه هنا، أو الأفضل، من يكرر قصة نجاح فبريز في بلاد العرب بمنتج عربي؟.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.