رفع الإسلاميون خلال فترة طويلة شعار تطبيق الشريعة الإسلامية، وعرفوا به في مختلف البلدان في السبعينيات والثمانينيات، وسنوات من التسعينيات، ولوحظ خلال هذه الفترة أمران؛ الأول: نجح الإعلام المعادي للإسلاميين، وساعده في ذلك أقوال وتصريحات لبعضهم في تصوير الشريعة بأنها الجانب الجنائي والعقابي فقط (الحدود).
الثاني: أن أنظمة ليست مشهورة بحب شعوبها لها، والحرية مقيدة أو محاربة عندها تدثرت بشعار الشريعة (سودان نميري، باكستان ضياء الحق، موريتانيا هيداله .....) وقد ساعد الأمران في تشويه معنى تطبيق الشريعة، وغيب مضامين الشريعة ذات الصلة بالعدل والإصلاح والشورى ومصالح الناس.
بعد ذلك بفترة تقدم في سلم أولويات الفكر الإسلامي الاهتمام بالحرية، وحق الناس في اختيار من يحكمهم، وواجبهم في رقابته ومحاسبته، وحقهم في عزله وإقالته، ومن هنا كثر الحديث عن الشرعية، وكيف تحصل للسلطة، وأنه لا يعوضها تطبيق أو تنفيذ مهما ادعى أصحابه وصفه بالشريعة.
وهكذا طغت في بعض الأدبيات الإسلامية الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وشاع في أدبيات أخرى التركيز على الشرعية، بل قابل بعضهم مقابلة تقديم وتأخير بين السياسة الشرعية والشرعية السياسية.
ولو انتبه الجميع لأدركوا أن الشريعة الإسلامية جواب عن سؤال مصدر التشريع، وهو ما ينتمي لدائرة القانون. واختيار الناس والديمقراطية جواب عن سؤال الشرعية، وهو ما ينتمي لطبيعة النظام السياسي، وللإسلام قواعد وموجهات في الحالتين.
فاجمعوا يرحمكم الله بين شرعية الاختيار ومصدرية الشريعة، وإلا عرَّضتم عنوان الشريعة لعبث المستبدين، وادعاء الفاسدين.