نشر موقع السياسة عن حكمة أبو زيد ما كتبه عن الراحل جوزف أبو خليل:
"عمو جوزف" الكتائبي ،الذي مشى مشواره الأخير صوب الراحة الابدية، هو ارزة لبنانية عتيقه استقوت السنون على أغصانها فقصفتها، ولكن هيهات أن تقدر على جذورها الضاربة في أرض وطن الارز، وعلى أريجها المتغلغل في نفوس ابناء هذا اللبنان!؟
"عمو جوزف" الكتائبي كان بالنسبة إليّ " خيي جوزف" منذ ان التقينا في مجلس النواب ، في منتصف القرن العشرين ، هو مندوبا" لجريدة "العمل" ، وانا مندوبا" لجريدة "الهدف" والى جانبنا ميشال ابو جودة مندوبا" ل "النهار" ومعلقها الأشهر في ما بعد . وبحقل هذه الجيرة نمت صداقة مثلثة الأضلاع ثم صارت ثنائية بعد رحيل العزيز ميشال وها هي اليوم تعيش بضلع واحد الى ان ينادي المنادي.
جوزف ابو خليل الكتائبي الملتزم حتى النخاع، والوفي لمؤسس الحزب الشيخ بيار الجميل، ولابنيه أمين وبشير ولأحفاده بيار وسامي ونديم، لم تحرجه يوما" صداقته لزميل صحافي ذي توجه سياسي يساري واضح وممارَس. بل أكثر من ذلك لقد عرفت، من خلاله، وصادقت، الرئيس المؤسس ومن ثم الرئيسين الشهيد بشير وشقيقه أمين .
في كل المواقع الحزبية والاعلامية التي تولاها جوزف في حزبه وجريدته "العمل" بقي هو نفسه: الهادىء ، المتواضع ، النشيط، الودود،العفيف النفس، المنفتح على الحوار، المؤمن بصيغة 1943 التي ارسيت عليها دولة الاستقلال. والى جانب كل هذا كان جوزف المدخّن النهم الذي يعشق سيجارته عشق قيس لليلى.
عندما جُن اللبنانيون في نيسان 1975 كنت، وما زلت، أسكن في عين الرمانة ، وكان أهل الحي جميعا" يعرفون اننا يساريون ولكن " وطنيين" – كما صنفونا - وكان من الطبيعي في أجواء تلك الايام السود ان نتعرض للمضايقات والاعتداءات، احيانا" ، وان نعاني في تنقلاتنا وعلاقاتنا. اطلعت جوزف على الامر فقال لي دعني افكر كيف يُعالج الموضوع. وبعد يومين اتصل بي وقال: "سأزورك مع بشير في البيت حيث يرانا الشباب وترفع المضايقات." وبالفعل جاءا معا" الى المنزل وأصر بشير على ان نجلس في الشرفة ليرانا المارّة . وبعد فترة من الزمن عاد جوزف إليّ مصطحبا" معه كريم بقرادوني والمرحوم جورج عميره الذي كان مديرا" لجريدة " العمل" التي كتب " حصاد الايام" فيها جوزف بعدما كتبه قبله الياس ربابي وادمون رزق ورشاد سلامه.
صحيح أن مبادرات جوزف الاخوية خففت الكثير مما كنا نعانيه كعائلة سليمان ابو زيد ولكنها لم تحمنا من السرقة والتشبيح ومحاولة حرق البيوت عندما " فلت الملق" وصار " كل مين ايدو إلو" في معظم مناطق لبنان. ولكن لا بد من الاعتراف بشجاعة جوزف واقدامه على اعادة النظر بما فعله أثناء الحرب دون أن يتلطى وراء أي ذريعة ليخفي أي عمل قام به ، وهو متفرد في هذا المجال، دون أن يتخلى عن التزامه الحزبي وولائه للمؤسس وأبنائه.
صحيح ان لقاءاتنا كانت قليلة ولكنّ هاتفينا كانا شغّالين كثيرا". وكنا نتبادل الآراء في أمور كثيرة ونتفق أحيانا" ولا نتفق أحيانا" ، ولكن صداقتنا كانت قائمة ، متينة، صادقة في كل الاحايين.
"خيي جوزف" أحس اليوم وكأن أحد شرايين قلبي قد انقطع، واعترف بأن قلمي مربك ومضطرب لأنه يبدو عاجزا" ايفائك حقك وأنت " رجل الوفاء" الذي رحل عنّا في زمن قلّ فيه الوفاء وندر الاوفياء.. الى اللقاء " أبو الزوز" !