هل يبقى الزوجان قريبين رغم بعد المسافات؟ البعض يحافظ على الحب ولو كان بينهما آلاف الأميال، نتيجة لارتباط كل منهم بمكان عمل مختلف. كيف تبقى تلك العلاقات قائمة؟ وما الذي يساعد على نجاحها؟
مع وجود التقنيات الحديثة، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، فإن المحافظة على التواصل أصبحت سهلة، وهذا يشكل تحديا عندما لا يرى الزوجان بعضهما لفترات طويلة. ما هي الآثار السلبية لغربة الزوج على الزوجة والأسرة؟ هل يمكن اجتيازها بنجاح ودون مشاكل؟
حكايات من قلب التجربة منها من عاشوا سنوات الاغتراب بحثا عن الأمان المادي وفقدوا الحب والدفء، ومنهم من حافظ على العلاقة الزوجية دون أن يتأثر بعوامل الغربة، وكانا بحالة الشوق والحنين لبعضهما البعض وما أن يلتقيا حتى يتجدد الحب بينهما.
نكون قلبا وقالبا عند اللقاء
ماغي علام ياغي صحافية تزوجت حديثا وكانت مدركة أن زوجها يعمل خارج البلاد، لكنها مقتنعة بأن هناك فوائد كثيرة لهذا البعد من أجل مستقبلهما معا.
هي لا تنكر أنها عانت كثيرا الفترة الأولى وهي عروس بمفردها في المنزل وشعرت بالوحدة رغم وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي سهلت كثيرا تقارب الاشخاص رغم المسافات البعيدة، وصار التواصل مع زوجها متاحا في جميع الأوقات، هذا الأمر خفف وقع الغربة وصعوبتها عليهما معا.
زوجها شادي سندها ويحتل الأولوية في حياتها، وعلاقتهما متينة ولا يسودها برود أو جفاء، فهما عند اللقاء يتجنبان الحديث في الأمور السيئة حتى يستمتعا بالوقت القليل الذي يقضياه سوياً.
وتؤكد ماغي للجزيرة نت "نعيش حالة الحب القوية فنكون قلبا وقالبا معا عند اللقاء، فاللقاء بعد الغياب يكون حارا، مع فترة نقاهة وسعادة ولم الشمل، إضافة للاحترام والشوق والحب والتفاهم. نحن في قمة سعادة العلاقة الزوجية".
18 عاما معاناة
تعاني سفيتلانا طراف (متزوجة منذ 18 عاما) من غربة الزوج، وتقول للجزيرة نت "كبر أولادي، وأنهوا المراحل العمرية المهمة في غياب والدهم. عانيت كثيرا في غيابه، ومن ثقل المسؤولية".
فهي الأم داخل البيت، والأب الذي يؤمن مستلزمات الأسرة، ويقوم باصطحاب الأبناء للمستشفى حين يصابون بالمرض. وهي من تسهر عليهم، وتتابع دراستهم. كما تتقصى علاقاتهم بأصدقائهم، وتراقب سلوكهم.
وتستدرك "صحيح أن زوجي يتصل بنا كل يوم، لكن هذا غير كاف. الفترة الأولى شعرت أنا والأولاد باللهفة والشوق إليه وكنا ننتظر عودته بفارغ الصبر، ولكن مع مرور السنين تأقلمنا على الحياة بمفردنا كما أننا اعتدنا على غيابه".
سفيتلانا -التي تعيش في رغد مادي- تؤكد أن ما ينقصها وأولادها هو وجود الأب والزوج إلى جانبهم، مؤكدة أنه لدى زيارة زوجها تكثر المشادات والتوتر بينهم بسبب بعده عنها وعن أولادهما.
وتتابع بحزن أنه في الوقت نفسه يولي الاثنان أهمية خاصة لعلاقتهما رغم أن البعد يهدد هذه العلاقة لأنهما ارتبطا عن حب عميق وكلاهما يعلمان أن عليهما التضحية من أجل مستقبل أولادهم.
دور الأب الغائب
تقول استشارية علم النفس الاجتماعي ليلى جمعة إن غياب الأب لمختلف الأسباب له أثر سلبي على حياة الأبناء، ومن الواجب على الأم أن تهتم بأبنائها، وأن تنقل لهم صورا طيبة عن والدهم، حتى ولو جرى بينها وبينه خلافات أو مشاكل، وعليها أن توضح وتبرر أسباب غياب الأب، وتذكرهم به دائما.
وتلفت أن الحالة الاجتماعية وحضور الآباء الفعال في حياة الأبناء لهما تأثير كبير جدا على تقدم الأطفال في مراحل التعليم المختلفة، إذ يظل الأب عبر هذه المراحل صديقا وسندا.
وينبغي على الأب الذي يعود إلى بيته بعد سفر وغياب طويل -كما تقول- أن يبذل جهده وسعيه كي ينسي أطفاله فترة غيابه، وأن يستثمر حضوره لتعويضهم ما فقدوه أثناء غيابه.
علم النفس: البعد جفاء
وعن الجانب النفسي، تقول الاستشارية ليلى جمعة "البعد جفاء، فغياب الأب، لأي سبب من الأسباب، يُضعف الجانب العاطفي الأبوي لدى الأطفال، وهو ما قد يؤدي إلى انعدام الحنان والمحبة بين الأب وأبنائه، وبالتالي حدوث اضطرابات نفسية عند الأبناء، لافتقارهم وجود القدوة والسند والقوة في المنزل".
وتضيف أن تحمل الأم العبء الأكبر من مسؤولية تربية الأبناء، في جميع الجوانب، قد يؤدي إلى تقصيرها في هذا الجانب، بسبب غياب دور الأب الذي لا غنى عنه في تحقيق الاستقرار العائلي داخل الأسرة.
ولأنه قد يصعب على الأزواج مشاركة مشاعرهم وعواطفهم وتفاصيل حياتهم الصغيرة التي يمرون بها كل يوم، كما لو أنهم يعيشون في المنزل نفسه. لهذا فإن المواضيع المهمة لا تناقش، مما يؤدي تأجيلها وتراكم الجدالات والمشاعر السلبية، وبالتالي البرود في العلاقة، بحسب الاستشارية.